بعد مرور أربعة أيام فقط على منع المحامية الحقوقية عزة سليمان، مدير مركز قضايا المرأة، من السفر إلى الأردن لإدراجها على قوائم الممنوعين من السفر بسبب قضية التميل الأجنبي، مُنعت الحقوقية الدكتورة عايدة سيف الدولة، مدير مركز النديم لمناهضة التعذيب، من السفر إلى تونس أمس، بناء على قرار من قاضي التحقيقات، في سيناريو غريب تكرر كثيرًا خلال الشهور الماضية، حتى أصبح سرده مجرد خبر عادي والمرور عليه بصورة طبيعية. وأكد مركز النديم أمس أن سلطات الأمن بمطار القاهرة منعت الدكتورة عايدة سيف الدولة من السفر إلى تونس من أجل حضور مؤتمر للمنظمات العاملة على تأهيل ضحايا العنف بشمال إفريقيا، دون إخطارها أو إبلاغها بالقرار عقب صدوره إلا داخل صالات المطار؛ للتحرك القانوني واتخاذ اجراءات الطعن عليه أمام القضاء. 6 ممنوعين من السفر حالة منع سيف الدولة من السفر تعد الخامسة خلال الفترة القليلة الماضية، للمدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني، فسبقها عزة سليمان، مدير مركز قضايا المرأة، والمحامي أحمد راغب، مدير الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان، والمحامي مالك عدلي، والحقوقي ناصر أمين، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان. كما تعرض الناشط والمدون وائل عباس للتوقيف والتحقيق معه في المطار أثناء عودته من بروكسل، ومعظم قرارات المنع من السفر تصدر بتعليمات من الأمن الوطني لدعاوى أمنية، وفي بعض الأحيان يصدر قرار المنع دون إخطار أصحابها أو إبداء أسباب إدراجهم على قوائم الممنوعين من السفر، وفقا للدستور والقانون. ختم عبور «ختم عبور».. كان عنوان التقرير الحقوقي المشترك الصادر أمس، عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، والذي ناقش مسألة غياب وجود قانون ينظم إجراءات المنع من السفر وكشوف الممنوعين، وتخويل هذه السلطة لقرارات وزير الداخلية التي لا ترتقي لمرتبة القانون. في أكثر من 45 صفحة، عرض التقرير عشرات الشهادات لأشخاص تعرضوا لتجربة المنع من السفر وأخطروا بالقرار في صالات المطار، من المدافعين عن حقوق الإنسان، وكذا النشطاء السياسيين، والأكاديميين والإعلاميين، موضحين في شهاداتهم ما تعرضوا له من انتهاكات صاحبت قرار المنع أو مهدت له ولم تنته بمصادرة جواز سفر معظمهم، إنما عرضت الكثير منهم لتحقيقات غير قانونية في مقار الأمن الوطني، ضمن محاولات مستمرة لاسترداد جواز السفر أو معرفة أسباب المنع من السفر أو بيان مداه الزمني. قمع وإرهاب غير مباشر ويناقش التقرير الحقوقي توسع الأجهزة الأمنية بمشاركة أطراف قضائية في استخدام المنع من السفر بالمطارات المصرية، باعتبارها أداة غير قانونية وغير دستورية للتنكيل السياسي والمعنوي بالحقوقيين أو الأكاديميين والإعلاميين والمعارضين، عقابًا لهم على الانخراط في العمل العام والتعبير الحر عن الرأي والدفاع عن حقوق مواطنيهم، وأداة ابتزاز أيضا تستهدف جمع معلومات بطرق غير قانونية عن أقارب وأصدقاء الممنوعين من السفر. وذكرت المنظمتان في تقريرهما أن التوسع المتزايد في استخدام المنع من السفر صار أحد أبرز آليات القمع في مصر، وتحول إلي ردع وإرهاب غير مباشر للمصريين داخل البلاد وخارجها. 80 ممنوعًا من السفر خلال عامين ويصنف التقرير الممنوعين من السفر البالغ عددهم 80 حالة على مدار العامين الماضيين إلى ممنوعين بموجب "تعليمات أمنية"، وآخرين بموجب "أمر قضائي" سواء بقرار من النائب العام أو قضاة التحقيق، وفي الحالتين يشترك الممنوعون في انتهاك حقهم في معرفة سبب المنع، ومداه الزمني، حتى أن بعض الحالات منعت على خلفية قضية لم يتم استدعاء صاحبها للتحقيق أو لسماع أقوالهم فيها وعلموا بالأمر في صالات السفر. ويعتبر المحامي الحقوقي محمد زارع، عضو مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أن لجوء القضاء للممارسات نفسها التي تتبعها الجهات الأمنية، يعكس بشكل واضح مدى التردي الذي أصاب السلطة القضائية لتتحول لأداة تنكيل سياسي، قائلا: "من المخجل أن يتساوى القضاء مع الجهات الأمنية في انتهاك الدستور، وتوظيف المنع من السفر كإجراء انتقامي ضد أصحاب الآراء المستقلة أو المعارضة". فكوا الحصار عن المجتمع المدني تقول الحقوقية راجية عمران، إن تضييق الخناق على منظمات المجتمع المدني في مصر يتزايد بصورة مخيفة وضد كل من يطوع نفسه للدفاع عن حقوق الإنسان ودعم حريات المواطنين وكسر المحرمات حول الجهر بالتعذيب وكشف وتوثيق الانتهاكات والعمل ضد كل أشكال العنف في المجتمع المصري. وطالبت عمران الجميع بدعم ومساندة المجموعة الحقوقية التي تعمل بصدق وجدية في مجال حقوق الإنسان، مضيفة: "آمل بصدق أن يكون هناك دعم قوي لهذه المجموعة الشجاعة التي تعمل بجدية لحماية والدفاع عن حقوق المواطنين على مدار السنوات الماضية". دولة بوليسية وحول قرارات المنع من السفر، كان المحامي الحقوقي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان، الصادر أيضًا بشأنه قرار المنع من السفر الأكثر صخبًا وثورة ورفضًا للقرارات الأمنية المفاجئة التي تصدر من قبل من وصفهم ب"حراس الدولة البوليسية" التي توظف القضاء لخدمتها وتنتهك كل ما يمت للقانون بصلة. وقال عيد ل«البديل»: «في دولة القانون، من المفترض إخطار الصادر بحقهم قرارات منع من السفر وداخل القرار الأسباب الحقيقية للطعن عليه بعد ذلك، طبقًا لنص المادة 62 من الدستور التي وضعت ضوابط وقيود صارمة على إجراءات المنع من السفر، تستلزم صدوره من جهة قضائية، على أن يكون القرار مسبب ومحدد المدة وفقاً للقانون»، مضيفا: «كما أن المادة 54 من الدستور توجب الإبلاغ الفوري لكل من تقيد حريته بأسباب التقييد، لكن في ظل نظام السيسي، فإن الدولة البوليسية القمعية بتطلع لسانها للحقوقيين والمحامين والأشخاص المدافعين عن حقوق المواطنين ويتم منعهم من السفر دون إخطار مسبق أو إبداء أسباب وتتركهم يتحملون أسعار التذاكر الباهظة في كل مرة». «طول ما فيه انتهاكات ودولة بوليسية هنشتغل، ومش هنتوقف في يوم بسبب قرار منع من السفر أو إغلاق مركز حقوقي أوغيره".. هكذا اختتم عيد حديثه بشأن قوائم الممنوعين من السفر الذي وصفه بأنه حلقة واحدة من حلقات الانتقام ممن لا يتواطأون مع نظام السيسي، بحسب تعبيره.