رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الطب البشري    «العمل» تنظم فعاليات سلامتك تهمنا بمنشآت الجيزة    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين من البصخة المقدسة بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    محافظ الغربية يتابع أعمال تطوير طريق طنطا محلة منوف    فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا.. «البحوث الإسلامية» يطلق حملة توعية شاملة بمناسبة عيد العمال    بتمويل يصل ل15 ألف يورو| التعليم العالي: فتح باب التقدم لمنحة «سفر شباب الباحثين»    إيفو: المزيد من الشركات في ألمانيا ترغب في زيادة الأسعار    زراعة أشجار مثمرة وزينة بالطريق الزراعي "القاهرة أسوان" في المنيا    كيف احتفلت الجامعة العربية باليوم العالمي للملكية الفكرية؟    القومي لحقوق الإنسان يناقش التمكين الاقتصادي للمرأة في القطاع المصرفي    1.3 مليار جنيه أرباح اموك بعد الضريبة خلال 9 أشهر    متحدث حركة فتح: الشعب الفلسطيني يتعرض لأبشع مذبحة إنسانية في التاريخ    الرئيس السيسي يستقبل رئيس البوسنة والهرسك في قصر الاتحادية    مصرع 42 شخصًا على الأقل في انهيار سد شمال نيروبي    محمد شحاتة: التأهل لنهائي الكونفدرالية فرحة كانت تنتظرها جماهير الزمالك    جوارديولا: كنا محظوظين للغاية بما حدث أمام نوتنجهام    رسميًا.. فيفا يعلن إيقاف قيد نادي الزمالك بسبب قضية بوطيب    صعود سيدات وادي دجلة لكرة السلة الدرجة الأولى ل"الدوري الممتاز أ"    عرض صيني لاستضافة السوبر السعودي    عواد: كنت أمر بفترة من التشويش لعدم تحديد مستقبلي.. وأولويتي هي الزمالك    إصابة عامل بطعنة بالوجه والصدر من مجهولين بكفر شكر    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    «أزهر الشرقية»: لا شكاوى من امتحانات «النحو والتوحيد» لطلاب النقل الثانوي    استمرار حبس 4 لسرقتهم 14 لفة سلك نحاس من مدرسة في أطفيح    وزيرة الثقافة تلتقي نظيرها الإماراتي لحضور افتتاح معرض أبو ظبي الدولي للكتاب    أبو الغيط يهنئ الأديب الفلسطيني الأسير باسم الخندقجي بفوزه بالجائزة العالمية للرواية العربية    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    مفاجأة.. زواج مصطفى شعبان وهدى الناظر دون حفل زفاف لهذا السبب    إيرادات السينما أمس.. «شقو» في المقدمة ويلاحقه فاصل من اللحظات اللذيذة    وزير الصحة: توفير رعاية صحية جيدة وبأسعار معقولة حق أساسي لجميع الأفراد    الوادي الجديد تبدأ تنفيذ برنامج "الجيوماتكس" بمشاركة طلاب آداب جامعة حلوان    بالاسماء ..مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    مركز تدريب «الطاقة الذرية» يتسلم شهادة الأيزو لاعتماد جودة البرامج    عامر حسين: لماذا الناس تعايرنا بسبب الدوري؟.. وانظروا إلى البريميرليج    دراسة تكشف العلاقة بين زيادة الكوليسترول وارتفاع ضغط الدم    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    كشف ملابسات واقعة مقتل تاجر خردة بالإسماعيلية.. وضبط مرتكب الواقعة    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    منهم فنانة عربية .. ننشر أسماء لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى فى دورته ال77    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    مصرع شخض مجهول الهوية دهسا أسفل عجلات القطار بالمنيا    التعاون الاقتصادي وحرب غزة يتصدران مباحثات السيسي ورئيس البوسنة والهرسك بالاتحادية    «الرعاية الصحية» تشارك بمؤتمر هيمس 2024 في دبي    خلي بالك.. جمال شعبان يحذر أصحاب الأمراض المزمنة من تناول الفسيخ    البورصة المصرية.. «EGX30» يقفز 2.90% و«السوقي» يربح 28 مليار جنيه في مستهل التعاملات    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    رمضان السيد: الأهلي قادر على التتويج بدوري أبطال إفريقيا.. وهؤلاء اللاعبين يستحقوا الإشادة    خسائر جديدة في عيار 21 الآن.. تراجع سعر الذهب اليوم الإثنين 29-4-2024 محليًا وعالميًا    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    أول تعليق من ياسمين عبدالعزيز على طلاقها من أحمد العوضي    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    "استمتع بالطعم الرائع: طريقة تحضير أيس كريم الفانيليا في المنزل"    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    بايدن: إسرائيل غير قادرة على إخلاء مليون فلسطيني من رفح بأمان    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهدي المنتظر.. بفتح الظاء أم بكسرها
نشر في البديل يوم 22 - 11 - 2016


(1)
المهدوية مصطلح نسبة إلى "المهدي المنتظر" وهو مصطلح يعبر عن فكرة تندرج بشكل عام تحت فكرة أعم واشمل هي فكرة "المخلص".
هذه الفكرة العامة والشاملة في حقيقة الأمر ليست خاصة بالمسلمين وحدهم، فأغلب البشر على هذا الكوكب يعتقدون بها بطرق مختلفة سواء المسلمين السنة أوالشيعة من جهة أو المسلمين من أهل الحديث أوالمتكلمين أوالمتصوفة من جهة أخرى تحت عنوان المهدي.
أيضا المسيحيون بمختلف طوائفهم وتحت عنوان "المجيئ الثاني" يعتقدون بها بتفسيرات مختلفة حسب كل طائفة، بل في اليهودية أيضا وتحت عنوان "المسيح المخلص" و"الملك المنتظر" وبتفسيرات أيضا مختلفة بين طوائف اليهود المتعددة .
ولا يتوقف الأمر على أصحاب الديانات السماوية الثلاث الكبرى بل يمتد لأديان أخرى، فنرى على سبيل المثال في الديانة الزرادشتية أن أتباعها ينتظرون أيضا المخلص الموعود الملقب ب"سوشيانس" وفي البوذية أيضا هناك فلسفة خاصة تختلف تأويلاتها في المدارس البوذية المختلفة حول "المخلص المنتظر"، وغير ذلك الكثير من المعتقدات البشرية القديمة التي أيضا تناولت نفس الفكرة ففي الديانة المصرية القديمة وبعد انتهاء عصر الأسرات بآخر ملك مصري وطني هو "نخت انبو الثاني" كان هناك اعتقاد كبير بأنه رحل لمكان بعيد وله نسل سيأتي منه "مخلص" لمصر يعيد عصر فراعنتها العظام والتاريخ يذكر كيف أن الإسكندر الأكبر حين وصل مصر أشاع الكثيرون أنه "الفرعون المنتظر" بن نخت انبو.
(2)
يبدو مما سبق أن هذا الطرح وفكرة "المخلص" ليس من العدل والإنصاف أن نتناوله فقط وكأنه حالة إسلامية خاصة بالمسلمين وأن نتعرض له بشكل سطحي عن طريق النصوص والأحاديث والقرآن فننكره أو نثبته من خلالها، فالحقيقة أن القضية تبدو أكبر من ذلك بكثير وأنها حالة بشرية معتادة رافقت بني آدم منذ فجر التاريخ وحتى اليوم، وأنه على الباحث المنصف أن يتناول قضية كهذه من منظور فلسفي واجتماعي وعقلي أولاً، وأن يتساءل ويحاول الإجابة لماذا يميل البشر لانتظار "مخلص"؟ هل ذلك لكسل منهم أو تواكل؟ وهل هذا الميل فطري غريزي أم أنه تم زرعه في البشر؟ وهل معنى "المخلص" هو مرتبط فقط بأهل العقائد والملل أم أنه يمتد ليشمل مجالات الحياة البشرية كافة؟ فهل ينتظر الملحدون على سبيل المثال "مخلصا" بمعنى أو بآخر وبأي تأويل؟ وهل ينتظر الفلسطينيون "مخلصا" ينتصر لقضيتهم؟ ربما أيضا ينتظر الليبراليون أو الشيوعيون أو غيرهم من أصحاب النظريات السياسية في مصر "مخلصا"؟ وقبل أن تتعجل في الإجابة بالنفي أو الإثبات أو اتهامي بالجدل والتلاعب عليك أن تحدد معي أولاً ما هو المعنى الذي قد نقصده عن المخلص ابتداء.
(3)
يميل البشر فطريا ل"التخلص من الظلم والتطلع لحياة أفضل" ، وهذه قاعدة نبدأ بها كلامنا ولا نختلف عليها ولا داع لإثباتها فهي تبدو بديهية والجدل حولها يكون بلا طائل، وبما أن البشر بطبيعتهم يميلون ل"التخلص من الظلم والتطلع لحياة أفضل" فهم يعلمون بالفطرة أيضا أنه لا مفر من التحرك لتحقيق هذا الهدف، وكل تحرك جماعي يسعى إليه مجموعة من البشر فبالضرورة العقلية والفطرية يحتاج لتنظيم، والتنظيم يحتاج إلى رأس مدبر وواع.
هذا الأمر وهذه القاعدة العقلية لا تحتاج أيضا إلى جدل فتنظيم أي عمل في هيكل له رأس أو قيادة ليس معناه أبدا ولا بأي شكل من الأشكال أن الناس قطعان ماشية يحتاجون من يسوسهم!، هذه الفكرة السطحية هي التي دمرت كل عمل منظم نحاول القيام به، دمرت كل محاولاتنا المشروعة لتحقيق حياة أفضل، على سبيل المثال تلك الكلمة العجيبة التي انتشرت في ثورة يناير "أحلى حاجة في الثورة دي إن مالهاش قائد!!"
القيادة مكانة فطرية وطبيعية لا يمكن أن يتحقق أي هدف جماعي بدونها، بل إن الإنسان الناجح اليوم يسعى للحصول على دورات مكثفة لاكتساب مهارت القيادة حتى يستطيع أن يقود مؤسسة ما أو يتولى منصبا ما.. إلخ
(4)
إذا فميل أي إنسان للبحث عن قائد هو فطرة إنسانية طبيعية ليست نقيصة ولا عيبا في ذاتها، وكلما ارتفع الهدف وعظُم كلما أصبحت مواصفات القائد أكثر صعوبة وتعقيدا فالبحث عن قائد لمجموعة رياضية عادية يختلف عن البحث عن قائد لتدريب المنتخب الوطني يختلف عن قائد على رأس الدولة، يختلف قائد لمؤسسة دينية عن قائد لمجموعة من الفلاسفة… إلخ
وبالتالي حينما يتعلق الأمر بطموح البشرية للوصول للعدل والمثالية -وهو طموح مشروع لا يمكن لوم البشر عليه- بالضرورة ستكون مواصفات القائد الذي يريده البشر خاصة جدا وفريدة من نوعها ليستطيع أن يحقق هدفا يبدو مستحيلا أو صعبا لأبعد الحدود من الوهلة الأولى.
(5)
عند وضع أي أهداف جماعية يختار الطامحون إليها أحد طريقين، الطريق الأول هو الجلوس والانتظار حيث يرى كل واحد فيهم أن الأهداف الموضوعة تحتاج مواصفات محددة للقائد غير متوفرة وبالتالي لن نبدأ في المشروع ولن نتحرك حتى يتوفر هذا القائد ويأتي ليخبرنا ماذا نفعل! وهذا الطريق علميا وعقليا يؤدي بالضرورة للفشل والانهيار وتحطيم الأهداف لأي مشروع جماعي كبر أو صغر.
بينما يسلك آخرون الطريق الثاني وهو العمل على تحقيق الأهداف بشكل واع قدر الإمكان فيبرز تلقائيا وطبيعيا القائد ويظهر بينهم لأن القائد لا يظهر إلا في بيئة عمل مناسبة لطبيعته، هذا حكم عقلي فلا يمكن أن يبدأ القائد عمله إلا مع مجموعة، يعني بشكل آخر وجود شخص بمواصفات القائد لا يعني بالضرورة ممارسته القيادة إلا في وجود مجموعة يقودها وإلا سيكون "قائد مع إيقاف التنفيذ"، هذه المجموعة جاهزة ومستعدة وتسعى لتحقيق الأهداف وتواجه التحديات فيحدث التحام تلقائي بينها وبين القائد المناسب.
إذا فليست المشكلة أبدا في انتظار القائد المثالي صاحب المواصفات التامة وإنما المشكلة هي أي الطريقين يسلك هؤلاء المنتظرون؟ فإذا كانوا سالكين للطريق الأول فهم هالكون لا مفر.
(6)
على مدار التاريخ كان أصحاب الظلم والظلمات وأرباب السلطة السياسية المستبدة يفزعون من هذه الأهداف التي يضعها الناس مجتمعون "تحقيق العدل والتخلص من الظلم والتطلع لحياة أفضل" ويعملون جاهدين عبر مؤسساتهم الدينية المصطنعة وأبواقهم الإعلامية الكبرى وعملاؤهم داخل التجمعات المختلفة لهدم هذا المشروع بتحويل مساره ليصبح المسار الأول لا الثاني فيحولون القضية التي أساسها مشروع يتحرك نحو القائد إلى مشروع مؤجل ينتظر القائد، فيتحول القائد المنتظر إلى "رجل أسطوري خرافي سيأتي بعصا سحرية ليغير هذا الكون" وكلما مر الزمان ولا يأتي هذا الشخص يصاب البشر بإحباط ويأس ويبدأون في السخرية من الفكرة وهي في حقيقتها سخرية من المشروع وهدم لحقيقته وينجح أصحاب الاستبداد في تحقيق هدفهم بشكل كبير.
بينما في فترات تاريخية مختلفة من عمر الإنسانية اتضح جليا أنه حين يسلك الناس الطريق الثاني يلتحمون تلقائيا بالقائد الذي غالبا ما يكون بينهم وهم لا يشعرون ويكون واحدا منهم لا فوقهم ولا مستبدا ولا متعال عليهم ولا هابطا من السماء بعصا سحرية، ويدركون وقتها أنهم هم أنفسهم عصاه السحرية وأنهم هم أنفسهم معجزته التي كان هو نفسه ينتظرها وليس عليه سوى أن يقودهم وهم قادة في منظومة متناهية الإبداع والترتيب والقوة.
(7)
منكر هذا الأمر والرافض له والذي يقوم بالتنظير بشكل أوبآخر على الناس منكرا انتظارهم لمخلص أو مهدي لا يدرك في حقيقة الأمر وفقا لما شرحناه في النقاط السابقة أنه لحظة إنكاره هذه يدعي المهدوية أصلا !
نعم فهو رغم رفضه لانتظار الناس لقائد يقدم نفسه في هذه اللحظة كقائد ينير عقول الناس ويوعيهم دون ان يشعر، لا يعي أنه في هذه اللحظة يقول للناس أنا "مهديكم المنتظر" الذي يريد أن يقودكم إلى وجهة نظره ومشروعه، فيقع في تناقض عجيب بين إنكاره للقيادة وتقديم نفسه ك"مخلص" للناس من أفكار يراها من وجهة نظره بالية أو غير مجدية.
لذلك حين استمع لأي شخص يلوم على الناس أنهم ينتظرون المهدي أراه كذابا أشرا لأنه في حقيقته الجلية يقول "أنا المهدي" وعليكم أن تتبعوا رأيي الذي أراه صوابا.
(8)
المهدوية والمخلص فطرة اجتماعية وإنسانية لا يمكن أن تنفك عن البشر في كافة أمورهم الاجتماعية والمجتمعية، والمستنير حقا هو من يدفع الناس للسير في الطريق الثاني فيحدد معهم أولا الأهداف التي يريدون من القائد المنتظر أن يحققها ثم يشجعهم في الانطلاق إليها بكل إمكانياتهم المتاحة على ضعفها أو قوتها، وحينها سيتحرك الناس ضد الظلم مطالبين بالعدل منتخبين تلقائيا أفضلهم وأقربهم لهذه الأهداف ليقودهم نحوها ولأنه أقربهم سيقودهم بنجاح، حتى إذا كان أفضلهم ولكنه ضعيفا مقارنة بالقائد المثال سيقود تحركه بهم بالضرورة إلى بروز قائد أقوى أكثر خبرة وأكثر قوة وهكذا إلى أن يتطور الامر فيلتحمون بالقائد الموعود الذي في حقيقة الأمر ظهر وخرج بهم أنفسهم وكأنهم هم من أعطوه منصب القيادة.
(9)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.