أثارت الأصوات العربية والإسلامية الخافتة تجاه المساعي الصهيونية لمنع رفع الأذان عبر مكبرات الصوت صدمة لدى الجميع، فرغم القرارات العنصرية التي تتخذها سلطات الاحتلال في الفترة الأخيرة إزاء المقدسات الإسلامية والمسيحية الفلسطينية العربية، لن نرى سوى البيانات العربية الشاجبة لتلك الإجراءات. وأدانت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي مشروع القانون الذي يكتسب طابعًا عنصريًّا ضد العرب في فلسطين، ويعتبر آخر القوانين التي يسعى الاحتلال منذ زرعه في 14 مايو 1948 لتنفيذها، ورغم هذه الإدانة إلا أنها لا تمثل سوى بيان باهت لا يحرك ساكنًا؛ فهو يؤكد العجز العربي تجاه كل هذه العنصرية الصهيونية، حيث تلتقي حكومات هذه الدول على الكثير من القضايا الثانوية، وتتجاهل قضية العرب المركزية، فلسطين. ويتمادي العدو الإسرائيلي منذ نشأته فوق الأراضي المحتلة في انتهاك المقدسات الفلسطينية، حتى وصل به الأمر إلى استفزازه الصارخ لمشاعر الفلسطينيين المسلمين، بمنعهم من تأدية واجب من واجباتهم الدينية المقدسة بمنع الأذان بعد مرور أكثر من ألف وأربعمائة عام على رفعه لأول مرة في فلسطين العربية في القدس، إثر الفتح العربي الإسلامي لها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، حيث كانت القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول (ص)، ولكن المؤلم في ذلك هو عدم إثارة الارتكابات الصهيونية مشاعر العرب والمسلمين للقيام باحتجاج أو ثورة عارمة كالتي حدثت ضد الرسوم الكاريكاتيرية لرسام الكاريكاتير في إحدى الصحف الدنماركية قبل سنوات، أو كالتي حدثت بعد ذلك ضد صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية. ورغم أن القضية الفلسطينية هي المحرك والدافع الأول لتأسيس العرب جامعة الدول العربية خلال مؤتمر مطلع أربعينيات القرن الماضي في مصر، كما كانت القضية المحرك الأساسي لتأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي إثر تنادي الدول العربية والإسلامية بهذه الغاية، بعد إقدام متطرف يهودي على محاولة إحراق المسجد الأقصى صيف 1969، لكن ابتعدت كلتا المنظمتان اليوم عن القضية المحورية، بعد أن بات يتحكم فيها قادة وزعماء دول عربية ليس لديهم أي مشكلة في إقامة سلام مع الاحتلال الصهيوني. يقول الدكتور أيمن الرقب، القيادي الفلسطيني : لقد خططت الحركة الصهيونية منذ سنوات لشغل المنطقة العربية بقضايا تبعدها عن قضيتها المركزية، وذلك حسب بروتوكولات بني صهيون التي رفعت شعار : "ارفعوا من قيم الصراع في المنطقة العربية الدينية والإثنية"؛ لتتفرد الصهيونية بالفلسطينيين؛ لإكمال مشروعها بهدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم والسيطرة على العالم. واضاف الرقب في تصريحات خاصة ل "البديل": لقد استغلوا الحالة في المنطقة العربية، فاستمروا في تهويد القدس وتغيير ملامحها وبناء المستوطنات وشن حروب متفرقة على الفلسطينيين وزيادة قوة دولة الاحتلال؛ لتكون أكبر قوة عسكرية في المنطقة، مشيرًا إلى أن كل ذلك يحدث أمام موقف عربي وحتى فلسطيني متهالك منهك من الخلافات والحروب الداخلية، مؤكدًا أن منع الأذان باستخدام مكبرات الصوت في المساجد التي يسيطر عليها الاحتلال ما هو إلا خطوة تتبعها خطوات، وأخطرها منعه في المسجد الأقصى بعد ضغط المتطرفين الصهاينة. وتابع أن: الاحتلال يدرك أن العالم العربي لن يخرج عن الشجب والاستنكار والتوجه لمجلس الأمن الذي سيحمي الاحتلال بالفيتو الأمريكي. لقد حاول الاحتلال خلال سنوات تغذية الخلافات الدينية الإسلامية والمسيحية في الأراضي الفلسطينية وفي القدس بالتحديد، ولكنها فشلت لأن الفلسطينيين في القدس بالتحديد متحدون في مواجهة المحتل، وحجم التقارب يفوق التصور؛ لذلك جاء الرد المسيحي على منع الأذان برفع الأذان في الكنائس بدءًا من الناصرة وانتهاءً بالقدس، مؤكدًا أن قرار منع رفع الأذان تم تأجيله في الكنيست الصهيوني، ولكنه لم يُلغَ. واضاف أن الاحتلال مدعوم بالحركة الصهيونية ودولة القهر الإنساني أمريكا، وسيستمران في استغلال الحالة العربية والفلسطينية المنقسمة، وسيكملان مشروعهما لا قدر الله بهدم المسجد الأقصى وتفتيت الدول العربية، وللأسف القادم أسوأ في ظل هذا الحال من الهوان العربي والإسلامي. في نفس الوقت قال ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل الديمقراطي، إن ضعف الأمة العربية وراء قرارات إسرائيل الاستفزازية، وإن منع الأذان في القدس يؤكد اتجاه قوات الاحتلال الإسرائيلي للقضاء على الهوية الإسلامية في القدس، وحيا قيام كنائس القدس برفع الأذان ردًّا على قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي، واعتبرها رسالة حب وتسامح ونموذج للعلاقة بين المسلمين والمسيحيين نضعه أمام المتعصبين. ودعا الشهابى لجنة القدس التي يترأسها عاهل المغرب، والأمين العام لجامعة الدول العربية، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، بالقيام بمسؤولياتهم والدفاع عن دين الله وحق المسلمين بالقدس في إقامة شعائرهم ومنها رفع الأذان، واستدعاء السفراء الإسرائيليين في الدول العربية والإسلامية، وإبلاغهم برسالة شديدة اللهجة اعتراض جميع الدول العربية والإسلامية على قرار منع الأذان بالقدس.