فى يوم ال23 من شهر يوليو من كل عام تمر ذكرى غالية على قلوب المصريين جميعًا، ألا وهي ذكرى ثورة يوليو عام 1952، تلك الثورة التى حررتِ المجتمع بأكمله من العبودية للملك والإقطاع، على يد مجموعة من الضباط الشباب الذين آمنوا بحق المواطن في أن يعيش بكرامته فى وطنه لا عبدًا لكبار الإقطاعيين ولا أسيرًا للفقر والجهل والمرض. قراءة سريعة لصفحات التاريخ تعيد للذاكرة ما كنا عليه قبل يوليو، فقد كان المجتمع المصري قبل فجر 23 يوليو عام 1952، يئن تحت وطأة ظروف معيشية غاية فى الصعوبة والبؤس، فقد كان فى حينها يعاني تفاوتًا طبقيًا شديدًا بين فئة كبار الإقطاعيين وبين الجموع الغفيرة من الفلاحين المعدمين، فكان مجتمع النصف فى المائة هو العنوان الأبرز للحال الذى يحياه الملايين، وفي الوقت الذى كان ينعم فيه الباشاوات بحياة البذخ والقصور، كان البسطاء من أبناء الشعب يعملون أُجراء فى سراي وأبعادية الباشا، ليس لهم أى حقوق ولا يملكون من إرادتهم شيئًا مهما تنوعت صنوف الظلم والقهر. كان الفساد فى الحياة السياسية قد بلغ مداه، وسيطر أعوان الملك على مقدرات البلاد، وكانوا ينعمون فى ملذاتهم، خانعين للاحتلال البريطاني، بينما حركات المقاومة الشعبية تنتشر هنا وهناك. على الجانب الآخر وداخل صفوف الجيش المصري، كان هناك شباب آمنوا بحب الوطن وبضرورة التخلص من الإقطاع والملك والاحتلال، فتعاهدوا على العمل على قلب رجل واحد لتخليص البلاد من هذه الآفات، فكان تنظيم الضباط الاحرار الذى لبى النداء، وأطلق يوم 23 يوليو عام 1952 ثورة قلبت كل الموازين. ثورة يوليو التى أحدثت نقلة كبيرة فى المجتمع المصري، من خلال ما أنجزته فى مجالات التعليم والصحة والتصنيع والحماية الاجتماعية، هى الثورة التى انحازت للبسطاء من أبناء الشعب وساعدت على الحراك الاجتماعي، فأصبح ابن العامل والفلاح قاضيًا وطبيبًا ومهندسًا وسفيرًا بوزارة الخارجية ومدير شركة وترقى فى المناصب المختلفة. وكان للثورة التى شهدها التعليم وبناء المدارس بالقرى، أثر بالغ فى التأسيس للطبقة الوسطى التى حملت مشعل النهضة والتقدم والارتقاء بالمجتمع.. كما أن الثورة الصناعية التى أسسها أبوالصناعة المهندس عزيز صدقي، كان لها أيضًا دور فى خلق فرص عمل للكثير من الشباب من الجنسين، وضمنت لهم حقوقهم الوظيفية من خلال قوانين العمل. فى الذكرى التاسعة والستين.. تحية لأرواح رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وانحازوا لأبناء شعبهم، وتحية لكل رجال قواتنا المسلحة الذين يواصلون ما بدأته يوليو 1952، والذين يؤكدون على مر الأيام أنهم وأهل مصر فى رباط إلى يوم الدين.. كل عام ومصرنا الغالية آمنة مستقرة.