عندما نريد أن نحل مشكلة عميقة متجذرة في القلوب لابد أن نواجه أنفسنا بالأسباب الحقيقية حتي يمكننا استيعاب الموقف والبحث عن حلول حاسمة وواقعية. فلدينا صراعا قائما ومعركة مشتعلة منذ سنوات بين تيارات ليبرالية وتيارات اسلامية يدعي كل طرف منها أنه الأجدر بثقة الشعب فالليبراليين يقولون أنهم الأكثر حراسة لحقوق الانسان والديمقراطية بينما الاسلاميون يؤكدون أنهم الأكثر حماية ورعاية للدين والشريعة. فنجد هذا الفريق يؤكد أن الاسلاميين ضد الحقوق والاصلاح وذاك الفريق يؤكد أن الليبراليين والعلمانيين يريدون تغيير الهوية الاسلامية. والشعب يتمزق بين الفريقين فهو متعطش للحرية والتقدم وحفظ حقوقه وفي ذات الوقت لا يقبل طمس هويته أو يتنازل عنها ولا يقبل التخلي عن معتقداته وعقيدته لأننا شعب متدين بالفطرة. وكلما هدأت تلك المعركة المشتعلة نجد صوتا متطرفا هنا يقول أنه لا مكان سوي لليبرالية وأن مصر دولة علمانية من الأساسبما يمنح الاسلاميون فرصة لاثبات أنها معركة ضد الأسلام. ثم يعلو صوت هناك بنبرة حادة ليتحدث عن الشريعة والشرعية مع ترك أصول الدين والأخلاق وفقه الأولويات فنجد الليبراليين يطالبون بفصل الدين عن السياسة حماية للدولة وصيانة للديمقراطية من خطاب التطرف والطائفية. لكن ما لا يستوعبه كلا الفريقين أن غالبية الشعب متدين بطبعه ملتزم بالاسلام الوسطي الذي يرفض التشدد وينبذ العنف والاكراه كما يرفض دعاوي العلمانية وليس في الحقيقة ثمة تعارض بين الأمرين. فما الحل اذن لهذا الصراع الذي يصنع استقطابات حادة وهمية بين أفراد المجتمع؟ الحل يجب أن يتخذ مسارينفيتوقف أي كلام أو صيد في الماء العكر عن تغيير المادة 2 من الدستور حتي يهدأ كل المتدينون والمسلمون الغيورون علي دينهم ويطمئنوا أن هويتهم ليست في خطر وأن تكونكذلك كل السياسات والقرارات في اطاردولة اسلامية حديثة يظللها سيادة القانون والدستور فلا يجد التيار الاسلامي ذريعة وحصنا يتحصنون به انهم المدافعين عن الاسلام والهويةكما لا يجد التيار المدني فرصة للمتاجرة بحقوق المستضعفين فيتقبل الشعب كلا التيارين كفصائل وطنية ويكفوا عن التشكيك فيهم والخوف منهم ويبدأ كلا التيارينفي العمل ويكون معيار التعامل معهم جميعا هو كفاءاتهم وانجازهم لمصالح الناس ولا يكون أمامهم متسع للمزايدة علي الآخرين باسم الشريعة أو باسم الحرية والديمقراطية. فلا نجد من يختار شخصا لمنصب أو مقعد في البرلمان كممثلين عنه لمجرد حراسة الشريعة وانما لعملهم وأخلاصهم ودورهم في بناء المجتمع ولا يختار أحدا شخص لخوفه من الاسلاميين دون خبرة وكفاءة فيكف كلا الفريقين عن تلك المعارك المصطنعة التي حقيقتها اصرار كلا الطرفين علي السيطرة المطلقة علي السلطة واقصاء الطرف الآخر ولا يكون أمامهم سوي العمل علي مصلحة الوطن والمواطن والعمل ويكفوا عن الاستقطاب الحاد الذي صنعوه برغبتهم الشديدة في فرض رؤيتهم ومواقفهم علي شعب يتجاوز جميعهم في طموحاته للعدالة والمساواة وسيادة القانون وفي نضجه والتزامه وفهمه للدين والشريعة والحقوق علي حد سواء. فينبغي لدولة تطلب الاستقرار والتقدم أن تضع اطارا ثابتا لا يمكن الحيد عنه لكل من يدخل الحقل السياسي والعمل العام أيا كانت انتماءاته فيقبل كلا الفريقين شروط الدولة ومطالب الشعب ان كان يريد أن يكون له دور فيها لا أن يوجه كل شيء لمصالحه ومصالح حزبه وفريقه. يجب أن تضع الدولة بأسرها في حساباتها الكتلة الحرجة للشعب التي لا تنتمي لأي تيارات أو أحزاب بما يضمن حقوقها وعدم تعرضها للخديعة من جديد وأن لا تتجاهل حقيقة أن هناك الملايين من المتدينين الذين لا ينتمون لأية أحزاب أو تياراتوهم علي درجات عالية من التعليم والثقافة لكنهماضطروا اضطرارا لمناصرة التيار الاسلامي بوجه عام والاخوان المسلمين بوجه خاص من دون انتماء أو موالاة ومحبة بل يكاد كثيرون منهم يبغضون مسلكهم وتطرف فكرهم وتصنيفاتهم للبشر علي أساس انتماءهم لفصيلهم من عدمه وتكفير بعضهم للمجتمع. فكثير من المؤيدين اضطروا سابقا لاعطائهم أصواتهم في الانتخابات ومساندتهم خوفا من التيارات المدنية والعلمانية التي كانت تحط من ثقافة المجتمع وتتعالي علي فكر الشعب وتعتبره جاهلويرون أنفسهم أوصياء عليه ويرون السبيل لتطوير المجتمع هو تغيير هويته الاسلامية والمادة الثانية من الدستور لتتناسب مع الديمقراطية الغربية التي يرونها أساسا للحضارة دون غيرها من فرط هوسهم بها و الخوف كل الخوف أن يلجأ الشعب ثانية لمساندة اسلاميين علي كره للتخلص من موجة جديدة من تحدي المدنيين لارادة شعب وفرضهم لافكارهم العلمانية. فماذا لو تخلت التيارات المدنية علي تعدد مسمياتها واتجاهاتها عن مطالبهم بتغيير المادة الثانية من الدستورو عن مطالبتهم بدولة مدنية لأنه مصطلح فضفاض ذو وجوه بما يهدد الهوية مما يضطر الاسلاميين للتخلي عن تصعيدهم ومطالبهم المتشددة نحو الشريعة لتكون مصر دولة اسلامية حديثة تحكمها مؤسسات تحترم ارادة الشعب وتعمل بالدستور وفق القانون بحيث تكون دولة القانون هي الفيصل بين جميع أبناء الوطن بالعدل والمساواة. عندها سينكشف كلا الفريقين وتنتهي المزايدات الكلامية علي الدين والحرية ويبدأ العمل والتنافس الحقيقي في المجال السياسي والاقتصادي والأكثر خدمة للوطن والشعب يكون هو الأحق بالكراسي والمناصب.