قال الشيخ صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف، إن شهر رجب الذي يسبق شهري شعبان ورمضان يُعد شهر الإستعداد، وبداية التدريب والتأهيل للفوز برمضان، فقد قال أحد السلف: رجب كالريح وشعبان كالغيم ورمضان كالمطر، فمن لم يزرع في رجب ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان؟!، ولقد جعل الله لعباده، في أيام دهرهم نفحات، ومن فضل الله ورحمته بعباده أن جعل لهم مواسم للطاعات، يكثرون فيها من الأعمال الصالحة، ويتنافسون فيها فيما بينهم ليتقرّبوا إلي خالقهم بالعمل الصالح، وهذه النفحات تأتينا نفحة بعد نفحة، وقربة بعد قربة، ونعمة بعد نعمة، وفرصة بعد فرصة، لعلَّ أن تصيبنا نفحة فلا نشقي بعدها أبدًا، ولقد حثنا النبي - صلي الله عليه وسلم، علي اغتنام هذه النفحات في مواسم الطاعات حيث قال: "افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم" [ أخرجه الطبراني، وحسنه الألباني ] أي: افعلوا الخير في عمركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله في مواسم الخيرات وأزمنة البركات التي يصيب الله بها من يشاء من عباده. وتابع، "صفوت عمارة"، أن من أراد حصاد خيرٍ في رمضان، فلابد وأن يبدأ الزرع والغرس في شهر رجب، وأن يتعاهد ذلك في شهر شعبان، فشهر رجب شهر للزرع، وشعبان شهر السقي للزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع، وإن من سعادة العبد أن يعرف شرف الأزمان، فيقبل فيها علي طاعة الرحمن عزَّ وجلَّ، وشهر رجب أحد الأشهر الحُرم، فهو من الأزمنة التي لها حُرمة عظيمة عند الله، قال تعالي-: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} (التوبة:36)، ويدلّ علي تلك المنزلة أنّ الله جعل الطاعات والعمل الصالح في الأشهر الحُرم أعظم ثوابًا وأجرا، كما أنّ الظلم فيها أشد إثمًا وأعظم وزرا عمّا سواها من الشهور، فالثواب والعقاب مضاعف في هذه الأشهر، والحسنة تُضاعف فيها كما تُضاعف السيئة، وقال القرطبي رحمه الله: «لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب، لأن الله سبحانه إذا عظّم شيئًا من جهة واحدة، صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو عدة جهات، صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب»، فيستحب في هذه الأزمنة كثرة التقرب إلي الله تعالي بالعبادات وسائر الأعمال الصالحة، من توبة، وصلاة، وصيام، وصدقة، وعمرة، وذكر، وإماطة الأذي عن الطريق، والبشاشة في وجوه الناس، والكلمة الطيبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعطف علي الفقير، والإحسان إلي المسكين، ومؤازرة الأرملة، ورحمة المصاب، والمسح علي رأس اليتيم، وغيرها. وأضاف، "عمارة"، أن بداية النفحات الإلهية تكون في شهر رجب استعدادًا لمواسم الخيرات وأزمنة البركات، للفوز بأيام الرحمة والمغفرة في رمضان، فعلي الإنسان أن يبدأ بالإعداد النفسي والروحي بالأعمال الصالحة في رجب، وأن يتعهدها بالتجويد والإتقان في شعبان، لكي يستطيع الإتيان بها علي أكمل الوجوه في رمضان، والصوم جائز في شهر رجب ولا حرج فيه، لعموم الأدلة الواردة في استحباب التنفل بالصوم، ولم يرد ما يدل علي منع الصوم في رجب، والمقرر شرعًا أن "الأمر المطلق يقتضي عموم الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال"، فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك إلا بدليل، وإلا عد ذلك ابتداعًا في الدين، بتضييق ما وسعه الله ورسوله صلي الله عليه وسلم، وقد قال ابن القيم: "ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر، فإنه يجلوه حتي يدعه كالمرآة البيضاء، وصدأ القلب بأمرين بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين بالاستغفار والذكر، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض لهذه النفحات - نسأل الله تعالي أن يجعلنا منهم.