مجلس جامعة كولومبيا يصوت على قرار للتحقيق مع الإدارة بعد استدعاء الشرطة لطلبة متضامنين مع غزة    قوات الاحتلال تطلق النار على سيارة خلال اقتحام مدينة طولكرم    الجيش الأمريكي: الحوثيون ألقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر الأحمر وأصابوا إحداهما    أحمد فهمي يحتفي بصعود الأهلي لنهائي إفريقيا    الأرصاد تحذر المصريين من طقس اليوم: الأمطار الرعدية والسيول تضرب هذه المناطق    4 أيام متواصلة.. تعرف على عطلة شم النسيم وعيد العمال والإجازات الرسمية حتى نهاية 2024    اليوم.. جلسة محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    كولر: مازيمبي لم يشكل أي خطورة علينا.. وسنحتفل اليوم بالتأهل    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    واشنطن تعلن عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 6 مليارات دولار    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير.. بوست على الفيسبوك أثار الجدل    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يعزز رقمه الإفريقي.. ويعادل رقمًا قياسيًّا لريال مدريد    محمد هلب: السيارات الكهربائية بمثابة مشروع قومى لمصر    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    بشرى في العرض الخاص لفيلم "أنف وثلاث عيون" بمهرجان مالمو للسينما العربية    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهر شعبان‮.. ‬شهر الفضائل والخيرات
في ظلال الحرية

الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام‮ ‬،‮ ‬وشرح صدورنا للإيمان‮ ‬،‮ ‬والصلاة والسلام علي سيدنا محمد‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ – ‬وعلي آله وأصحابه أجمعين‮ ‬،‮ ‬وبعد‮ : -‬
أخرج الإمام النسائي في سننه عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ‮ ‬قَالَ‮: (‬قُلْتُ‮: ‬يَا رَسُولَ‮ ‬اللَّهِ‮! ‬لَمْ‮ ‬أَرَكَ‮ ‬تَصُومُ‮ ‬شَهْرًا مِنْ‮ ‬الشُّهُورِ‮ ‬مَا تَصُومُ‮ ‬مِنْ‮ ‬شَعْبَانَ؟‮! ‬قَالَ‮: ‬ذَلِكَ‮ ‬شَهْرٌ‮ ‬يَغْفُلُ‮ ‬النَّاسُ‮ ‬عَنْهُ؛ بَيْنَ‮ ‬رَجَبٍ‮ ‬وَرَمَضَانَ؛ وَهُوَ‮ ‬شَهْرٌ‮ ‬تُرْفَعُ‮ ‬فِيهِ‮ ‬الأَعْمَالُ‮ ‬إِلَي رَبِّ‮ ‬الْعَالَمِينَ،‮ ‬فَأُحِبُّ‮ ‬أَنْ‮ ‬يُرْفَعَ‮ ‬عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ‮ ).‬
هذا الحديث أخرجه الإمام النسائي في سننه،‮ ‬في كتاب الصيام،‮ ‬باب صوم النبي‮ "‬صلي الله عليه وسلم‮" -‬بأبي هو وأمي‮- ‬وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك‮ .‬
شهر شعبان الذي نتفيأ ظلاله في هذه الأيام‮ ‬،‮ ‬شهر مبارك عظيم،‮ ‬جدير بالمسلمين أن‮ ‬يغتنموا فرصته لتحصيل الأجر والثواب،‮ ‬وفعل الخير والباقيات الصالحات،‮ ‬حيث إن رسولنا‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬كان‮ ‬يُعَظّم هذا الشهر،‮ ‬وَيُكْثر فيه من الصوم،‮ ‬تشريعاً‮ ‬للأمة وحثاً‮ ‬لها علي التزود من التقوي‮ ‬والهداية والأعمال الصالحة الباقية،‮ ‬كما جاء في قوله سبحانه وتعالي‮ : ‬{وَالْبَاقِيَاتُ‮ ‬الصَّالِحَاتُ‮ ‬خَيْرٌ‮ ‬عِندَ‮ ‬رَبِّكَ‮ ‬ثَوَابًا وَخَيْرٌ‮ ‬أَمَلاً}.
ولشهر شعبان منزلة عظيمة،‮ ‬حيث‮ ‬يُكْثر المسلمون فيه من الصيام،‮ ‬ويبتعدون عن الشهوات والملذات،‮ ‬فهم‮ ‬يتشبهون بالملأ الأعلي في طهارتهم وتفرغهم لعبادة الله عز وجل،‮ ‬لذلك خصه رسولنا‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬بكثرة الصيام فيه،‮ ‬ومما لا شكّ‮ ‬فيه أن للصيام ثواباً‮ ‬كبيراً،‮ ‬كما جاء في الحديث الشريف‮: (‬الصِّيَامُ‮ ‬وَالْقُرْآنُ‮ ‬يَشْفَعَانِ‮ ‬لِلْعَبْدِ‮ ‬يَوْمَ‮ ‬الْقِيَامَةِ،‮ ‬يَقُولُ‮ ‬الصِّيَامُ‮: ‬أَيْ‮ ‬رَبِّ‮ ‬مَنَعْتُهُ‮ ‬الطَّعَامَ‮ ‬وَالشَّهَوَاتِ‮ ‬بِالنَّهَارِ‮ ‬فَشَفِّعْنِي فِيهِ،‮ ‬وَيَقُولُ‮ ‬الْقُرْآنُ‮: ‬مَنَعْتُهُ‮ ‬النَّوْمَ‮ ‬بِاللَّيْلِ‮ ‬فَشَفِّعْنِي فِيه،ِ‮ ‬قَالَ‮: ‬فَيُشَفَّعَانِ‮) .‬
نفحة بعد نفحة
إن لربنا في دهرنا نفحات‮ ‬،‮ ‬تُذكرنا كلما نسينا‮ ‬،‮ ‬وَتُنبهنا كلما‮ ‬غفلنا،‮ ‬فهي مواسم للخيرات والطاعات‮ ‬،‮ ‬يتزود منها المسلمون بما‮ ‬يُعينهم علي طاعة الله سبحانه وتعالي‮: ‬{وَتَزَوَّدُواْ‮ ‬فَإِنَّ‮ ‬خَيْرَ‮ ‬الزَّادِ‮ ‬التَّقْوَي وَاتَّقُونِ‮ ‬يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}.
إن نفحات الخير تأتينا نفحة بعد نفحة‮ ‬،‮ ‬فإذا ما انتهينا من أداء الصلوات المفروضة‮ ‬،‮ ‬تأتي النوافل المتعددة المذكورة في كتب الفقه‮ ‬،‮ ‬ولئن أدينا الزكاة المفروضة فإن أبواب الصدقات مفتوحة طيلة العام،‮ ‬ولئن أدينا فريضة الحج فإن أداء العمرة مُيَسّرٌ‮ ‬طيلة العام،‮ ‬ولئن أدينا فريضة الصيام فإن صيام النوافل موجود طيلة العام،‮ ‬وهكذا الخير لا‮ ‬ينقطع وهذا فضل من الله ونعمة‮ .‬
فلذلك‮ ‬يجب علينا أن نواظب علي الطاعة في كل وقت‮ ‬،‮ ‬وأن نحرص علي التزود بالتقوي‮ ‬،‮ ‬فنحن مخلوقون لعبادته وطاعته سبحانه و تعالي،‮ ‬امتثالاً‮ ‬لقوله تعالي‮ : ‬{وَمَا خَلَقْتُ‮ ‬الْجِنَّ‮ ‬وَالإِنسَ‮ ‬إِلا لِيَعْبُدُونِ‮* ‬مَا أُرِيدُ‮ ‬مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ‮ ‬وَمَا أُرِيدُ‮ ‬أَن‮ ‬يُطْعِمُونِ‮* ‬إِنَّ‮ ‬اللَّهَ‮ ‬هُوَ‮ ‬الرَّزَّاقُ‮ ‬ذُو الْقُوَّةِ‮ ‬الْمَتِينُ‮ ‬}.
الحكمة في إكثاره‮ -‬صلي الله عليه وسلم‮- ‬الصيام في شهر شعبان
لأهمية الصيام ولمنزلة شهر شعبان،‮ ‬كان رسولنا‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬يصوم أكثر شعبان،‮ ‬ويتضح من الحديث السابق أن حكمة تخصيص الرسول‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬شهر شعبان بكثرة الصيام تتلخص في أمرين‮ :‬
‮- ‬الأمر الأول‮: ‬فهو شهر‮ ‬يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان‮ ‬،‮ ‬وفيه دلالة واضحة علي فضيلة العمل في وقت‮ ‬غفلة الناس؛ لأنه أشقّ‮ ‬علي النفوس،‮ ‬ومن المعلوم أن العبادة في هذه الأوقات أكثر ثواباً،‮ ‬ولذا كان لصلاة الليل وهي في وقت الغفلة ونوم الناس أكبر الأثر وعظيم الثواب،‮ ‬كما في قوله سبحانه وتعالي‮ :‬{فَلا تَعْلَمُ‮ ‬نَفْسٌ‮ ‬مَّا أُخْفِيَ‮ ‬لَهُم مِّن قُرَّةِ‮ ‬أَعْيُنٍ‮ ‬جَزَاء بِمَا كَانُوا‮ ‬يَعْمَلُونَ}
– الأمر الثاني‮: ‬أنه شهر تُرفع فيه الأعمال إلي رب العالمين،‮ ‬ورسولنا‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬يُحبُّ‮ ‬أن‮ ‬يُرفع عمله وهو صائم‮.‬
إن ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة جليلة،‮ ‬يتجلي الله سبحانه وتعالي‮ ‬فيها علي عباده بالرحمة والمغفرة‮ .‬
ففي هذه الليلة تُفتح أبواب السماء،‮ ‬وَيُستجاب الدعاء،‮ ‬وَتَعُمّ‮ ‬المغفرة،‮ ‬وتهبط الملائكة علي أهل الأرض بالرحمة،‮ ‬ولله فيها عتقاء كثيرون من النار،‮ ‬حيث‮ ‬ينظر الله سبحانه وتعالي إلي عباده،‮ ‬فيغفر للمستغفرين،‮ ‬ويتجاوز عن سيئات التائبين،‮ ‬ويجيب دعوة المضطرين الصادقين المخلصين‮.‬
ومن المعلوم أن الله عز وجل‮ ‬يعفو عن عباده في هذه الليلة المباركة الطيبة،‮ ‬ولا‮ ‬يُحْرَم من عفو الله ورحمته إلا الذين هم علي الخطايا مُصِرُّون،‮ ‬كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ – ‬قال‮: (‬إنَّ‮ ‬اللهَ‮ ‬لَيطَّلِعُ‮ ‬في ليلةِ‮ ‬النِّصفِ‮ ‬من شعبانَ‮ ‬،‮ ‬فيَغفِرُ‮ ‬لجميع خلْقِهِ،‮ ‬إلا لِمُشْركٍ‮ ‬أو مُشاحِنٍ‮)‬،أما المشرك‮: ‬فلقوله سبحانه وتعالي‮ : ‬{إِنَّ‮ ‬اللّهَ‮ ‬لاَ‮ ‬يَغْفِرُ‮ ‬أَن‮ ‬يُشْرَكَ‮ ‬بِهِ‮ ‬وَيَغْفِرُ‮ ‬مَا دُونَ‮ ‬ذَلِكَ‮ ‬لِمَن‮ ‬يَشَاء}،‮ ‬وأما المشاحن‮: ‬فهو الذي تكون بينه وبين أخيه المسلم شحناء وخصومة،‮ ‬كما جاء في الحديث الشريف عَنْ‮ ‬أَبِي هُرَيْرَةَ‮ ‬رضي الله عنه‮ – ‬أَنَّ‮ ‬رَسُولَ‮ ‬اللَّهِ‮ -‬صَلَّي اللَّهُ‮ ‬عَلَيْهِ‮ ‬وَسَلَّمَ‮- ‬قَالَ‮: ( ‬تُفْتَحُ‮ ‬أَبْوَابُ‮ ‬الْجَنَّةِ‮ ‬يَوْمَ‮ ‬الاثْنَيْنِ‮ ‬وَيَوْمَ‮ ‬الْخَمِيسِ،‮ ‬فَيُغْفَرُ‮ ‬لِكُلِّ‮ ‬عَبْدٍ‮ ‬لا‮ ‬يُشْرِكُ‮ ‬بِاللَّهِ‮ ‬شَيْئًا،‮ ‬إِلا رَجُلاً‮ ‬كَانَتْ‮ ‬بَيْنَهُ‮ ‬وَبَيْنَ‮ ‬أَخِيهِ‮ ‬شَحْنَاءُ،‮ ‬فَيُقَالُ‮: ‬أَنْظِرُوا هَذَيْنِ‮ ‬حَتَّي‮ ‬يَصْطَلِحَا،‮ ‬أَنْظِرُوا هَذَيْنِ‮ ‬حَتَّي‮ ‬يَصْطَلِحَا،‮ ‬أَنْظِرُوا هَذَيْنِ‮ ‬حَتَّي‮ ‬يَصْطَلِحَا‮).‬
شهر شعبان‮ ...‬شهر الذكريات الخالدة
‮ ‬إن شهر شعبان حافلٌ‮ ‬بالذكريات الإسلامية العظيمة،‮ ‬وفي مقدمتها تحويل‮ ‬القبلة من المسجد الأقصي المبارك بالقدس إلي المسجد الحرام بمكة المكرمة،‮ ‬فقد مكث رسول الله‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮- ‬ستة عشر شهراً‮ ‬أو سبعة عشر شهراً‮ ‬وهو‮ ‬يستقبل بيت المقدس،‮ ‬كما جاء في الحديث الشريف عن البراء بن عازب‮ – ‬رضي الله عنه‮ – ‬قال‮: ( ‬صَلَّيْنا مع رسولِ‮ ‬الله‮ -‬صلي الله عليه وسلم‮- ‬نحوَ‮ ‬بيتِ‮ ‬المقدس ستةَ‮ ‬عشرَ‮ ‬شَهْراً‮ ‬أو سبعةَ‮ ‬عشر شهراً،‮ ‬ثم صُرِفْنَا نحْوَ‮ ‬الكعبة‮ )‬،‮ ‬فكان رسولنا‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬يتمني أن‮ ‬يأذن الله له في تحويل القبلة إلي الكعبة،‮ ‬ويقلب وجهه في السماء،‮ ‬ترقباً‮ ‬لنزول الوحي بذلك‮ ‬،‮ ‬وتضرعاً‮ ‬إلي الله عز وجل،‮ ‬فنزلت‮: ‬{قَدْ‮ ‬نَرَي تَقَلُّبَ‮ ‬وَجْهِكَ‮ ‬فِي السَّمَاءِ‮ ‬فَلَنُوَلِّيَنَّكَ‮ ‬قِبْلَةً‮ ‬تَرْضَاهَا فَوَلِّ‮ ‬وَجْهَكَ‮ ‬شَطْرَ‮ ‬الْمَسْجِدِ‮ ‬الْحَرَامِ‮ ‬وَحَيْثُ‮ ‬مَا كُنْتُمْ‮ ‬فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ‮ ‬شَطْرَهُ}،‮ ‬فَصُرف إلي الكعبة‮.‬
إن تحويل القبلة من المسجد الأقصي المبارك إلي الكعبة المشرفة،‮ ‬يدل دلالة واضحة علي الصلة الوثيقة بين المسجدين الشريفين،‮ ‬حيث‮ ‬يتجلي ذلك في المواضع الآتية‮ :‬
‮- ‬يقول الله سبحانه وتعالي‮:‬{سُبْحَانَ‮ ‬الَّذِي أَسْرَي بِعَبْدِهِ‮ ‬لَيْلاً‮ ‬مِّنَ‮ ‬الْمَسْجِدِ‮ ‬الْحَرَامِ‮ ‬إِلَي الْمَسْجِدِ‮ ‬الأَقْصَي الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ‮ ‬لِنُرِيَهُ‮ ‬مِنْ‮ ‬آيَاتِنَا إِنَّهُ‮ ‬هُوَ‮ ‬السَّمِيعُ‮ ‬البَصِيرُ‮.‬
فالمسجد الأقصي المبارك شقيق المسجد الحرام بنص الآية الكريمة السابقة،‮ ‬فقد جعله الله توءماً‮ ‬له،‮ ‬حيث ربط بينهما برباط وثيق لا‮ ‬ينقطع إلي‮ ‬يوم القيامة‮ .‬
‮- ‬وجاء في الحديث الشريف عن أبي ذر‮ -‬رضي الله عنه‮- ‬أنه قال‮: (‬قلْتُ‮ ‬يَا رَسُولَ‮ ‬الله‮: ‬أَيُّ‮ ‬مَسْجد وُضعَ‮ ‬في الأرْضِ‮ ‬أوَّلاً؟ قَالَ‮ : ‬اَلْمسجِدُ‮ ‬الْحَرَامُ،‮ ‬قَالَ‮ : ‬قُلْتُ‮: ‬ثُمَّ‮ ‬أَيُّ‮ ‬؟ قَالَ‮: ‬اَلْمَسجِدُ‮ ‬الأقْصَي،‮ ‬قُلْتُ‮: ‬كَمْ‮ ‬كَانَ‮ ‬بَيْنَهُمَا؟ قَالَ‮ ‬أَرْبَعُونَ‮ ‬سَنَةً،‮ ‬ثُمَّ‮ ‬أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ‮ ‬الصَّلاةُ‮ ‬بَعْدُ‮ ‬فَصَلِّهْ،‮ ‬فَإِنَّ‮ ‬الْفَضْلَ‮ ‬فِيِه‮). ‬فالمسجد الأقصي المبارك هو ثاني مسجد بُنِي علي الأرض بعد المسجد الحرام‮.‬
‮- ‬كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة‮ -‬رضي الله عنه‮- ‬قال‮: ‬قال رسول الله‮ -‬صلي الله عليه وسلم‮-: "‬لا تُشَدُّ‮ ‬الرِّحَالُ‮ ‬إِلاَّ‮ ‬إلَي ثَلاثَةِ‮ ‬مَسَاجِدَ‮: ‬الْمَسْجِدِ‮ ‬الْحَرَامِ،‮ ‬وَمَسْجِدِ‮ ‬الرَّسُولِ‮- ‬صَلَّي اللَّهُ‮ ‬عَلَيْهِ‮ ‬وَسَلَّمَ‮- ‬وَمَسْجِدِ‮ ‬الأقْصَي‮".‬
إن هذا الحديث‮ ‬يدل علي الاهتمام الكبير الذي أولاه رسولنا‮ -‬عليه الصلاة والسلام‮- ‬للمسجد الأقصي المبارك،‮ ‬حيث ربط قيمته وبركته مع قيمة‮ ‬شقيقيه المسجد الحرام والمسجد النبوي وبركتهما‮.‬
نسأل الله أن‮ ‬يحفظ أمتنا ومقدساتنا من كل سوء
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام‮ ‬،‮ ‬وشرح صدورنا للإيمان‮ ‬،‮ ‬والصلاة والسلام علي سيدنا محمد‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ – ‬وعلي آله وأصحابه أجمعين‮ ‬،‮ ‬وبعد‮ : -‬
أخرج الإمام النسائي في سننه عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ‮ ‬قَالَ‮: (‬قُلْتُ‮: ‬يَا رَسُولَ‮ ‬اللَّهِ‮! ‬لَمْ‮ ‬أَرَكَ‮ ‬تَصُومُ‮ ‬شَهْرًا مِنْ‮ ‬الشُّهُورِ‮ ‬مَا تَصُومُ‮ ‬مِنْ‮ ‬شَعْبَانَ؟‮! ‬قَالَ‮: ‬ذَلِكَ‮ ‬شَهْرٌ‮ ‬يَغْفُلُ‮ ‬النَّاسُ‮ ‬عَنْهُ؛ بَيْنَ‮ ‬رَجَبٍ‮ ‬وَرَمَضَانَ؛ وَهُوَ‮ ‬شَهْرٌ‮ ‬تُرْفَعُ‮ ‬فِيهِ‮ ‬الأَعْمَالُ‮ ‬إِلَي رَبِّ‮ ‬الْعَالَمِينَ،‮ ‬فَأُحِبُّ‮ ‬أَنْ‮ ‬يُرْفَعَ‮ ‬عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ‮ ).‬
هذا الحديث أخرجه الإمام النسائي في سننه،‮ ‬في كتاب الصيام،‮ ‬باب صوم النبي‮ "‬صلي الله عليه وسلم‮" -‬بأبي هو وأمي‮- ‬وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك‮ .‬
شهر شعبان الذي نتفيأ ظلاله في هذه الأيام‮ ‬،‮ ‬شهر مبارك عظيم،‮ ‬جدير بالمسلمين أن‮ ‬يغتنموا فرصته لتحصيل الأجر والثواب،‮ ‬وفعل الخير والباقيات الصالحات،‮ ‬حيث إن رسولنا‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬كان‮ ‬يُعَظّم هذا الشهر،‮ ‬وَيُكْثر فيه من الصوم،‮ ‬تشريعاً‮ ‬للأمة وحثاً‮ ‬لها علي التزود من التقوي‮ ‬والهداية والأعمال الصالحة الباقية،‮ ‬كما جاء في قوله سبحانه وتعالي‮ : ‬{وَالْبَاقِيَاتُ‮ ‬الصَّالِحَاتُ‮ ‬خَيْرٌ‮ ‬عِندَ‮ ‬رَبِّكَ‮ ‬ثَوَابًا وَخَيْرٌ‮ ‬أَمَلاً}.
ولشهر شعبان منزلة عظيمة،‮ ‬حيث‮ ‬يُكْثر المسلمون فيه من الصيام،‮ ‬ويبتعدون عن الشهوات والملذات،‮ ‬فهم‮ ‬يتشبهون بالملأ الأعلي في طهارتهم وتفرغهم لعبادة الله عز وجل،‮ ‬لذلك خصه رسولنا‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬بكثرة الصيام فيه،‮ ‬ومما لا شكّ‮ ‬فيه أن للصيام ثواباً‮ ‬كبيراً،‮ ‬كما جاء في الحديث الشريف‮: (‬الصِّيَامُ‮ ‬وَالْقُرْآنُ‮ ‬يَشْفَعَانِ‮ ‬لِلْعَبْدِ‮ ‬يَوْمَ‮ ‬الْقِيَامَةِ،‮ ‬يَقُولُ‮ ‬الصِّيَامُ‮: ‬أَيْ‮ ‬رَبِّ‮ ‬مَنَعْتُهُ‮ ‬الطَّعَامَ‮ ‬وَالشَّهَوَاتِ‮ ‬بِالنَّهَارِ‮ ‬فَشَفِّعْنِي فِيهِ،‮ ‬وَيَقُولُ‮ ‬الْقُرْآنُ‮: ‬مَنَعْتُهُ‮ ‬النَّوْمَ‮ ‬بِاللَّيْلِ‮ ‬فَشَفِّعْنِي فِيه،ِ‮ ‬قَالَ‮: ‬فَيُشَفَّعَانِ‮) .‬
نفحة بعد نفحة
إن لربنا في دهرنا نفحات‮ ‬،‮ ‬تُذكرنا كلما نسينا‮ ‬،‮ ‬وَتُنبهنا كلما‮ ‬غفلنا،‮ ‬فهي مواسم للخيرات والطاعات‮ ‬،‮ ‬يتزود منها المسلمون بما‮ ‬يُعينهم علي طاعة الله سبحانه وتعالي‮: ‬{وَتَزَوَّدُواْ‮ ‬فَإِنَّ‮ ‬خَيْرَ‮ ‬الزَّادِ‮ ‬التَّقْوَي وَاتَّقُونِ‮ ‬يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}.
إن نفحات الخير تأتينا نفحة بعد نفحة‮ ‬،‮ ‬فإذا ما انتهينا من أداء الصلوات المفروضة‮ ‬،‮ ‬تأتي النوافل المتعددة المذكورة في كتب الفقه‮ ‬،‮ ‬ولئن أدينا الزكاة المفروضة فإن أبواب الصدقات مفتوحة طيلة العام،‮ ‬ولئن أدينا فريضة الحج فإن أداء العمرة مُيَسّرٌ‮ ‬طيلة العام،‮ ‬ولئن أدينا فريضة الصيام فإن صيام النوافل موجود طيلة العام،‮ ‬وهكذا الخير لا‮ ‬ينقطع وهذا فضل من الله ونعمة‮ .‬
فلذلك‮ ‬يجب علينا أن نواظب علي الطاعة في كل وقت‮ ‬،‮ ‬وأن نحرص علي التزود بالتقوي‮ ‬،‮ ‬فنحن مخلوقون لعبادته وطاعته سبحانه و تعالي،‮ ‬امتثالاً‮ ‬لقوله تعالي‮ : ‬{وَمَا خَلَقْتُ‮ ‬الْجِنَّ‮ ‬وَالإِنسَ‮ ‬إِلا لِيَعْبُدُونِ‮* ‬مَا أُرِيدُ‮ ‬مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ‮ ‬وَمَا أُرِيدُ‮ ‬أَن‮ ‬يُطْعِمُونِ‮* ‬إِنَّ‮ ‬اللَّهَ‮ ‬هُوَ‮ ‬الرَّزَّاقُ‮ ‬ذُو الْقُوَّةِ‮ ‬الْمَتِينُ‮ ‬}.
الحكمة في إكثاره‮ -‬صلي الله عليه وسلم‮- ‬الصيام في شهر شعبان
لأهمية الصيام ولمنزلة شهر شعبان،‮ ‬كان رسولنا‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬يصوم أكثر شعبان،‮ ‬ويتضح من الحديث السابق أن حكمة تخصيص الرسول‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬شهر شعبان بكثرة الصيام تتلخص في أمرين‮ :‬
‮- ‬الأمر الأول‮: ‬فهو شهر‮ ‬يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان‮ ‬،‮ ‬وفيه دلالة واضحة علي فضيلة العمل في وقت‮ ‬غفلة الناس؛ لأنه أشقّ‮ ‬علي النفوس،‮ ‬ومن المعلوم أن العبادة في هذه الأوقات أكثر ثواباً،‮ ‬ولذا كان لصلاة الليل وهي في وقت الغفلة ونوم الناس أكبر الأثر وعظيم الثواب،‮ ‬كما في قوله سبحانه وتعالي‮ :‬{فَلا تَعْلَمُ‮ ‬نَفْسٌ‮ ‬مَّا أُخْفِيَ‮ ‬لَهُم مِّن قُرَّةِ‮ ‬أَعْيُنٍ‮ ‬جَزَاء بِمَا كَانُوا‮ ‬يَعْمَلُونَ}
– الأمر الثاني‮: ‬أنه شهر تُرفع فيه الأعمال إلي رب العالمين،‮ ‬ورسولنا‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬يُحبُّ‮ ‬أن‮ ‬يُرفع عمله وهو صائم‮.‬
إن ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة جليلة،‮ ‬يتجلي الله سبحانه وتعالي‮ ‬فيها علي عباده بالرحمة والمغفرة‮ .‬
ففي هذه الليلة تُفتح أبواب السماء،‮ ‬وَيُستجاب الدعاء،‮ ‬وَتَعُمّ‮ ‬المغفرة،‮ ‬وتهبط الملائكة علي أهل الأرض بالرحمة،‮ ‬ولله فيها عتقاء كثيرون من النار،‮ ‬حيث‮ ‬ينظر الله سبحانه وتعالي إلي عباده،‮ ‬فيغفر للمستغفرين،‮ ‬ويتجاوز عن سيئات التائبين،‮ ‬ويجيب دعوة المضطرين الصادقين المخلصين‮.‬
ومن المعلوم أن الله عز وجل‮ ‬يعفو عن عباده في هذه الليلة المباركة الطيبة،‮ ‬ولا‮ ‬يُحْرَم من عفو الله ورحمته إلا الذين هم علي الخطايا مُصِرُّون،‮ ‬كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ – ‬قال‮: (‬إنَّ‮ ‬اللهَ‮ ‬لَيطَّلِعُ‮ ‬في ليلةِ‮ ‬النِّصفِ‮ ‬من شعبانَ‮ ‬،‮ ‬فيَغفِرُ‮ ‬لجميع خلْقِهِ،‮ ‬إلا لِمُشْركٍ‮ ‬أو مُشاحِنٍ‮)‬،أما المشرك‮: ‬فلقوله سبحانه وتعالي‮ : ‬{إِنَّ‮ ‬اللّهَ‮ ‬لاَ‮ ‬يَغْفِرُ‮ ‬أَن‮ ‬يُشْرَكَ‮ ‬بِهِ‮ ‬وَيَغْفِرُ‮ ‬مَا دُونَ‮ ‬ذَلِكَ‮ ‬لِمَن‮ ‬يَشَاء}،‮ ‬وأما المشاحن‮: ‬فهو الذي تكون بينه وبين أخيه المسلم شحناء وخصومة،‮ ‬كما جاء في الحديث الشريف عَنْ‮ ‬أَبِي هُرَيْرَةَ‮ ‬رضي الله عنه‮ – ‬أَنَّ‮ ‬رَسُولَ‮ ‬اللَّهِ‮ -‬صَلَّي اللَّهُ‮ ‬عَلَيْهِ‮ ‬وَسَلَّمَ‮- ‬قَالَ‮: ( ‬تُفْتَحُ‮ ‬أَبْوَابُ‮ ‬الْجَنَّةِ‮ ‬يَوْمَ‮ ‬الاثْنَيْنِ‮ ‬وَيَوْمَ‮ ‬الْخَمِيسِ،‮ ‬فَيُغْفَرُ‮ ‬لِكُلِّ‮ ‬عَبْدٍ‮ ‬لا‮ ‬يُشْرِكُ‮ ‬بِاللَّهِ‮ ‬شَيْئًا،‮ ‬إِلا رَجُلاً‮ ‬كَانَتْ‮ ‬بَيْنَهُ‮ ‬وَبَيْنَ‮ ‬أَخِيهِ‮ ‬شَحْنَاءُ،‮ ‬فَيُقَالُ‮: ‬أَنْظِرُوا هَذَيْنِ‮ ‬حَتَّي‮ ‬يَصْطَلِحَا،‮ ‬أَنْظِرُوا هَذَيْنِ‮ ‬حَتَّي‮ ‬يَصْطَلِحَا،‮ ‬أَنْظِرُوا هَذَيْنِ‮ ‬حَتَّي‮ ‬يَصْطَلِحَا‮).‬
شهر شعبان‮ ...‬شهر الذكريات الخالدة
‮ ‬إن شهر شعبان حافلٌ‮ ‬بالذكريات الإسلامية العظيمة،‮ ‬وفي مقدمتها تحويل‮ ‬القبلة من المسجد الأقصي المبارك بالقدس إلي المسجد الحرام بمكة المكرمة،‮ ‬فقد مكث رسول الله‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮- ‬ستة عشر شهراً‮ ‬أو سبعة عشر شهراً‮ ‬وهو‮ ‬يستقبل بيت المقدس،‮ ‬كما جاء في الحديث الشريف عن البراء بن عازب‮ – ‬رضي الله عنه‮ – ‬قال‮: ( ‬صَلَّيْنا مع رسولِ‮ ‬الله‮ -‬صلي الله عليه وسلم‮- ‬نحوَ‮ ‬بيتِ‮ ‬المقدس ستةَ‮ ‬عشرَ‮ ‬شَهْراً‮ ‬أو سبعةَ‮ ‬عشر شهراً،‮ ‬ثم صُرِفْنَا نحْوَ‮ ‬الكعبة‮ )‬،‮ ‬فكان رسولنا‮ ‬صلي الله عليه وسلم‮ ‬يتمني أن‮ ‬يأذن الله له في تحويل القبلة إلي الكعبة،‮ ‬ويقلب وجهه في السماء،‮ ‬ترقباً‮ ‬لنزول الوحي بذلك‮ ‬،‮ ‬وتضرعاً‮ ‬إلي الله عز وجل،‮ ‬فنزلت‮: ‬{قَدْ‮ ‬نَرَي تَقَلُّبَ‮ ‬وَجْهِكَ‮ ‬فِي السَّمَاءِ‮ ‬فَلَنُوَلِّيَنَّكَ‮ ‬قِبْلَةً‮ ‬تَرْضَاهَا فَوَلِّ‮ ‬وَجْهَكَ‮ ‬شَطْرَ‮ ‬الْمَسْجِدِ‮ ‬الْحَرَامِ‮ ‬وَحَيْثُ‮ ‬مَا كُنْتُمْ‮ ‬فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ‮ ‬شَطْرَهُ}،‮ ‬فَصُرف إلي الكعبة‮.‬
إن تحويل القبلة من المسجد الأقصي المبارك إلي الكعبة المشرفة،‮ ‬يدل دلالة واضحة علي الصلة الوثيقة بين المسجدين الشريفين،‮ ‬حيث‮ ‬يتجلي ذلك في المواضع الآتية‮ :‬
‮- ‬يقول الله سبحانه وتعالي‮:‬{سُبْحَانَ‮ ‬الَّذِي أَسْرَي بِعَبْدِهِ‮ ‬لَيْلاً‮ ‬مِّنَ‮ ‬الْمَسْجِدِ‮ ‬الْحَرَامِ‮ ‬إِلَي الْمَسْجِدِ‮ ‬الأَقْصَي الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ‮ ‬لِنُرِيَهُ‮ ‬مِنْ‮ ‬آيَاتِنَا إِنَّهُ‮ ‬هُوَ‮ ‬السَّمِيعُ‮ ‬البَصِيرُ‮.‬
فالمسجد الأقصي المبارك شقيق المسجد الحرام بنص الآية الكريمة السابقة،‮ ‬فقد جعله الله توءماً‮ ‬له،‮ ‬حيث ربط بينهما برباط وثيق لا‮ ‬ينقطع إلي‮ ‬يوم القيامة‮ .‬
‮- ‬وجاء في الحديث الشريف عن أبي ذر‮ -‬رضي الله عنه‮- ‬أنه قال‮: (‬قلْتُ‮ ‬يَا رَسُولَ‮ ‬الله‮: ‬أَيُّ‮ ‬مَسْجد وُضعَ‮ ‬في الأرْضِ‮ ‬أوَّلاً؟ قَالَ‮ : ‬اَلْمسجِدُ‮ ‬الْحَرَامُ،‮ ‬قَالَ‮ : ‬قُلْتُ‮: ‬ثُمَّ‮ ‬أَيُّ‮ ‬؟ قَالَ‮: ‬اَلْمَسجِدُ‮ ‬الأقْصَي،‮ ‬قُلْتُ‮: ‬كَمْ‮ ‬كَانَ‮ ‬بَيْنَهُمَا؟ قَالَ‮ ‬أَرْبَعُونَ‮ ‬سَنَةً،‮ ‬ثُمَّ‮ ‬أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ‮ ‬الصَّلاةُ‮ ‬بَعْدُ‮ ‬فَصَلِّهْ،‮ ‬فَإِنَّ‮ ‬الْفَضْلَ‮ ‬فِيِه‮). ‬فالمسجد الأقصي المبارك هو ثاني مسجد بُنِي علي الأرض بعد المسجد الحرام‮.‬
‮- ‬كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة‮ -‬رضي الله عنه‮- ‬قال‮: ‬قال رسول الله‮ -‬صلي الله عليه وسلم‮-: "‬لا تُشَدُّ‮ ‬الرِّحَالُ‮ ‬إِلاَّ‮ ‬إلَي ثَلاثَةِ‮ ‬مَسَاجِدَ‮: ‬الْمَسْجِدِ‮ ‬الْحَرَامِ،‮ ‬وَمَسْجِدِ‮ ‬الرَّسُولِ‮- ‬صَلَّي اللَّهُ‮ ‬عَلَيْهِ‮ ‬وَسَلَّمَ‮- ‬وَمَسْجِدِ‮ ‬الأقْصَي‮".‬
إن هذا الحديث‮ ‬يدل علي الاهتمام الكبير الذي أولاه رسولنا‮ -‬عليه الصلاة والسلام‮- ‬للمسجد الأقصي المبارك،‮ ‬حيث ربط قيمته وبركته مع قيمة‮ ‬شقيقيه المسجد الحرام والمسجد النبوي وبركتهما‮.‬
نسأل الله أن‮ ‬يحفظ أمتنا ومقدساتنا من كل سوء
وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.