مصر تذهل العالم دائمًا.. تغير التاريخ والجعرافيا معًا.. تصنع الحضارة.. وتعلم الإنسانية.. فلقد أذهل المصريون شعوب الدنيا عندما خرجت الملايين في أروع ثورة سلمية في العصر الحديث يوم 25 يناير 2011 لاسقاط نظام مبارك المستبد حالمين بمجتمع الحرية والعدالة والكرامة في مواجهة الاستبداد والتبعية واستغلال الرأسمالية المتوحشة تلك التي اعتمد عليها نظام مبارك طوال ثلاثين عامًا. ورغم إزاحة رموز نظامه ومثولهم للمحاكمة أمام القضاء لكن ركاكة الفترة الانتقالية وصراع الإرادات غير المتكافئ وعدم نضج الحراك المجتمعي والمؤامرات الدولية أوصلت إلي الحكم فصيلاً أكثر استبدادية وأكثر تبعية وأكثر استغلالاً.. هذا الفصيل تستر خلف الدين والدين منه براء ليدمر الدولة الوطنية ويثير الفتن ويغتال الحريات ويكرس لمزيد من التبعية للرأسمالية العالمية ومخططاتها لإعادة رسم خريطة الوطن العربي، وفق مقتضيات أمن إسرائيل، ومصالح أمريكا في المنطقة.. فتوالت الكوارث، وازداد الفقراء فقرًا، والأثرياء ثراءً.. ليدخل الوطن في محنة الفوضي.. فازداد سخط الجماهير التي أحست أن الثورة التي رويت بدماء شهداء الوطن تسرق منهم في وضح النهار وأصبحت مصر «الكبيرة» تتلقي تعليمات من البيت الأبيض، بل أصبحت «الست السفيرة» الأمريكية هي الآمر الناهي لحكام مصر.. بيدها المنح والمنع والحل والربط بطريقة أكثر «بجاحة» واستفزازية من تدخلات المندوب السامي إبان الاستعمار البريطاني. شعر الشعب المصري بالإهانة.. والاختناق وسرقت منه أحلامه الثورية، وتحكم الجهلة في أمور الدولة العريقة.. وأطلقت يد سارقي القوت والسماسرة تجار السوق السوداء واللصوص والبلطجية ينهبون ويسرقون ويرتعون بلا رادع، وبدأت عميات القتل الطائفي العلنية والتكفير وإباحة دماء المصريين وإهدار أمن مصر المائي والاقتصادي وأصبحت سيناء مهددة بالضياع. شعر أهل المحروسة بالرعب والخوف والكآبة.. ولأن الشعب المصري صاحب أقدم حضارة في التاريخ ولا يصبر علي الضيم ولا يهاب الموت عاد ليمارس دوره مرة أخري ليذهل العالم من جديد في 30 يونيو 2013 فاحتشد الملايين في شوارع المحروسة تطالب برحيل النظام الاستبدادي التابع.. ملايين لم يرها العالم من قبل.. اجتمعت علي قلب رجل واحد لتسترد حريتها وكرامتها وإرادتها الوطنية. ولأن الجيش الوطني المصري يعرف مكانه في قلب أمته.. ولأنه يعرف دوره التاريخي إنحاز لمطالب الشعب وتمت ازاحة النظام الاستبدادي الفاشي لتتطهر أرض مصر من دنس الخيانة والتبعية. انحاز الجيش لشعبه غير عابئ باعتراض وضغوط أمريكا وإسرائيل ومن شايعهما ليحمي الشعب ويحقق إرادته..ليرسما معًا ملامح التاريخ والجغرافيا من جديد. إن أهم إنجازات 30 يونيو أنها استكملت أهداف ثورة 25 يناير، وحررت الإرادة الوطنية من التبعية.. فتحرير الإرادة كما يؤكد التاريخ هو المدخل الوحيد والصحيح لتأسيس الحداثة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. وهذا هو سر الهجوم الضاري من أمريكا وإسرائيل علينا.. لكن اطمئنوا.. لقد دارت عجلة التاريخ، وتحقق الفعل الثوري والثورة.. لن تعود إلي الوراء.