قبل تسعة أشهر من إعلان منظمة الصحة العالمية عن تلقي بلاغات اكتشاف نوع قاتل من أنواع الالتهابات الرئوية في الصين والذي تحقق لاحقًا أنه ناتج عن الإصابة بفيروس "كورونا" المُستجد، أكدت المنظمة أن "العالم سيواجه حتمًا انتشار موجة جديدة لفيروس الإنفلونزا، ويحتاج للاستعداد للدمار المحتمل"، وحذر خبراء المنظمة من تحور فيروس هو الأكثر خطورة بين فيروسات الإنفلونزا وانتقاله من الحيوانات إلى البشر ليصيب مئات الآلاف.. فلماذا وكيف أطلقت المنظمة الدولية تحذيرًا من فيروس مُستجد لم يكن له أي وجود في المعامل أو في خلايا حالات مُصابة؟! وهل كانت المنظمة على علم مُسبق بأن أحد الأنواع السبعة من فيروسات "كورونا" سوف يتحور وينتشر حتى يصبح خطرًا داهمًا يهدد العالم.. أم أنها كانت على علم بأن الفيروس المستجد قد تسلل عن غير قصد من أحد المختبرات وخرج عن السيطرة؟! منظمة الصحة العالمية هي إحدى منظمات الأممالمتحدة ولها السلطةُ التوجيهية والتنسيقية في مواجهة ما يهدد البشرية من مخاطر في مجال الصحة، وتمتلك المنظمة حق "الاطلاع على جميع البيانات اللازمة لإجراء تقييمات المخاطر العالمية من خلال منصات البيانات، مثل النظام العالمي لتَرصُد الإنفلونزا والتصدي لها وآلية اللوائح الصحية الدولية، ويتضمن ذلك بيانات عن الأمراض التنفسية الحادة الوخيمة والأمراض الشبيهة بالإنفلونزا إذا كانت متاحة". في الحادي عشر من مارس 2019 نشرت منظمة الصحة العالمية في موقعها الرسمي بيانًا حول "استراتيجية عالمية معنية بالإنفلونزا للفترة من 2019 إلى 2030"، وأكدت المنظمة أن "الاستراتيجية تستهدف حماية الناس بجميع البلدان من خطر الإنفلونزا وكذلك الوقاية من الإنفلونزا الموسمية ومكافحة انتقالها من الحيوان للإنسان والتأهب لجوائحها المقبلة"، وقال السياسي اﻹثيوبي "تيدروس أدهانوم" مدير عام المنظمة "إن خطر الإنفلونزا الجائحة قائم على الدوام، وإن خطر انتقال فيروس جديد من فيروساتها باستمرار من الحيوان إلى الإنسان وتسبّبه في اندلاع جوائحها هو خطر داهم فعلاً"، وأضاف: "بيد أن السؤال المطروح لا يتعلق بمواجهتنا لجوائحها الجديدة بل بوقت اندلاعها، وعلينا أن نكون متيقّظين ومتأهبين؛ لأن تكلفة اندلاع إحدى كبرى جوائحها تتجاوز بكثير ثمن الوقاية منها". وخلال الأيام الثلاثة التالية لبيان منظمة الصحة العالمية، نشرت المواقع الإخبارية نصًا موحدًا قالت إنه بيان صادر عن مدير عام المنظمة "تيدروس أدهانوم" حذر فيه من انتشار حتمي لموجة جديدة لفيروس اﻹنفلونزا، وطالب البيان بالاستعداد للدمار المحتمل الذي يمكن أن يسببه ذلك مع عدم الاستهانة بالمخاطر، وذكرت المواقع الإخبارية "أن المنظمة لدى استعراضها خطة عالمية لمكافحة المرض الفيروسي واتخاذ التدابير الوقائية قبل انتشار عالمي محتمل، أكدت أن ظهور وباء جديد (أصبح مسألة وقت) وليس مجرد احتمال"، وقال المدير العام للمنظمة: "إن التهديد بوباء الإنفلونزا حاضر جدًا، ويتعين أن نكون يقظين ومستعدين، فتكلفة انتشار واسع للإنفلونزا ستفوق بكثير ثمن إجراءات الوقاية"، وجاء فيما نشرته المواقع الإخبارية النص التالي: "ويحذر خبراء الصحة العالميون والمنظمة من خطر تحور فيروس أكثر خطورة من فيروسات الإنفلونزا، وانتقاله من الحيوانات إلى البشر ليصيب مئات الآلاف"، ولم تكشف المنظمة عن مصادر معلوماتها عن فيروس الانفلونزا الذي تحور، ولم تذكر أي معلومات عن رصد دولة من الدول أو جهة علمية لفيروس متحول جديد، ولم تقل لنا متى وأين تحور أو كيف سيتحور الفيروس موضوع البيان، ولماذا اعتبرته خطرًا على العالم؟ توقف حديث منظمة الصحة العالمية عن جائحة الإنفلونزا المُنتظرة عند تاريخ إصدار ونشر بيان الحادي عشر من مارس 2019 ، ولم نسمع عن تحركات للبحث العلمي عن الفيروس المُدمر أو استعدادات جادة لمواجهة الخطر الحتمي الداهم أو تحرك للبحث عن علاج أو لقاح، ولم تتحدث المنظمة عن تلقي بلاغات بإصابات الالتهاب الرئوي من الصين - والتي حددت السبب فيها لاحقًا بفيروس كورونا المستجد- إلا في الحادي والثلاثين من ديسمبر 2019، مع العلم أن الإبلاغ بحالات إصابة بأعراض الفيروس المستجد، بدأت بالصين في السابع عشر من نوفمبر 2019؛ حيث تم الإبلاغ عن إصابة شخص يزيد عمره على ال 55 عامًا من مقاطعة هوبي الصينية بالأعراض التي أُعلن لاحقًا بأنها ناتجة عن اﻹصابة بفيروس "كورونا" المستجد، ومنذ ذلك التاريخ تواصلت البلاغات من حالة واحدة إلى خمس حالات جديدة، إلى عشر حالات، إلى عشرين حالة، وفي العشرين من ديسمبر، بلغ العدد الإجمالي للحالات 60 حالة مؤكدة، وفي السابع والعشرين من ديسمبر أعلن تشانج جيكسيان، الطبيب بمستشفى مقاطعة هوبي للطب الصيني والطب الغربي، أنه أبلغ السلطات الصحية الصينية بأن المرض ناجم عن فيروس "كوروني" جديد. وفي الثلاثين من ديسمبر 2019 بدأ الطبيب الصينى "لى وين ليانج" خطواته المتسارعة نحو الموت وأرسل إلى زملائه تحذيرات من خطر احتمالية تفشي فيروس يشبه فيروس كورونا (2) المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (سارس) ، وبعدها مباشرة أصبح الطبيب "لى وين ليانج" مُتهمًا بترويج الشائعات، وعندما عاد إلى العمل، استقبل المرضى المصابين بفيروس "كورونا" المُستجد، فانتقلت إليه العدوى، وظهرت عليه الأعراض فى العاشر من يناير2020، وتدهورت حالته وتوفي في السادس من فبراير 2020 م.. وبعد وفاته اعتبرته الحكومة الصينية بطلًا وقررت هيئة الموارد البشرية والضمان الاجتماعي بمدينة ووهان منح عائلته تعويضًا ماليًا قدره 820 ألف يوان صيني (ما يعادل 117 ألف دولار أمريكي). نعود إلى منظمة الصحة العالمية التي صرحت في الحادي والثلاثين من ديسمبر 2019، بما ورد لها من بلاغات حول إصابات بفيروس "كورونا" المستجد من الصين، وفي الأول من يناير 2020 أعلنت المنظمة عن استعداد فريق دعم إدارة الحوادث على نطاق المستويات الثلاثة للمنظمة في المقر الرئيس، والمقار الإقليمية والمستوى القُطري، لوضع المنظمة على مسار طارئ للتصدي للفاشية. وفي الرابع من يناير 2020 نشرت المنظمة على وسائل التواصل الاجتماعي خبرًا عن ظهور وتعدد الإصابات في مدينة ووهان في الصين، دون تسجيل وفيات، وفي الخامس من يناير نشرت المنظمة أول منشور تقني موجه للأوساط الصحية العلمية والمجتمع ووسائل الإعلام العالمية. وفي العاشر من يناير أكدت المنظمة أنها لا تُوصى بفرض قيود على حركة المرور الدولي، وأوضحت أن "مدينة ووهان من كبرى مراكز النقل المحلي والدولي، ولا توجد تقارير إبلاغ عن حالات مرضية خارج نطاق المدينة، وطالبت المسافرين الدوليين "أن يراعوا ممارسة التحوطات العادية"، وتكررت تأكيدات المنظمة في بياناتها حتى بداية شهر مارس 2020، بأنها "تنصح بعدم فرض قيود على السفر أو التجارة" مع البلدان التي تعاني من تفشي "كورونا" المستجد. استجابت الحكومات لتوصيات منظمة الصحة العالمية باعتبارها سلطة أممية في المجال الصحي ولم تفرض قيودًا على حركة السياحة والسفر، ومن هنا أصبح كل حامل لفيروس "كورونا" المستجد يسافر أو يعود إلى بلاده، ناشرًا للعدوى، وكل حامل للفيروس وصل إلى مدينة من المدن كان الحالة رقم صفر التي نقلت الفيروس إلى المخالطين ومنهم إلى المئات ومن المئات إلى اﻵلاف ومن كل هؤلاء انتقل الفيروس إلى الجيش الأبيض (خط الدفاع والمواجهة) في المستشفيات والمراكز الطبية. وبالعودة إلى الحديث عن تاريخ الحادي عشر من مارس 2019، نجد أنه في ذات التاريخ من العام 2020، أعلنت منظمة الصحة العالمية أنها "أصدرت تقييمًا بإمكانية وصف فاشية "كورونا" أو "كوفيد-19" بالجائحة، انطلاقًا من قلقها البالغ إزاء المستوى المفزع لتفشي المرض ووخامته والمستوى المفزع أيضًا لما وصفته (المنظمة) بالتقاعس عن اتخاذ الإجراءات اللازمة"، وبعد التحذيرات المتأخرة من المنظمة، أصدرت الدول تباعًا قرارات حظر السفر وتعليق رحلات الطيران من وإلى مجموعة مختارة من الدول المصابة بالفيروس، فضلًا عن فرض الحجر الصحي الإجباري لمدة 14 يوما للقادمين من دول مُصابة. قبل اكتمال شهرين من وصف "كورونا" بالجائحة التي تشكل تهديدًا للبشرية، وفي ظل تفشي الفيروس المُستجد عالميًا، عقد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الاجتماع الثالث للجنة الطوارئ المشكّلة بموجب اللوائح الصحية الدولية بشأن مرض فيروس كورونا (كوفيد-19)، يوم الخميس الموافق 30 أبريل 2020، من الساعة 12:00 إلى الساعة 17:45 بتوقيت جنيف، وأعلن المدير العام، خلال الاجتماع أن فاشية "كورونا" المستجد لا تزال تشكِّل طارئة صحية عمومية تثير قلقًا دوليًا، وأصدرت اللجنة توصياتها إلى الدول الأطراف بموجب اللوائح الصحية الدولية، وكان من أخطر التوصيات التي انتهى إليها الاجتماع، التوصية بمواصلة العمل مع البلدان والشركاء لتيسير حركة السفر الأساسية اللازمة للاستجابة للجائحة، والإغاثة الإنسانية، والإعادة إلى الوطن، وعمليات الشحن، وبلورة إرشادات استراتيجية مع الشركاء بشأن "العودة التدريجية إلى عمليات السفر الاعتيادية للركاب على نحو منسق يضمن توفير حماية مناسبة عندما لا يكون التباعد الجسدي ممكنا، وتحديث التوصيات بشأن تدابير السفر المناسبة وتحليل تداعياتها على سريان عدوى "كوفيد-19" على الصعيد الدولي، مع مراعاة التوازن بين الفوائد والعواقب غير المقصودة، بما في ذلك فحص الدخول والخروج، وتثقيف المسافرين بشأن السلوك المسئول أثناء السفر، وتقصي الحالات، وتتبع المخالطين، والعزل، والحجر الصحي، من خلال الاسترشاد بالبيانات على الدور المحتمل لانتقال العدوى قبل ظهور الأعراض ودون ظهور الأعراض".. وهذا كله يعني أن المنظمة تمنح الدول الضوء الأخضر لعودة حركة السفر والسياحة بين البلدان إلى ما كانت عليه قبل الجائحة، رغم اعترافها بأن خطر تفشي المرض لا يزال قائمًا!! علامات الاستفهام كثيرة ومتعددة حول مواقف منظمة الصحة العالمية في مواجهة خطر تفشي الفيروس المُستجد الذي حذرت منه قبل تسعة أشهر من رصد إصابات مؤكدة في الصين، وقبل تسمية الفيروس باسم "كورونا" المُستجد أو "كوفيد 19"، والإجابات تستوجب المطالبة بتحقيق دولي عاجل.