نظرا للدور المتعاظم لاسرائيل في القارة الافريقية والذي تخطي الهواجس والظنون وبعض الاختراقات الي ادوار اكثر تأثيرا وتهديدا للامن القومي العربي والمصري بشكل خاص نظرا للعمق الافريقي لمصر وكذلك التماس مع نهر النيل احد اهم قضايا الامن القومي الكبري, فانه يجب القاء الضوء مرارا وتكرارا علي هذا التوغل الاسرائيلي الخطير. فمنذ العقد الأول لقيام دولة إسرائيل في مايو 1948م اهتمت القيادة الإسرائيلية بالدول الأفريقية، وعملت علي إقامة وتمتين علاقتها الدبلوماسية معها. ومن قبل فهي لم تغفل عن تحسس الخطي وتأسيس الركائز، لتحقيق انطلاقة قوية تجاه الدول الأفريقية بهدف الخروج من العزلة السياسية المفروضة عليها من قبل الدول العربية، ولتحقيق أكبر عدد من الأصوات لصالحها في المحافل الدولية، كالجمعية العامة للأمم المتحدة, خصوصاً أن الدول الأفريقية كانت في طور التحرر من الاستعمار الغربي، والسير باتجاه تقرير المصير واحدة تلو الأخري. وقد بدأت العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية الأفريقية مع ليبيريا التي اعترفت بالدولة الإسرائيلية منذ إعلانها عام 1948م كثالث دولة تعترف رسمياً بدولة إسرائيل، وهي أول دولة أفريقية عقدت معها إسرائيل معاهدة صداقة وتعاون وتبادلت معها الزيارات الدبلوماسية وربما كان ذلك عائد إلي قوة النفوذ الأمريكي في هذا البلد، ولكن المهم أن إسرائيل اتخذت منها ركيزة أساسية للانطلاق إلي باقي دول القارة أما جنوب أفريقيا نظام الفصل العنصري الذي كان حاكماً آنذاك فقد اعترف بدولة الكيان الإسرائيلي عام 1948م، وأعلن عن علاقات دبلوماسية تطورت بعد ذلك لتشمل مختلف نواحي التعاون الاقتصادي والعسكري. وفي عام 1957م قام 'موشي ديان' بزيارة كل من ليبيا وغانا, وبعد عام فقط أي في1958 م انطلقت جولدا مائير وزيرة الخارجية آنذاك بزيارة كل من ليبيريا, غانا, نيجيريا, السنغال, ساحل العاج. وفي كلمة لها أمام الكنيست قالت: 'إن الدول الأفريقية التي زرتها تضم شعوباً طيبة وصادقة، وبعيدة عن العُقَد، وتستحق بذل المعونات لها، ويجب أن لا تقتصر صداقتنا علي أوربا وأمريكا'. وقد اتخذ موقف جولدا مائير مشروعاً سياسياً, حيث تم افتتاح سفارة إسرائيلية في غانا عام 1958م، ثم توسعت رقعة النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي لتشمل نيجيريا, السنغال, ساحل العاج. وقد لاقت إسرائيل ترحيباً فورياً من الدول الأفريقية الفرانكفونية، وذلك بسبب قوة النفوذ الفرنسي في هذه الدول, في الوقت الذي تقيم فيه إسرائيل علاقات وطيدة مع فرنسا. في تلك الفترة حازت معظم الدول الأفريقية علي استقلالها, وكانت إسرائيل سباقة للاعتراف بالدول الوليدة, حيث حرصت علي إرسال ممثلين لها للمشاركة في احتفالات الاستقلال في أكثر من دولة حاملين معهم عروضاً مغرية يستفزون بها الدول الأفريقية الناشئة من مساعدات أمنية وزراعية وعسكرية. وفي هذه الفترة نجحت إسرائيل في إقامة علاقات مع 32 دولة أفريقية, أي عملياً مع جميع دول القارة باستثناء الدول العربية والإسلامية والمستعمرات البرتغالية، واستطاعت أن تفتح سفارات مع 30 بلداً أفريقياً، بينما احتفظت بعلاقات قنصلية مع جنوب أفريقيا وموريشس. ثم تطورت هذه العلاقات بين إسرائيل والدول الأفريقية في وقت شهدت فيه الدبلوماسية العربية غياباً ملحوظاً عن الساحة الأفريقية, مما أدي إلي ضربة دبلوماسية سجلت لصالح إسرائيل. ذلك أن الدبلوماسية العربية فشلت حتي في استصدار أي قرارات تعرب فيها الدول الأفريقية عن مجرد تأييدها اللفظي للعرب في كبري قضاياهم الدولية حيث رفضت غالبية الدول المشارِكة في المؤتمر الأول للبلاد الأفريقية المستقلة, الذي عقد عام 1958م في أكرا بدعوة من الرئيس نكروما تأييد اقتراح مصر المتضمن وصف إسرائيل بالعنصرية والإمبريالية. وهنا لا ينبغي غض الطرف عن أسلوب الدبلوماسية الإسرائيلية في التعاطي مع الحالة الأفريقية الوجدانية حيث عمدت إسرائيل إلي الآتي: 1. تعيين مجموعة من السفراء المؤهلين تأهيلاً متميزاً, ويمتلكون مقدرات اجتماعية عالية مما جعلهم محببين للأفارقة الذين لم يروا فيهم عنجهية الأوربي. 2. دعوة الزعماء الأفريقيين لزيارة إسرائيل بغرض غرس الدهشة والإعجاب بكل ما هو إسرائيلي. 3. تقديم الدعم الفني والعسكري للدول الأفريقية الناشئة، خصوصاً أنها خرجت حديثاً من نير الاستعمار الغربي, وهي بحاجة ماسة لمختلف أنواع الدعم والمساندة لتثبيت أركان الدولة وتحقيق التنمية والاستقرار.