سيظل هناك فارق كبير بين المرأة الأنثى والمرأة التى لاتنتمى للأنوثة بصلة اللهم إلا من خلال أنها تدرج تحت فصيل النساء. هذه الحقيقة وثقتها فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى» جيرمين غدير» وهى كاتبة استرالية كانت تعيش فى بريطانيا حيث كانت تسهم مساهمة فعالة فى حركة التحرر النسائية. كان الكتاب صرخة مدوية ضد ما أسمته الكاتبة: «مواصفات المرأة التى تعيش فى أسطورة الأنثى»، فالأنوثة فى رأيها تقيد المرأة وتحول بينها وبين التمتع بكل الحقوق التى يتمتع بها الرجل، وبالتالى كانت دعوتها بمثابة ثورة ضد هذه الأنوثة التى ترى أنها مزيفة. ولقد تجسدت دعوتها أكثر وأكثر عندما مضت قائلة: (أشمئز من حجرة الميك آب، ومن التصنع، ومن الرموش الاصطناعية، ومن الابتسامة المزيفة التى تضع فيها المرأة سحر الأنوثة. إننى أرفض بصراحة أن أكون مجرد أنثى تعيش فى دنيا الوهم إلى الأبد). الكتاب أثار ضجة وتكالب الكثيرون على شرائه، منهم من استاء منه ومنهم من استحسنه. ورجحت كفة الاستحسان على الاستياء. ولعل مرد ذلك إلى أن المؤلفة ركزت محور كلامها عن دور المرأة الايجابى فى الحياة العملية، كما أنها لم تنس أن تنحى باللائمة على بعض المجتمعات عندما تقول: (بعض مجتمعاتنا تشكل مصدر الكثير من العلل التى طالما نتعرض لها كأفراد). بات الكتاب محل تقدير؛ لأنه عبر تعبيرًا واقعيًا عن الحركة النسائية التحررية. ولم يشأ لأحد أن يهاجم المؤلفة جيرمين. ولكن فى المقابل ظهرت من تنافسها وتعارضها كلية وهى بلا شك تعتبر مهمة ثقيلة ولكن تحملتها فتاة يونانية مجهولة تقيم فى بريطانيا أيضًا اسمها «آريانا ستاسينو بولوس» وجاء ذلك عندما وضعت كتابا حمل عنوان «المرأة الأنثى» وفيه تهاجم فلسفة الحركة النسائية التحررية. ولقد ظفرت بترحيب الكثيرين لها ممن أشادوا بعقلانيتها بل وأشادوا بكتابها الذى كان بمثابة طعنة نافذة فى صميم الحركات النسائية. أما ما كتبته آريانا فكان يعنى أنه لا وجود اطلاقا للتعارض بين الأنوثة والنزعة إلى الاستقلال، أو بين الأنوثة وقوة الادراك، أو بين الأنوثة والذكاء. ولقد كتبت تقول: (إن المرأة الأنثى اليوم تنعم بهذه المواصفات وتجمع بينها فى بوتقة واحدة بسهولة وبطبيعة تلقائية بعيدا عن أى توتر أو صراع داخلى. فى حين أن قوام الحركة النسائية التحررية يعتمد فى الأساس على اللسان الفظ والقلب الأنانى وعنجهية الجوهر). أما فيما يخص الأساس الذى يرتكز عليه مبدأ «المرأة الأنثى» فترى المؤلفة أنه ينبعث تلقائيا من خلال اطار العلاقة الطبيعية بين المرأة والرجل فى المجتمع الواحد. ولهذا فإن توقعات هذا المبدأ حسب رأيها مضمونة. أما فحوى الثورة التى أضرمتها آريانا فتظهر فى تساؤلها حول العلة الكامنة فى تضحية المرأة بأنوثتها من أجل استقلالها. وهى تستنكر وجود هذه التضحية وتسعى إلى اثبات عدم وجود أى تعارض ما بين الحفاظ على الأنوثة وإحراز الاستقلال، ففى إمكان المرأة أن تعيش على طبيعتها وأن تتمتع فى الوقت ذاته باستقلالها. لم تخف آريانا توجهها ودخلت المنطقة الوعرة وعبرت عن وجهة نظرها. ومن بين ما تطرقت إليه كان قولها:(إن مثل هذه الحركة من شأنها أن تنشر القلق وتولد حاسة الشعور بالاثم لدى المرأة التى تسعى إلى وضع أسرتها وأطفالها فى المقام الأول، فالنظريات التى لا تنفك هذه الحركة عن إشاعتها لكفيلة بأن تحطم المرأة نفسيًا وعقليًا فى ضوء ما توصيها به ولا سيما من حيث أن اختيارها للأسرة والأطفال إنما هو خيار دون المستوى). بل وتردف آريانا فى معرض التعقيب على ذلك قائلة: (أنا شخصيا أرى أن أى مجتمع يشعر المرأة بذلك، ويمضى طاعنا فى سلامة اختيارها لرسالتها الأولى كأنثى قبل أى اعتبار آخر إنما هو وفق أبسط تعبير مجتمع مريض)..... وللحديث بقية..