أسعار البيض اليوم 18 مايو    أسعار الأسماك اليوم 18 مايو بسوق العبور    التموين توضح سعر توريد أردب القمح وجهود الدولة لتحقيق الأمن الغذائي    برلماني: مشروع قانون منح التزام المرافق العامة لإنشاء وتشغيل المنشآت الصحية يساهم في تحسين الخدمة    فصائل فلسطينية: استهدفنا دبابة إسرائيلية من طراز ميركافا 4 شرق مدينة رفح    زيلينسكي: أوكرانيا ليس لديها سوى ربع الوسائل الدفاعية الجوية التي تحتاجها    رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق يطالب نتنياهو بالرحيل    الأمم المتحدة: لم يبق شيء لتوزيعه في غزة    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام أبها في دوري روشن السعودي    موعد مباراة الترجي والأهلي في ذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا    مواعيد مباريات اليوم السبت.. الترجي ضد الأهلي وظهور ل«عمر مرموش»    مصر تنافس على لقب بطولة العالم للإسكواش ب 3 لاعبين في النهائي    «دخلاء وطائرة درون» الأهلي يشتكي قبل موقعة الترجي    تسريب أسئلة امتحان اللغة العربية للإعدادية في أسيوط: تحقيق وإجراءات رادعة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الأحد 19 مايو 2024| إنفوجراف    النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو (صور)    بكاء والدها وقبلة شقيقها.. أبرز لقطات حفل زفاف الفنانة ريم سامي    في اليوم العالمي للمتاحف.. متحف تل بسطا بالشرقية يفتح أبوابه مجانا للزائرين    طارق الشناوي: العندليب غنى "ليه خلتنى أحبك" بطريقة ليلى مراد ليجبر بخاطرها    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    صحة مطروح تدفع بقافلة طبية مجانية للكشف على أهالي النجيلة    حنان شوقى: الزعيم عادل إمام قيمة وقامة كبيرة جدا.. ورهانه عليا نجح فى فيلم الإرهابي    المستشار الأمني للرئيس بايدن يزور السعودية وإسرائيل لإجراء محادثات    البيت الأبيض: أطباء أميركيون يغادرون قطاع غزة    مؤتمر صحفي ل جوميز وعمر جابر للحديث عن نهائي الكونفدرالية    إرشادات وزارة الصحة للوقاية من ارتفاع ضغط الدم    قبل فتح اللجان، تداول امتحان اللغة العربية للشهادة الإعدادية بالشرقية، والتعليم تحقق    حظك اليوم وتوقعات برجك 18 مايو 2024.. مفاجآة ل الدلو وتحذير لهذا البرج    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    أوما ثورمان وريتشارد جير على السجادة الحمراء في مهرجان كان (صور)    ناقد رياضي: الترجي سيفوز على الأهلي والزمالك سيتوج بالكونفدرالية    ذوي الهمم| بطاقة الخدمات المتكاملة.. خدماتها «مش كاملة»!    عادل إمام.. تاريخ من التوترات في علاقته بصاحبة الجلالة    عاجل - تذبذب جديد في أسعار الذهب اليوم.. عيار 14 يسجل 2100 جنيه    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    الحكومة: تراجع تدريجي ملموس في الأسعار ونترقب المزيد بالفترة المقبلة    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    إصابة 3 أشخاص في تصادم دراجة بخارية وعربة كارو بقنا    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب " الصوفية النسوية "
نشر في صوت البلد يوم 19 - 09 - 2016

في هذا الكتاب نحن على أعتاب الغوص داخل نوع مميز من الآراء. فنحن على وشك القيام برحلة روحية مليئة بالكشف، بالسحر، بالسؤال، وباللذة. حيثُ المؤلِّف دائما امرأة، وحيث موضوع الكتابة متعدد بتعدد وثراء الخبرة النسائية على مستوى الوعي أولا، ومستوى التجربة الحياتية ثانيا وتباينها في هذه الإضمامة من التأويلات والقصص وحيث النساء في هذه المجموعة يهتفنَ دفعة واحدة : لا للصمت.
وما دام قد ورد مركب (الخبرة النسائية) فقد يسرح البعض في ظنونه أنه سيقف على سلسلة جنسية متلاحقة وإن كان الجنس هنا محرك كتابة وغاية لبعض من يكتب من النساء. لذلك يتحتم التنويه والقول دائما : إن الأدب النسوي لا يصنف الكتابة على أساس الجنس بل الوعي، أو يلقي الضوء على ما هو ذاتي وموضوعي من منظور يخص المرأة سواء أكتُب من قبلها أم من قبل الرجل.
إن الخبرة النسائية في هذا الكتاب تتحدث عن المشكلات العميقة لعالم المرأة وهو ما قد يحيل أحيانا إلى أننا أمام كتابة شخصية، وفي الوقت نفسه سنجد نصوصا تتخطى المرأة فيها عالم المرأة للحديث عن العالم، فيكون هذا الكتاب شاملا في تناوله المتفاوت بحكم تفاوت تجربة كل كاتبة لقضايا العالم وقضايا عالم المرأة وأزمة وجودها بشكل خاص.
وجهات النظر في هذا الكتاب تتعد بتعدد المدخل إليها. تتنقل فيه الكاتبات بين روح الكاتب (الإله) إلى الكاتب بروح ال (الأنا). وما يخوض هذا التنقل من مواجهات ضد الخطوط الحمر التي تمثلها الأعراف والتقاليد ونوع الثقافة والمجتمع التي تقيد حرية المرأة بشكل محدد وتقيد حرية الرجل والمرأة أيضا بشكل عام ونحن في خضم القرن الحادي والعشرين وما يطرح من أسئلة صعبة وكثيرة.
2
تستمرّ ( الأعمال النسوية ) تنظيرًا، وفنّا، من أجل تقويض بنية المنظور الأبوي للتاريخ. وهي في سبيل ذلك حققت تقدما مثلما واجهتها هزائم. وثمة انتصارات أسوأ من الهزائم كما تقول الشاعرة اللبنانية – الأمريكية (إيتيل عدنان) وهي تؤشر إجمالا حمولة المواضي المتصرّمة وتصادياتها الثقيلة. إن تلك الجهود / الأعمال تحقق بقع انتصارات مهمة ومتناثرة من أجل استرداد وفرض نظرتها ومنظورها الخاص للتاريخ. وهذا الاسترداد يمثل استردادا لجوهرها الطبيعي. جوهر الوعي النسوي المخالف بجهازه النصّي هموم وأسئلة الرؤى الأبوية المهيمنة التي سادت طوال القرون الماضية في العالم تحت سلطة ما عرف فيما بعد (سلطة التمركز القضيبي) الذي يحتل المتون التأويلية بعد أن دحر النص المهموم بالنبرة النسوية المسكوت عنه وجعله يشغل دنيا الهامش.
بدأت القصة بقيام المنظور الأبوي للتاريخ الذي تشكلت غماماته عبر اللغة بعزل الحس النسوي عن العالم. وبقي لهذا الحس المخملي الأعزل يجتهد داخل نصوصيته في تدعيم وإسباغ فكرة الأنوثة على الجماعات المهمشة والمقموعة كافة، والأشياء. وذلك للسخرية من عالم الذكورة الذي يرتبط عنده بعالم الكبار الرسمي الذي يعزز سيطرته من خلال القمع والاستبعاد.
وتوجّهت الأعمال النسوية إلى المخزون اللغوي للمجتمعات المبنية بلغة القوة والسيطرة لدحض علاقاتها وإرباك هرمها الثقافي من خلال تحطيم عملية التدليل بمداليل مغايرة ومناقضة. وعلى هذا التأسيس ذهبت النسوية إلى عملية حرف اللغة عن مسارها وتجويف طاقتها البلاغية المتسلطة. وكان اختيار هذا النوع من المواجهة قد كرّس إبعادَها عن الثقافة الموجّهة باللغة التي هي ملك يمين الأبوية، مما جعلها تذهب كذلك إلى نقطة أبعد وهي البحث عن أشكال مفتوحة للتعبير.
على خطوط التّماس الساخنة تتبادل المنظورات النسوية والمنظورات الأبوية حالات من المماتنة والتدافع لتحقيق (إزاحة فكرية) على صعيدي السطوح والأعماق. (فلا يحد النقد النسوي نفسه بمناقشة وتحليل الأعمال الأدبية النسوية. بل إن أحد اهتمامات هذا النقد أنه يناقش أعمالا “لانسوية” ولاسيما إذا عرفنا أن الكتابة النسوية لاتُصنّف على أساس الجنس ولكن على أساس المنظور / الوعي).
كتاب الصوفية النسوية – محلّ العرض – لكارول بي كريست بترجمة مصطفى محمود، يلتبس ويتفاعل بحسب د. سحر الموجي في رحلة روحية وهو يقرأ تجربة الذات مع الذات والذات مع العالم من خلال صوفيتين تدرس الأولى تجربة الرجل وتدرس الثانية تجربة المرأة. ومن ثَم هناك محاولة اقتراح صوفية ذات هوية إنسانية أشمل لها أن تتطهر وتمضي بروح أخفّ وأنقى إلى براحات الحرّية.
وفي سياق الحفر والبحث عن تأثير الرجل في إنتاجه الفكريّ والعلميّ، تقرر الباحثة “ ناهد بدوية “ أن المفكرات النسويات قد بحثنَ عميقاً في أثر الذات في التجربة، وتفاعل هذه الذات مع النتائج وتأثيرها فيها. وتجلّى النضج الفكريّ في محاولة زعزعة استقرار النظام الثنائيّ، الكامن في ثنائية الذكر/ الأنثى، دون الوقوع في محاولة قلب الوضع، بحيث تصبح الأنثى متميّزة عن الذكر، كما حاولت الحركة النسوية السابقة. بل كشفت الغطاء عن العَوَر الذي تعيشه البشرية، لا نتيجة تهميش المرأة فحسب، بل نتيجة تهميش الجانب الأنثويّ من الرجل أيضاً، وسيادة ثقافة الحطّ من قدر الصفات الأنثوية وسيطرة الصورة النمطية للإنسان/ الرجل.
إن جهود تقويض سلطة الثنائيات ( أنثى / رجل ) زادت وتيرتها صعودا منذ أوائل الثمانينات حيث بلغ الفكر النسوي مستويات من النضج لم تعد تعنى بتحرّر المرأة فحسب، وإنّما فرضت نفسها على العلماء والفلاسفة والمفكّرين، ودفعتهم إلى إعادة النظر في الكثير من المسلّمات الفكرية السابقة، إذ بات الفكر النسوي اليوم من أبرز تيّارات الفكر الغربيّ الراهن والفلسفة المعاصرة.
وعلى وفق هذا المنظار يغوص كتاب الصوفية النسوية عميقا لتفكيك هياكل المقولات التاريخية المؤسسة من قبل الرجل لصناعة ند فكري له نظرته الخاصة في سيرورة الأحداث وتفسير إشكالاتها من أجل الوقوف على السطح التأويلي بلا مزاحمات أو استبعادات اجتماعية بل من أجل انتزاع الاعتراف من الأعماق المزيحة للنظرة النسوية وبثها إلى حياة السطح بجدارة.
في هذا الكتاب وما يماثله من آراء ترفض المرأة في سياق النسوية أن يتم تحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة استعدادا لنبذها اجتماعيا كما حدث تاريخيا كجريمة . وفي هذا الصدد رأينا كيف صنَّف منظرو الحركة النسوية الأدب إلى أدب قديم كتبه الرجل، أما الجديد فسوف تكتبه الأنوثة. ووصفوا الأدب القديم بأنه تسلطي وأيديولوجيا اصطنعتها البطريركية الذكورية كأداة للهيمنة على الأنثى وعلى الأجناس الأخرى المستضعفة، وعلى أنه نوع من التكتيك استخدمه الذكور لتثبيت سيطرتهم على النساء، وحسب ألفين كيرنان، كقول شكسبير في مسرحية الملك لير” كان صوتها دائماً ناعماً رقيقاً ومنخفضاً، وهذا شيء رائع في المرأة” . فكانت الروعة في المرأة النموذجية تتبدى بتحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة.
لقد أنتج الشرخ التاريخي نوعا من “ نسوية متطرفة” حيث أعلنت الحركات النسوية المتطرفة موت الأدب القديم وطمحت إلى تغيير العالم من خلاله على أن يبدأ من اللغة. فاللغة الذكورية خلقت مفاهيم ذكورية، لذلك ينبغي قلب اللغة لكي تعود إلى أصلها : أنثوية. ولكن سؤال الاستعادة قد يبدو راديكاليا هنا مالم يتم تفاديه بنموذج سريع لنسوية عقلانية.
.....
* كاتب عراقي
في هذا الكتاب نحن على أعتاب الغوص داخل نوع مميز من الآراء. فنحن على وشك القيام برحلة روحية مليئة بالكشف، بالسحر، بالسؤال، وباللذة. حيثُ المؤلِّف دائما امرأة، وحيث موضوع الكتابة متعدد بتعدد وثراء الخبرة النسائية على مستوى الوعي أولا، ومستوى التجربة الحياتية ثانيا وتباينها في هذه الإضمامة من التأويلات والقصص وحيث النساء في هذه المجموعة يهتفنَ دفعة واحدة : لا للصمت.
وما دام قد ورد مركب (الخبرة النسائية) فقد يسرح البعض في ظنونه أنه سيقف على سلسلة جنسية متلاحقة وإن كان الجنس هنا محرك كتابة وغاية لبعض من يكتب من النساء. لذلك يتحتم التنويه والقول دائما : إن الأدب النسوي لا يصنف الكتابة على أساس الجنس بل الوعي، أو يلقي الضوء على ما هو ذاتي وموضوعي من منظور يخص المرأة سواء أكتُب من قبلها أم من قبل الرجل.
إن الخبرة النسائية في هذا الكتاب تتحدث عن المشكلات العميقة لعالم المرأة وهو ما قد يحيل أحيانا إلى أننا أمام كتابة شخصية، وفي الوقت نفسه سنجد نصوصا تتخطى المرأة فيها عالم المرأة للحديث عن العالم، فيكون هذا الكتاب شاملا في تناوله المتفاوت بحكم تفاوت تجربة كل كاتبة لقضايا العالم وقضايا عالم المرأة وأزمة وجودها بشكل خاص.
وجهات النظر في هذا الكتاب تتعد بتعدد المدخل إليها. تتنقل فيه الكاتبات بين روح الكاتب (الإله) إلى الكاتب بروح ال (الأنا). وما يخوض هذا التنقل من مواجهات ضد الخطوط الحمر التي تمثلها الأعراف والتقاليد ونوع الثقافة والمجتمع التي تقيد حرية المرأة بشكل محدد وتقيد حرية الرجل والمرأة أيضا بشكل عام ونحن في خضم القرن الحادي والعشرين وما يطرح من أسئلة صعبة وكثيرة.
2
تستمرّ ( الأعمال النسوية ) تنظيرًا، وفنّا، من أجل تقويض بنية المنظور الأبوي للتاريخ. وهي في سبيل ذلك حققت تقدما مثلما واجهتها هزائم. وثمة انتصارات أسوأ من الهزائم كما تقول الشاعرة اللبنانية – الأمريكية (إيتيل عدنان) وهي تؤشر إجمالا حمولة المواضي المتصرّمة وتصادياتها الثقيلة. إن تلك الجهود / الأعمال تحقق بقع انتصارات مهمة ومتناثرة من أجل استرداد وفرض نظرتها ومنظورها الخاص للتاريخ. وهذا الاسترداد يمثل استردادا لجوهرها الطبيعي. جوهر الوعي النسوي المخالف بجهازه النصّي هموم وأسئلة الرؤى الأبوية المهيمنة التي سادت طوال القرون الماضية في العالم تحت سلطة ما عرف فيما بعد (سلطة التمركز القضيبي) الذي يحتل المتون التأويلية بعد أن دحر النص المهموم بالنبرة النسوية المسكوت عنه وجعله يشغل دنيا الهامش.
بدأت القصة بقيام المنظور الأبوي للتاريخ الذي تشكلت غماماته عبر اللغة بعزل الحس النسوي عن العالم. وبقي لهذا الحس المخملي الأعزل يجتهد داخل نصوصيته في تدعيم وإسباغ فكرة الأنوثة على الجماعات المهمشة والمقموعة كافة، والأشياء. وذلك للسخرية من عالم الذكورة الذي يرتبط عنده بعالم الكبار الرسمي الذي يعزز سيطرته من خلال القمع والاستبعاد.
وتوجّهت الأعمال النسوية إلى المخزون اللغوي للمجتمعات المبنية بلغة القوة والسيطرة لدحض علاقاتها وإرباك هرمها الثقافي من خلال تحطيم عملية التدليل بمداليل مغايرة ومناقضة. وعلى هذا التأسيس ذهبت النسوية إلى عملية حرف اللغة عن مسارها وتجويف طاقتها البلاغية المتسلطة. وكان اختيار هذا النوع من المواجهة قد كرّس إبعادَها عن الثقافة الموجّهة باللغة التي هي ملك يمين الأبوية، مما جعلها تذهب كذلك إلى نقطة أبعد وهي البحث عن أشكال مفتوحة للتعبير.
على خطوط التّماس الساخنة تتبادل المنظورات النسوية والمنظورات الأبوية حالات من المماتنة والتدافع لتحقيق (إزاحة فكرية) على صعيدي السطوح والأعماق. (فلا يحد النقد النسوي نفسه بمناقشة وتحليل الأعمال الأدبية النسوية. بل إن أحد اهتمامات هذا النقد أنه يناقش أعمالا “لانسوية” ولاسيما إذا عرفنا أن الكتابة النسوية لاتُصنّف على أساس الجنس ولكن على أساس المنظور / الوعي).
كتاب الصوفية النسوية – محلّ العرض – لكارول بي كريست بترجمة مصطفى محمود، يلتبس ويتفاعل بحسب د. سحر الموجي في رحلة روحية وهو يقرأ تجربة الذات مع الذات والذات مع العالم من خلال صوفيتين تدرس الأولى تجربة الرجل وتدرس الثانية تجربة المرأة. ومن ثَم هناك محاولة اقتراح صوفية ذات هوية إنسانية أشمل لها أن تتطهر وتمضي بروح أخفّ وأنقى إلى براحات الحرّية.
وفي سياق الحفر والبحث عن تأثير الرجل في إنتاجه الفكريّ والعلميّ، تقرر الباحثة “ ناهد بدوية “ أن المفكرات النسويات قد بحثنَ عميقاً في أثر الذات في التجربة، وتفاعل هذه الذات مع النتائج وتأثيرها فيها. وتجلّى النضج الفكريّ في محاولة زعزعة استقرار النظام الثنائيّ، الكامن في ثنائية الذكر/ الأنثى، دون الوقوع في محاولة قلب الوضع، بحيث تصبح الأنثى متميّزة عن الذكر، كما حاولت الحركة النسوية السابقة. بل كشفت الغطاء عن العَوَر الذي تعيشه البشرية، لا نتيجة تهميش المرأة فحسب، بل نتيجة تهميش الجانب الأنثويّ من الرجل أيضاً، وسيادة ثقافة الحطّ من قدر الصفات الأنثوية وسيطرة الصورة النمطية للإنسان/ الرجل.
إن جهود تقويض سلطة الثنائيات ( أنثى / رجل ) زادت وتيرتها صعودا منذ أوائل الثمانينات حيث بلغ الفكر النسوي مستويات من النضج لم تعد تعنى بتحرّر المرأة فحسب، وإنّما فرضت نفسها على العلماء والفلاسفة والمفكّرين، ودفعتهم إلى إعادة النظر في الكثير من المسلّمات الفكرية السابقة، إذ بات الفكر النسوي اليوم من أبرز تيّارات الفكر الغربيّ الراهن والفلسفة المعاصرة.
وعلى وفق هذا المنظار يغوص كتاب الصوفية النسوية عميقا لتفكيك هياكل المقولات التاريخية المؤسسة من قبل الرجل لصناعة ند فكري له نظرته الخاصة في سيرورة الأحداث وتفسير إشكالاتها من أجل الوقوف على السطح التأويلي بلا مزاحمات أو استبعادات اجتماعية بل من أجل انتزاع الاعتراف من الأعماق المزيحة للنظرة النسوية وبثها إلى حياة السطح بجدارة.
في هذا الكتاب وما يماثله من آراء ترفض المرأة في سياق النسوية أن يتم تحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة استعدادا لنبذها اجتماعيا كما حدث تاريخيا كجريمة . وفي هذا الصدد رأينا كيف صنَّف منظرو الحركة النسوية الأدب إلى أدب قديم كتبه الرجل، أما الجديد فسوف تكتبه الأنوثة. ووصفوا الأدب القديم بأنه تسلطي وأيديولوجيا اصطنعتها البطريركية الذكورية كأداة للهيمنة على الأنثى وعلى الأجناس الأخرى المستضعفة، وعلى أنه نوع من التكتيك استخدمه الذكور لتثبيت سيطرتهم على النساء، وحسب ألفين كيرنان، كقول شكسبير في مسرحية الملك لير” كان صوتها دائماً ناعماً رقيقاً ومنخفضاً، وهذا شيء رائع في المرأة” . فكانت الروعة في المرأة النموذجية تتبدى بتحنيطها داخل هالة من النعومة والرقة.
لقد أنتج الشرخ التاريخي نوعا من “ نسوية متطرفة” حيث أعلنت الحركات النسوية المتطرفة موت الأدب القديم وطمحت إلى تغيير العالم من خلاله على أن يبدأ من اللغة. فاللغة الذكورية خلقت مفاهيم ذكورية، لذلك ينبغي قلب اللغة لكي تعود إلى أصلها : أنثوية. ولكن سؤال الاستعادة قد يبدو راديكاليا هنا مالم يتم تفاديه بنموذج سريع لنسوية عقلانية.
.....
* كاتب عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.