لا يزال رجل الشرطة متهماً حتي إشعار آخر، إذا مارس مهمته بإخلاص وتفانٍ فهو متهم، وإذا طبق القانون مجرداً علي الجميع فهو متهم، وإذا حاول الدفاع عن نفسه في مواجهة أية إهانة أو تعدٍ فهو متهم، وإذا بقي في حاله فهو أيضاً متهم، ويا ويله وسواد ليله إذا ألقي القبض علي شخص ينتحل صفة حقوقي أو ناشط أو ثوري،هنا سوف تنقلب الأوضاع رأساً علي عقب، سوف تنطلق الدعوات علي الفيس بوك لتصدر حكم الإدانة، وتطلق دعاوي التحريض لمواجهة ما يسمونه 'شرطة مبارك التي لا تزال تتحكم في الداخلية'!! مساكين هؤلاء الضباط والجنود، مطلوب منهم أن يحققوا الاستقرار، وأن يحافظوا علي الأمن، وأن يطاردوا البلطجية ويحاصروا الجريمة، وفي الوقت نفسه عليهم أن يتحملوا الإهانات والادعاءات والأكاذيب التي لا تزال تحاصرهم بالحق وبالباطل حتي تاريخه. بين اليوم والآخر نسمع عن الشهداء الذين يتساقطون، والنساء اللاتي يترملن، والأطفال الذين يفقدون آباءهم من جراء أداء الواجب علي يد المجرمين، ننسي كل ذلك، لا يجرؤ أحد فينا علي أن يطالب بمعاملة هؤلاء الشهداء معاملة تليق بهم، وكأن هؤلاء يموتون من أجل شعب آخر ووطن مختلف!! يدرك الجميع أن بلداً بلا أمن سيكون عرضة للاستباحة والفوضي وسيطرة البلطجة علي أهله، ومع ذلك لا يزال هناك من يصر علي تعمد الإساءة لرجال الشرطة، وكأنه مطلوب أن نغل يدهم عن مواجهة الجريمة، وأن نضع العراقيل أمام أداء واجبهم، وهو أمر لعبت فيه قوي سياسية وحزبية دوراً مشبوهاً، وكأن الهدف هو إسقاط هذا الجهاز لحساب مصالح أخري بعيداً عن مصلحة الوطن..!! رواتبهم متدنية، وأحوالهم المعيشية صعبة، يقضون غالبية أوقاتهم بعيداً عن بيوتهم وأسرهم، حياتهم معرضة للخطر صباح مساء، ومع ذلك لا يترددون في أداء الواجب، لا يتمردون علي واقعهم، ولا يبحثون عن مطالب فئوية، شأن كثير من فئات المجتمع..!! لديهم إحساس بالمسئولية تجاه الشعب والوطن، يسابقون الزمن من أجل عودة الأمن إلي ربوع البلاد، ولا يطلبون سوي كلمة إنصاف في زمن عزت فيه الكلمة، وكأن عليهم أن يدفعوا ثمن انحراف القلة منهم إلي أبد الدهر!! خلال الأيام القليلة الماضية استطاع الأمن الوطني إسقاط خلية إرهابية خطيرة كانت وراء عملية الهجوم علي القنصلية الأمريكية في بنغازي وقتل السفير الأمريكي في ليبيا، كانت عملية نموذجية أصبحت مثار اهتمام الإعلام العالمي، غير أن أحداً في مصر لم ينصف هؤلاء الرجال الذين أحبطوا واحداً من أخطر المخططات التي كانت تستهدف القيام بأعمال عنف واغتيال للعديد من الشخصيات العامة والمسئولة في مصر. إنها النخبة المرتعدة التي تعجز عن أن تقول كلمة 'حق'، بل تبني بطولتها الزائفة علي استباحة رجال الشرطة وكرامتهم، وتعمد توجيه الإهانات إليهم ومحاسبتهم بأثر عكسي. لقد حمّلوا الشرطة كل جرائم الدنيا، بالضبط كما فعلوا مع جيش مصر العظيم، أصبح مجرد الدفاع عن هذا الكيان الوطني جريمة لا تُغتفر، راحوا يصنفون الدعوة للمحافظة علي مؤسسات البلاد والحيلولة دون سقوطها علي أنها دعوة للحفاظ علي دولة 'مبارك'، خلطوا الحابل بالنابل، راحوا يتاجرون باسم الثورة، وفقاً لحساباتهم، ثم فجأة اكتشفنا أننا أمام دولة 'الميليشيات' التي يُراد بناؤها علي أنقاض كافة المؤسسات. لا نريد للدولة البوليسية أن تعود، ولا نريد التغول في الممارسة علي حساب سلطة القانون، ولكن في المقابل يجب أن يرد الاعتبار إلي الشرفاء الذين لم يتورطوا، وإلي المؤسسة الأمنية التي تسعي بكل جهد لاستعادة الأمن والاستقرار، وأن نطلق يد رجال الأمن في تطبيق القانون الحازم والعادل علي الجميع بلا استثناء، وأن نكرم الشهداء الذين سقطوا في ميدان الدفاع عن أمن الوطن ومقاومة الجريمة، وأن يتوقف الإعلام عن الإثارة والتحريض، وأن يلتزم بالموضوعية في معالجته للأحداث، ساعتها وساعتها فقط يستطيع رجال الشرطة أن يضعوا حداً فاصلاً لانتشار الجريمة والفوضي في العديد من مناطق مصر.. قبل أن نتحدث عن الانفلات الأمني علينا أن نتحدث أيضاً عن الانفلات الأخلاقي، إنه الداء الحقيقي، وغير ذلك تسهل معالجته!!