كان أعداء عبد الناصر في حياته هم أول من إستخدم مصطلح (ناصرية ) وهم يحاولون وصف الحالة القومية التي إجتاحت الوطن العربي وكان أعضاء مراكز الفكر في الولاياتالمتحدة هم أصحاب هذا المصطلح بعد أن إستبعدوا كونه شيوعيآ. وفي المقابل كان المؤيدون لعبد الناصر في البلاد العربية يصنفون أنفسهم بأنهم ناصريين في مقابل المعسكر المعادي لعبد الناصر. وكان عبد الناصر يحاول قراءة كل النظريات السياسية ولما أقتنع بالإشتراكية التي تتوافق وقناعاته وتتسق مع طبيعته التي تتوخي العدل وتتطلع إليه حاول أن يؤسس ما يسمي بالإشتراكية العربية وهي الطريق الثالث الوسط بين الشيوعية والرأسمالية كما تصور هو أنه قادر علي تحقيقه وخرج بصيغة التحالف الإشتراكي الشهيرة. (إن أعظم الملامح في تجربتنا الفكرية والروحية هي أننا لم ننهمك في النظريات بحثآ عن حياتنا وإنما إنهمكنا في حياتنا ذاتها بحثآ عن النظريات ) هكذا وصف عبد الناصر تجربته وطريقة تفكيره. مات عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 وظل مؤيديوه ومريدوه يحاولون صياغة نظرية تسمي ( الناصرية ) وإنتشرت الجماعات والاحزاب التي تتخذ الناصرية لقبآ مميزآ لها في كل بلد عربي، وأكثر من حزب ناصري في بلد واحد. لم تحقق الناصرية طيلة هذه السنوات شيئآ يذكر لا علي مستوي الوعي ولا علي مستوي إستلام السلطة ولا بناء تنظيم ثوري جامع اللهم إلا من تجربة قصيرة قادها الرئيس ابراهيم الحمدي في اليمن الشمالي من 1974-1977 قبل أن يقتل علي يد أعداء المشروع الناصري وأعداء الثورة اليمنية. بطبيعة الحال هناك جهود نظرية لا يمكن إغفالها مثل جهود الدكتور عصمت سيف الدولة في محاولة لصياغة نظرية وبناء فكري يمكن الإحتكام إليه. كل ما نراه علي ساحة العمل السياسي القومي هي مجرد ( ناصرية سلفية ) تحن للماضي وتجتر الذكريات وتحاول بناء مواقف علي خبرات من تجربة عبد الناصر وتخرج بنتائج مضادة لفكرة الناصرية كما جسدها عبد الناصر. إذ ينطلق البعض في بناء مواقفه من تجربة عبد الناصر مع حزب البعث السوري ليتخذه منطلقآ لمعاداة الدولة السورية التي تواجه عدوانآ إمبرياليآ بشعآ منذ سبع سنوات ويجد نفسه في النهاية مصطفآ مع الرجعية العربية ومع الكيان الصهيوني ومع الامريكي اعداء الناصرية. وينطلق البعض من تجربة أنصار الإمامة مع التدخل المصري في اليمن في الستينيات ليصطف مع الرجعية العربية ومع الكيان الصهيوني ومع الأمريكي أعداء الناصرية. أو أن ينطلق البعض من سياق تجربة عبد الناصر نفسه محاولآ إستنساخها ( وهذا مستحيل عمليآ وواقعيآ ). وفي ظني الشخصي تتلخص الناصرية في أنها تقوم علي التنمية المستقلة المعتمدة علي الذات ببناء قطاع عام قوي يقود التنمية وفق خطة طموحة ويحقق العدل الإجتماعي ويرفض الإقتصاد الريعي وأن يعتمد الإقتصاد علي موارد متغيرة. وتقوم علي أن المراكز الإستعمارية (الولاياتالمتحدة واوروبا ) التي دأبت علي نهب خيرات العالم الثالث وتفضل قيام علاقات إقتصادية غير متكافئة ينبغي الفكاك من هذا المصير ورفض أدواته ( البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمات غير الحكومية ) التي تتدخل في الشان الداخلي وتقضي علي فكرة الإستقلال ذاتها. تقوم أيضآ علي أن الكيان الصهيوني هو مجرد آداة للناهب الدولي يفصل مصر ويعزلها عن المشرق العربي حيث أمنها القومي ويقوم بضرب مصر كلما حاولت بناء أي نهضة وكذلك معادي للمحيط العربي يمنع وحدته ويستنزف مقدراته. وكذلك هي محاولة لبناء وحدة عربية تقاوم المشروع الصهيوني وأيضآ تقاوم المشروع الإمبريالي الغربي بالتكامل الإقتصادي ووحدة الهدف والارادة السياسية. وهكذ فيما أظن تكون الناصرية معاداة للمشروع الإستعماري وأدواته وهي إصطفاف مع آولئك الذين يقاومون هذا المشروع وفيما يخص دوائر الإمن القومي الثلاث التي حددها عبد الناصر مبكرآ في فلسفة الثورة فأعتقد أن الأمر بقدر ماهو ليس إختراعآ ناصريآ وإنما قراءة واعية لتاريخ مصر عبر العصور ( الدائرة العربية والإفريقية والإسلامية ). وهكذا فإن من يعتبر نفسه ناصريآ يجد نفسه يعادي المشروع الإستعماري الذي غيًر طريقته في إدارة نهب الموارد بإقامة علاقات غير متكافئة مع الدول الفقيرة. وإذا إستعصي عليه أمر دولة ما قام بغزوها خارج القانون الدولي كما في حالة العراق. ومن يعتبر نفسه ناصريآ لا يمكن أن يقبل وجود الكيان الصهيوني ويعترف به فهذا الكيان العنصري هو آداة إستعمارية لعزل مصر وحبسها داخل حدودها. ومن يعتبر نفسه ناصريآ لا يمكن أن يكون قوميآ شوفينيآ أو طائفيآ أو عنصريآ وينبغي أن يقوم مشروعه الذي يؤمن به علي إستيعاب المجموعات الإثنية والعرقية في الوطن العربي ويساند كل مشروع تحرر في كل مكان. إن تجديد الناصرية واجب علي كل مؤمن بالفكرة وبالتجربة حتي لا نبقي آسري التاريخ والتجربة وشخصية الرجل الكاريزما.