المركز الاستكشافي للعلوم بالمنيا يقيم دورة لتعليم الطلاب المبتكرين كيفية عمل روبوت    تفاصيل اجتماع محافظ الدقهلية لتنفيذ مشروع "المنصورة بلازا"    هيثم رجائي: الملتقى الدولي لرواد صناعة الدواجن سيكون بمشاركة عربية ودولية    الاعتراف بالدولة.. وماذا بعد؟    مجاملة القرن.. رحلة رعاية " وكالة الأهرام " ل الأهلي والزمالك بين النجاح والإخفاق    جوميز يرفض رحيل صبحى وعواد عن عرين الزمالك    تعرف على موعد وساحات صلاة عيد الأضحى في الوادي الجديد    محمد إمام يتعاون مع المنتجة مها سليم في عمل درامي جديد.. رمضان 2025    الجيش الأمريكي: إسرائيل لم تستخدم الرصيف البحري الأمريكي في عملية تحرير الأسرى    برلماني يُعلن موعد عرض التعديل الوزاري الجديد على مجلس النواب    محافظ دمياط تعتمد تنسيق القبول بالثانوي العام الحكومي    ميتروفيتش.. الهداف التاريخي يحمل طموحات صربيا في اليورو    شريف إكرامى يرافق رمضان صبحى بمقر وكالة المنشطات للخضوع لجلسة الاستماع    منتخب مصر لسلاح الشيش يتوج بذهبية أفريقيا «سيدات»    وكيل «رياضة القليوبية» ورئيس شركة المياه يبحثان سبل التعاون المشترك    خوفًا من الزمالك.. تحرك عاجل من الأهلي بشأن محمد شريف (خاص)    مصر تستضيف اجتماع لجنة التدقيق الداخلي للاتحاد العربي للتأمين    تأجيل محاكمة 3 متهمين ب«خلية الشروق الثانية» لجلسة 14 يوليو    «7 من معهد واحد».. أسماء ال10 الأوائل في الشهادة الإعدادية بمنطقة أسيوط الأزهرية    ارتفاع عدد المصابين إلى 6 إثر اقتحام مستوطنين وقوات الاحتلال بلدة عوريف قرب نابلس    لمواليد برج العقرب.. توقعات الأبراج في الأسبوع الثاني من يونيو 2024 (التفاصيل)    منها تسريح الشعر.. مفتي الجمهورية السابق يوضح محظورات الحج    كيف تغتنم فضل يوم عرفة 2024؟.. الأعمال المستحبة وشروط الدعاء المستجاب    «الصحة»: رفع درجة الاستعداد بالمستشفيات استعداداً لعيد الأضحى    هل تزيد أسعار الأدوية في مصر؟.. إسلام عنان يوضح آلية التسعير    تبكير موعد صرف رواتب شهر يونيو 2024 بالزيادة الجديدة    البابا تواضروس الثاني يزور دير "الأنبا أور"    «اقتصادية الشيوخ»: الرقابة المسبقة سيؤثر إيجابيا على الاستثمار في مصر    أحمد العوضي يهنئ ياسمين عبد العزيز بمسلسلها الجديد: "هتغدغي الدنيا يا وحش الكون"    مياه القناة: استمرار أعمال التطهير لشبكات الصرف الصحى بالإسماعيلية    ذا صن: مانشستر سيتي سيزيد راتب فودين عقب اليورو    «سياحة الشيوخ» توصي بضرورة تفعيل المنتج السياحي «العمرة بلس»    «الصناعات الكيمياوية»: إنتاج مصانع الأسمدة في مصر لم يصل مستويات ما قبل قطع الغاز    غدا.. "صحة المنيا" تنظم قافلة طبية بقرية حلوة بمركز مطاي    مدحت صالح يستعد لإحياء حفل غنائي 29 يونيو بالأوبرا    جامعة سوهاج: 1000 طالب وطالبة يؤدون امتحانات نهاية العام بالجامعة الأهلية للتعلم الإلكتروني    حجازي: جار تأليف مناهج المرحلة الإعدادية الجديدة.. وتطوير الثانوية العامة    ما حكم الأضحية عن الميت؟    قصف أمريكي بريطاني يستهدف منطقة الجبانة في الحديدة غرب اليمن    المرور: ضبط 28776 مخالفة خلال 24 ساعة    بروتوكول تعاون بين جامعة بنها والأكاديمية العسكرية للدراسات العليا    محافظ الشرقية يُفاجئ المنشآت الصحية والخدمية بمركزي أبو حماد والزقازيق    وزير الزراعة يوجه بتكثيف حملات التفتيش على منافذ بيع اللحوم والدواجن والاسماك والمجازر استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    بسمة داود تنشر صورا من كواليس "الوصفة السحرية"    منورة يا حكومة    ضبط مالك مطبعة متهم بطباعة المطبوعات التجارية دون تفويض من أصحابها بالقليوبية    فى انتظار القصاص.. إحاله قضية سفاح التجمع الخامس إلى جنايات القطامية    اعتدال بسيط في درجات الحرارة بمحافظة بورسعيد ونشاط للرياح.. فيديو وصور    موعد يوم التروية 1445.. «الإفتاء» توضح الأعمال المستحبة للحاج في هذا التوقيت    البابا فرنسيس يحث حماس وإسرائيل على استئناف المفاوضات ويدعو لإنقاذ شعب غزة المنهك    ريان عربي جديد.. إنقاذ طفل سوري وقع داخل بئر بإدلب    شكري يتوجه إلى روسيا للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية تجمع بريكس    مدرسة غبور للسيارات 2024.. اعرف مجموع القبول والتخصصات المتاحة    يحدد العوامل المسببة للأمراض، كل ما تريد معرفته عن علم الجينوم المصري    سر تصدر شيرين رضا للتريند.. تفاصيل    3 طرق صحيحة لأداء مناسك الحج.. اعرف الفرق بين الإفراد والقِران والتمتع    مجلس التعاون الخليجي: الهجوم الإسرائيلي على مخيم النصيرات جريمة نكراء استهدفت الأبرياء العزل في غزة    حزب الله يستهدف موقع الرمثا الإسرائيلي في تلال كفر شوبا اللبنانية المحتلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر عبد الرحمن يوسف.. صورة من قريب
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 24 - 03 - 2012

نعم.. لأن الثورة هي الإسلام والإسلام هو الثورة فإن عبد الرحمن يوسف يمثل الثورة المضادة وليس الثورة.. فالثورة هي أبوه!!.. أتساءل في حزن وفي أسي: هل يجمع الشاعر قلبين في جوفه.. قلب صنديد وقلب عربيد؟.. قلب مجاهد وقلب صائد؟!.. فكيف كيف كيف كيف؟!.. انطفأت حماستي للشاعر.. أمن أجل هذا يرحبون به.. لكن.. فلنتابع باقي شعره
في 'الصَّلاةُ الخَامِسَةُ' من صلوات الملحد يقول الشاعر معاني بالغة الخطر:
تُريدُ فَهْمَ كَلامِ الحَقِ يَا وَلَدُ؟
تَفْسِيرُ جَدِّكَ؟ أمْ تَفْسِيرُ مَنْ وَفَدُوا؟
لَوْ أنَّ رُوحَكَ للأجْدَادِ مَا خَضَعَتْ
لَمَا وَجَدْتَ كِلابَ الأرْضِ قَدْ عُبِدَوا! !
هَذي التَفَاسِيرُ - لَوْ دقَّقْتَ - بَاطِلَة ٌ وجَذْوَةُ الشَّكِ في جَنْبَيْكَ تَتَقِّدُ!!
يا رب.. لا تجعل دوري معه كدور الشهيد سيد قطب مع عبد الله القصيمي.
كانت كل المحافل تلهج بالثناء علي المفكر السعودي الكبير عبد الله القصيمي.. ووحده انبري الشهيد سيد قطب ليحذر من الرجل ومن فقر فكره ومن الكفر الذي يفوح بين ثنايا أعماله.. ولم تكد تمر سنوات قليلة حتي انفجر الكفر عاتيًا وهمجيًا ليجاهر الشاعر به بعد أن انقلب علي دينه وأهله فاحتفل به الكفار في العالم أيما احتفال.. أما مصر التي احتضنته ورعته وحرسته ونشرت فكره.. فقد قتلت سيد قطب!.
عندما قررت أن أكتب عن الشاعر عبد الرحمن يوسف كان دافعي إلي ذلك أمورًا كثيرة.. أولها أنه تشريف لأي كاتب أن يقدم شاعرًا ويعرض بعض أعماله، وثانيها أن واجب الكتَّاب الذي تخلوا عنه عندما تحولوا إلي كتبة هو أن ينقلوا الثقافة للناس فيعرضون ما يعرضون، ويفسرون الصعب ويسهلون الممتنع، وبهذه الطريقة يتثقف الناس ويعلو مستواهم الإدراكي، ولقد كنت حريصًا علي ذلك في كتاباتي السابقة في صحيفة 'الشعب' حيث قدمت كثيرًا من الشعراء والكتاب العرب والأجانب في عروض مسهبة، الكتابة عن الشاعر عبد الرحمن يوسف إذن واجب عليّ أداؤه وأكون آثمًا إذا نكصت عنه.
السبب الثالث جاء عرضًا، ولم يكن مقصودًا.
لقد تكلمت عن الشاعر عبدالرحمن يوسف ولم أذكر بقية اسمه، فمن المعروف أنه لا يحب أبدًا ذكر اسمه بالكامل، لكن الأمر أصبح مشاعًا الآن بحيث لم يعد الإخفاء يجدي ولم يعد من الممكن أن يستمر.
أما اسم الشاعر بالكامل فهو:
عبد الرحمن يوسف القرضاوي.
نعم.. وليس تشابه أسماء.. فالشاعر نجل أستاذ العلماء وعالم الأساتذة الدكتور يوسف القرضاوي.
وكان هذا النسب يزيدني كما يزيد الشاعر تشريفًا علي تشريف.
قيل لي إن الشاعر لا يريد لاسم أبيه الضخم أن يكون واسطة بينه وبين الناس.. وأنه يريد من القراء أن يقيِّموه لشخصه لا لنسبه.
كان يمكن لهذا الأمر أن يستقيم مع أي أب آخر غير الدكتور يوسف، فكلنا يفخر بتأثيره علينا، بل العكس صحيح، فإنه يشيننا ألا نكون قد تأثرنا به.
يوسف القرضاوي ليس شخصًا ولا هو مجرد أب.. إنه جامعة عملاقة ومؤسسة هائلة تزيد من ينتمي إليها ولا تنقصه، بل يفخر الناس بتأثيرها عليهم ولا يهربون منها.
كانت بنوة الشاعر لشيخنا العلامة تمنحني مزيدًا من السعادة والشرف - لكنها لم تكن بأية حال دافعًا.
لكن هناك أمرًا آخر له صفة الخصوصية كان يدفعني إلي التعجيل بالكتابة التي لم يؤجلها سوي سلسلة كتاباتي - وكتابي - عن الإخوان المسلمين، والتي حوت فصولها الأخيرة انتقادًا شديدًا للشيخ القرضاوي بسبب هجومه علي الشهيد سيد قطب، ولم يدرك كثير من العلمانيين وقليل من السلفيين كم أحب الرجلين كليهما، وأن انتقادي للشيخ كان دافعه أنه لا يليق بي في كتاب عن الإخوان تتجاوز صفحاته الألفين أن أصمت عن انتقادات الدكتور القرضاوي العنيفة للشهيد، كان صمتي سيعني إقرارًا بالموافقة أو علي الأقل عجزي عن المواجهة، وعن ضعف دفاعاتي عن الشهيد. رددت علي شيخنا، الذي أتعلم منه وأعارضه، وأحبه الحب كله ثم أقسو عليه في المواجهة عندما أختلف معه، وفي المقالات الأخيرة، حدث فور نشرها أن أصيب بوعكة في الجزائر، واعتصر الألم قلبي، حتي لقد كبحت دموعي. ورغم أنني لا أسحب كلمة واحدة مما كتبته في الرد علي شيخنا وأستاذنا وعالمنا فإنني كنت شديد الرعب من أن يحين أجله وهو غاضب مني أو ناقم عليّ، خشيت أن أكون قاب قوسين من الجنة فيدفعني غضبه عليّ عنها، قلت لنفسي إن الأمر ليس أمر معادلات رياضية يكون الأمر فيها بالحساب الدقيق، وخشيت أن أكون قد أخذت ذنوبه وأخذ حسناتي. وكنت أريد فرصة أقول فيها للقراء كم أحب هذا الرجل وأحترمه وأثق فيه، وقلت لنفسي كذلك إن هذه الفرصة المتاحة للكتابة عن الشاعر عبدالرحمن يوسف قد تكون تحية غير مباشرة.
أريد أن أكون واضحًا في أمرين: أنني كنت سأكتب عن الشاعر سواء كان ابن الدكتور القرضاوي أم لم يكن، والأمر الآخر أن هذه الكتابة التي نويت منها أن تكون تحية للدكتور القرضاوي لم أقصد منها أن تكون اعتذارًا بأي شكل من الأشكال.
أقول نويت أن يكون المقال تحية.. ولكن.. وتقدرون فتسخر الأقدار.. ذلك أن الأمر يوشك أن ينقلب إلي ضده، ويوشك الأمر أن يكون شكوي أقدمها ضد الشاعر إلي أبيه.
هل صحيح أن الشاعر يخشي أن يقدره الناس تبعًا لأبيه أم أنه قدر أنه وإن كان ابن العلامة فإنه ليس من أهله؟!
كنت مندهشًا ومنزعجًا من علاقات الشاعر باليساريين ومن كثير من الألفاظ والمعاني التي يستعملها. فلنقرأ مثلا في قصيدته 'البَحْثُ عَن ِ الذَّاتِ':
وأبْحَثُ طُولَ الَّليْلِ عَنْ نُور ِمِشْكَاةِ
يُنِيرُ طَريقَ العَقْلِ في البَحْثِ عَنْ ذاتي
كأُسْطُورَةٍ بَلْهَاءَ تَبْدُو خَواطِري
وأبْدُو بأ ُفْقِ الحَقِّ.. نَجْمَ خُرَافَاتِ
أعِيشُ عَلي مَاضٍ مِنَ الحُزْنِ هَدَّنِي
وأسْوَأُ مِنْ مَاضِيّ.. خَوْفي مِنَ الآتي!
ثم واصل القراءة في القصيدة ذاتها:
بِدَايَاتُ هَذا الكَوْنِ أجْهَلُ شَكْلَهَا
و هَيْهَاتَ أنْ أحْظَي بشَكْلِ النِّهَايَاتِ
فَكَيْفَ وجَهْلي بالحَقِيقَةِ مُطْبِقٌ
أُعَانِقُ في الإظْلامِ بَعْضَ إضَاءَاتِ؟
ولنلاحظ هنا ضياع اليقين في أتون فلسفة الشك التي انتشرت في أوربا منذ القرن السابع عشر باعتبار ذلك جزءًا شيطانيًَا يهوديًا ماسونيًا من مخطط القضاء علي منظومة الدين، ويتبناها العلمانيون حتي الآن.
وقبل أن يجابهني العلمانيون بأنني أخرج عن أصول النقد وأن النقد يجب أن يكون من داخل العمل لا من خارجه أرد عليهم بأنني لا أخرج عن أصول مدارسهم النقدية فقط بل ألفظها وأسحقها سحقًا. ذلك أن هذه المقاييس هي مقاييس الحداثة التي تنفي الدين في النهاية نفيًا شاملا. لقد جعلوا من نصوصهم وأصول نقدهم العلمانية الحداثية قرآنًا لا يجوز الخروج عليه أو نقده كما لا يجوز لغيرهم تفسيره، فعلوا ذلك - قاتلهم الله - في الوقت الذي جعلوا فيه القرآن كتاب الله هدفًا لطعنهم. وبمنتهي الصلافة والشر والوقاحة وضعوا شروطًا لكي يعترفوا بنا بوصفنا مسلمين، وكان فحوي هذه الشروط أن نقر بالكفر قبل أن يعترفوا بحقنا في أن نكون مسلمين. إن بعضهم وهو كافر بما أنزل الله يريد أن يحدد لنا شروط إيماننا، بل إن موقفهم - قاتلهم الله ولعنهم - هو الموقف الصليبي المتعصب نفسه الذي صدر من بابا الفاتيكان وعصبته، من أن الإسلام دين إرهاب، ومن أن محمدًا - صلي الله عليه وسلم - لم ينشر سوي الإرهاب والجهل والخرافة والقسوة، وقد نشرها بالسيف، وأن الحد الفاصل الفارق الذي يفرق الإرهابي عن غير الإرهابي هو الإيمان بالقرآن، وتفصيل ذلك أن جميع من يصرون علي أن القرآن كلام الله حرفيًا هم الإرهابيون، وأن غير الإرهابيين هم الذين يقرون بعكس ذلك، الذين يقولون إن القرآن منتج ثقافي بشري يجوز تعديله بل يجب تعديله وتغييره. هذا ما يهمسون به أحيانًا ويصرحون به أحيانًا أخري، حيث تقوم طلائعهم مثل نصر حامد أبو زيد والقمني وخليل عبدالكريم بترويجه والدفاع عنه.. وتقوم الجوقة العفنة بالترويج لهم.
قد أحترم العلمانيين في الغرب لأنهم أبناء شرعيون لثقافاتهم وتواريخهم، أما العلمانيون في بلادنا فليسوا أبناء شرعيين لحضارتنا، ما مخضتهم بطون نسائنا ولا آباء لهم عندنا، وهم نبت مستورد.
أكرر القول إن إقرارنا بالكفر شرط لاعتراف النخبة العلمانية الدنسة بحقنا في الإسلام.. علي جميع المستويات.. في السياسة والثقافة.. في الحرب والسلم.. وفي كل تفاصيل الحياة، ولتلاحظ أن هذا الموقف، الموقف البابوي، هو موقف الغرب نفسه منا، وأن الشروط هي الشروط ذاتها، وأن النخبة الخائنة، ونخبة المثقفين اليساريين العفنة، هي ليست إلا الطابور الخامس، تؤيد ذلك وتشجع عليه، بل تفعل ما هو أكثر، لقد نصّب الصليبي واليهودي والمشرك طواغيتنا حكامًا علينا، ونصّب هؤلاء الطواغيت نخبة المثقفين حرسًا علينا وأعطوهم مفاتيح المدينة، ولأن يلج كاتب ميادين الشهرة والنشر والاحتفاء دون معونتهم وإذنهم أصعب من أن يلج الجمل في سم الخياط. إنهم بالطبع لا يفعلون ذلك مباشرة، ولكنهم عن طريق وسائل النشر والنقد والإعلام والشهرة، لا يقرظون عملا إلا إذا احتوي علي اجتراء علي الثوابت وامتهان لألفاظ الذات الإلهية وسب للرسول صلي الله عليه وسلم وإنكار للمعلوم من الدين بالضرورة، وترك الإجماع للخروج بمفهوم جديد للدين، يمحو رسمه ويبقي اسمه.
لقد بلغ انزعاجي مبلغًا عظيمًا عندما قرأت قولا للشاعر في أحد لقاءاته: 'أنا لا أعتقد أن فهمنا - نحن المسلمين - للإسلام يعتبر فهما صحيحا!!! لقد تراكمت المفاهيم الخاطئة.. واستمرأ الناس الخلل في الأولويات الدينية بحيث صار الدين مخدرا.. لا باعث نهضة.. ومحرك التحرر...!'
آآآآآآآآآآآآآآآآآه..
أنت الذي تقول ذلك يا ابن من حمل علي عاتقه تصحيح المفاهيم الخاطئة وهداية الناس..
أنت يا ابن القرضاوي من يقول هذا التعبير الماركسي الفج - مهما تأولت وفسرت: 'صار الدين مخدرًًا.. لا باعث نهضة.. و محرك التحرر'..
وا أسفًا عليك.. ولهف قلبي علي أبيك في مصيبته فيك إن صدقت هواجسي وظنوني.
لا أخفي علي القارئ أنني شديد الانزعاج من نماذج كجمال البنا وجهاد عودة وعبد الله القصيمي، وعشرات النماذج الأخري التي أعرفها لكن لا يليق التصريح بها ما لم تجاهر.. فمع هذه النماذج تدرك الأجهزة المختلفة - ومنها أجهزة الأمن - أنها أمام صيد سمين ثمين.. فتتقدم لتلقي شباكها حول ذلك المنتمي لشخصية إسلامية كبري، وتضع أمامه مجموعة من العراقيل كي تردعه عن السير في طريق ما ومجموعة الجوائز كي تدفعه للسير في الطريق الذي تريده أن يسير فيه.. تمامًا كما كان بافالوف يعمل بحيواناته فيعلمها بالثواب والعقاب أن تسير أنَّي شاء أو أن تتجنب السير حيث ما شاء.. فلكأن هذه الأجهزة وهؤلاء العلمانيين الأشرار يفعلون ما كان يفعله الشيطان أو الساحر العجوز في الأساطير الشعبية.. عندما يشرعون في تعليم السحر لأحد ممن أضلوه عن دينه فاتخذ إلهه هواه، تقول الأسطورة إن الشرط الذي كان الساحر العجوز يضعه أن يذهب من يريد تعلم السحر فيتوضأ باللبن ويدنس المصحف ويكفر بالله. فتلك هي القاعدة الأساسية لتعلم السحر.
شياطين الثقافة في بلادنا يفعلون الشيء نفسه.. اذهب واخرج عن الإسلام أو علي الأقل تجرأ عليه وسوف نمنحك صك الاعتراف والمال والشهرة والمجد وفرص النشر الواسعة والاحتفاءات الهائلة في الاحتفالات التي لا تنقطع.
صرخت: اللهم احم عبد الرحمن يوسف القرضاوي منهم.
في قصيدة: 'خَلْفَ القُضْبَان' يقول الشاعر:
كُلَّمَا أدْنُو مِنَ الحَقِّ ابْتَعَدْ
وانْجَلَي الليْلُ وعَقْلِي مَا رَقَدْ
وفي قصيدة 'أمَامَ المِرْآة ِ' يقول:
وَحْدِي.. وأطْيَافُ أحْبَابي عَلي الشُّرَفِ
والشَّكُّ يَغْزُو يَقِينَ القَلْبِ في صَلَفِ
وفي قصيدة 'البَحْثُ عَنِ الذَّاتِ' يقول:
بِدَايَاتُ هَذا الكَوْنِ أجْهَلُ شَكْلَهَا
وهَيْهَاتَ أنْ أحْظَي بشَكْلِ النِّهَايَاتِ
فَكَيْفَ وجَهْلي بالحَقِيقَةِ مُطْبِقٌ
أُعَانِقُ في الإظْلام ِ بَعْضَ إضَاءَاتِ ؟
ربما أدرك أن الشاعر لا يعبر عن نفسه في عمله الفني الإبداعي، لكنني في الوقت نفسه أملك من الخبرة ما أميز به بين الظل والأصل. كما أن ما يهمني في الشاعر هو المجاهد وليس الفن من أجل الفن، ما يهمني فيه أنه كتيبة رماة، أو صواريخ تنطلق منها كلمات الحق عند سلطان جائر فيدخل الشاعر الجنة.
وليس الأمر أمر اقتناعات شخصية من حق كل واحد أن يختارها دون التفات لسواه، وإذا كان الشاعر يقول إنه منح نفسه كلها للشعر حتي أصبح حالة شعرية، أفلا نملك أن نقول إن علينا أن ننذر أنفسنا كلها لله كي نكون حالة إيمانية.
الأمر ليس اختلافات مشروعة في الرؤي بل خللا لا يستقيم الأمر معه أبدًا، فالإنسان لا يمكن أن يكون كاتبًا مبدعًا ولا حتي مثقفًا دون أن تكون له وجهة نظر شاملة في الحياة ينتظمها خط واحد متسق. وأنَّي للإنسان الذي فقد بوصلة حياته أن يعرف الشرق من الغرب أو الشمال من الجنوب. وأنَّي لمن يجهل بدايات هذا الكون ونهاياته ومبرراته أن يعرف بداياته هو نفسه ونهاياته ومبررات تصرفاته في حياته.
هل يمكن مثلا أن نتصور عمر الحمزاوي في شحاذ نجيب محفوظ يقوم بعمل استشهادي، أو أن كمال أحمد عبدالجواد - في الثلاثية - يشكل جماعة إرهابية؟ أو أن ميرسو، بطل رواية الغريب' لألبير كامي يتزعم جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان؟ وهل يمكن أن نتصور 'ليبولد بلوم' بطل رواية 'عوليس' للكاتب الأيرلندي الشهير جيمس جويس رئيسًا لعصابة صهيونية إرهابية؟!.
أريد أن أقول إن المثقف، والمبدع بصورة أولي، يملك تصورًا شاملا للكون، ومن هذا التصور تتحدد مواقفه، وأن الشاعر، أو الإنسان الذي لا يعرف بداياته من نهاياته، الذي لا يعرف من أين جاء ولكنه أتي عندما وجد أمامه طريقًا فمشي، لا يملك مقدرة اتخاذ موقف، وعليكم أن تخبِّروني ماذا يرغم هذا الإنسان الضائع علي القيام بعمل قد يفقد فيه حياته؟
أريد أن أقول إن معرفة البدايات والنهايات، بل اليقين بها هو الذي يجعل لتصرفاتنا معني وقيمة.
ولا معني ولا قيمة لمن يفقد حياته وهو يواجه السلطان الجائر بكلمة حق بينما هو في الأصل لا يؤمن بالله أو يشك في وجوده، بل إن الفعل الاستشهادي يفقد منطقه وعقله ليصبح جنونًا مطبقًا، وإرهابًا بلا مبرر، نعم، جنون مطبق، وتلك هي نظرة الصليبيين واليهود والمشركين وخدمهم من علمانيينا إلي المجاهدين منا، سواء بالقلم أو بالدم.
وبصورة أخري أريد أن أقول إن الهجوم علي الطاغوت واستنكار الظلم والقسوة والتعذيب والتزوير والخيانة لا يمكن أن يكون له معني إلا إذا رجعنا إلي مرجعية مطلقة تجعل من الظلم والقسوة والتعذيب والتزوير والخيانة أمورًا شائنة وكريهة.
ما الذي يجعل الصدق نبيلا والكذب وبيلا إلا أن الله أمرنا بالصدق وحرم علينا الكذب، هل يمكن للقيمة الإنسانية المجردة أن تصل إلي هذا؟ بالطبع وفي الواقع مستحيل، أعني من هذا كله، أن الضائع الذي لا يعرف البدايات ولا النهايات ليس لديه أي مبرر لأن يهجو السلطان أو أن ينتقد فعله؛ لأنه لا مقياس لديه يمكن القياس عليه، وهذا المقياس ليس إلا اليقين بالله، ومنه، من الله تنبع كل قيمة نبيلة في هذا الوجود، ومنه، من الله، نستمد المقياس، وبدونه لا معني لشيء ولا مقياس لشيء، وبدونه كل شيء مباح. وبدونه يصبح الطاغوت علي حق ويصبح المجاهدون حمقي فقدوا حياتهم من أجل لا شيء، وبدونه يصبح بوش المجنون حكيمًا وعاقلا لأنه دمر العالم كي يسيطر علي البترول لبلاده.
نعم إذا فقدنا المقياس وغام أمام أعيننا اليقين فلا معني لشيء ولا قيمة لشيء ولا مبرر لشيء.
لقد تحدثت كثيرًا عن الحصار المفروض حول الشاعر، الآن أدرك أنه كان شبح حصار، بل إن بعض القنوات التلفازية الرسمية استضافته، كانت الغواية علي أشدها، وكان قد حصل علي تأشيرة مؤقتة للدخول بعد أن استعمل ألفاظًا ما كان له أن يستعملها.
إنني أريد أن أؤكد أن في الديوان ومضات إيمان مبهرة، وأنني لا أشكك ولا أشك في إيمان الشاعر، ولكنني أري حجم الغواية فأحذّر.
ربما يتساءل القارئ الآن عن النماذج التي جعلت من هذا المقال مقالا أراني الله فيه عجائب قدرته، إذ بدأته 'أنتوي أمرًا، وأقصد اتجاهًا ثم شاء الله أن أسير في عكسه'، ولقد نكصت عن الاستشهاد بمعظم هذه النماذج، نكصت عنها بسبب الحياء أحيانًا والخجل أحيانًا، لكنني في معظم الأحوال كنت أتغاضي علّ الشاعر يملك تأويلا يبعده عن مرمي النار في الدنيا وعن جحيمها في الآخرة، وكنت أقول لنفسي: لعلها نزوات أو نوبات سرعان ما تزول، كما كنت أقول: دع الباب موارباً فلربما يأتي غدًا كي ينكر أو يستنكر ما قال، وتجاوزت - في هذا الإطار - عن هنات وكبائر، وأغمضت عيني عن غزل غير عفيف يتفجر بالرغبة المسعورة في تحرير المرأة من أزرار ملابسها - علي حد قول الشاعر! - وأغمضت عيني عن استعمال ألفاظ لا يستلزمها السياق كاتهام الحاكم الطاغوت بأنه يطعم أهله البراز، أو كاستعمال كلمة 'عرص' وهي كلمة دارجة 'والحق أنني لا أعلم معناها ولكني أتصور أنها بذيئة'، وكذلك المبالغة والتكرار الشديد في تشبيه العلاقة بين الحاكم والطاغوت والشعب بعلاقة شذوذ، والأنكي تجسيد التشبيه بصورة تدعو للتقزز والخجل.
لن أحاسب الشاعر علي أي من ذلك.. ولن أحاسبه حتي علي أنه في جرأة طائشة سمي موقعه: 'الرحمن' وليس موقع عبد الرحمن مثلا.. قد أتجاوز عن ذلك كله وعما هو أكثر منه.. ولكن واقعة واحدة لا أستطيع تجاوزها أبدًا.. ولا أستطيع أن أسامحه فيها أبدًا.. رغم أنها تمثل الذروة الطبيعية لما قبلها.. والنهاية المنطقية لمقدمات سبقت واجتراءات اقترفت.. لكنها في هذه المرة فاقت وفاحت بحيث لا يمكن تجاوزها أو تبريرها بأي شكل من الأشكال.
ولكن هل يجوز أن يقول في صفحة 68 من ديوانه الرابع 'لا شيء عندي أخسره':
هم أقنعوك بأن الأرض قد سجدت..
من تحت إستك.. إست الواحد 'الأ...'..
هل كان يليق في هذا السياق أن يرتكب الشاعر إثمًا لا أعرف كيف يواجه به ضميره.. والناس وأباه..
وكيف يواجه الله به يوم القيامة..؟
هل كان يليق أن يضيف كلمة 'الأحد' بعد كلمة 'الواحد' في بيت الشعر السابق.
يا إلهي..
الواحد الأحد..
وفي هذا السياق
هذه الجرأة في اقتحام الألفاظ البذيئة مجاورة للفظ الجلالة..
أنا أعرف أنه يقصد الطاغوت بكلام 'الواحد الأحد'.. وحتي في إطار هذا القصد فإنني لا أستسيغ مهاجمة الطاغوت بهذه الطريقة..
ولكن كيف يمكن استساغة هذه الجرأة الوقحة بترداد ذلك اللفظ في حضرة لفظ من ألفاظ الجلالة.. وكيف يتأتي لقلب اقترف صاحبه هذه الخطيئة أن يخشع.. وكيف يتسني لذلك الصاحب أن يركع.
عندما وصلت إلي هذا الجزء في قراءتي اشتعل قلبي بالإشفاق علي شيخنا الكبير القرضاوي.. وخفق قلبي الحزين المجروح بالتعاطف معه، لقد كان جزءًا مما أريد بعد تحية الشاعر أن أحيي أباه العظيم..
ولكن ها هو ذا كله يتلاشي فما الداعي لنشر المقال إذن؟
وغلب عليّ ألا أنشر هذا المقال فقد انهار الكثير من ركائزه.. لكنني سرعان ما أدركت أن نشره - للتحذير - أوجب.. تحذير الشاعر حتي يعود إلي صوابه مدركًا عمق الهوة التي وقع فيها.. فإن لم يعد عن غيه فتحذير الناس منه.
وفجأة وجدتني أصيح دونما صوت: والله إن كان يقصدها لأنكلن به كما نكلت بحيدر حيدر.. فإن كان سيدي وحبيبي ومولاي سيقطع يد فاطمة لو سرقت فاطمة فما أولي بي أن أقطع لسان من يجترئ علي الذات الإلهية حتي لو كان ابن القرضاوي.
ولقد خشيت أن أنكص عن كلمة حق، حبًا في شيخنا الكبير وإكرامًا له ومراعاة لخاطره، لذلك عدلت عن النكوص وكان واجبا عليّ نشر المقال..
الأمر يتعدي حدود الواقعة كي يكون رسالة لكل مبدع ولكل مثقف ولكل مسلم.. يتعداها لكي يشمل نقطة جوهرية مهمة لا يتسع هذا المقال لها، هذه النقطة هي مروق الأبناء من الإسلام مروق السهم من الرمية.. وخصوصا أبناء كبار الإسلاميين وأقاربهم.. ليس مجرد المروق بل اتخاذهم قواعد لقصف الإسلام نفسه.
كنت في المسجد الحرام.. ذهلت من الآية فكأنما لم أقرأها قبل ذلك في حياتي أبدًا، فرحت أتلوها وأكرر تلاوتها وأنا أبكي وأنتحب:
'وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ' الأحقاف: '17'.
والآن..
كأنني أري الدكتور يوسف القرضاوي يبكي وينتحب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.