لا خلاف علي أن الجميع يجتهد في التعبير عن مشاعره تجاه وطنه كل حسب وجهة نظره وكل حسب تصوراته وأفكاره، وقد أفسحت ثورة 25 يناير المجال كاملا أمام الجميع ليدلو بدلوه ويعبِّر عن رأيه فيما يحدث علي الساحة السياسية، وقلنا مرارًا وتكرارًا إن أجمل ما في الثورة أنها حررت القيود، وكسرت الأغلال، وأطلقت عقدة اللسان، وجعلتنا نحلق بأحلامنا في فضاء كنا نظن أنه موصد للأبد، من كان يصدق أننا نقف في طوابير الأمل والحرية لنختار من يمثلنا في مجلس الشعب؟! ومن كان يتخيل أن اليوم الذي سنختار فية رئيس جمهوريتنا آت لامحالة؟ ومن كان يدري أننا سنشارك برأينا في الدستور ومن..؟ كلها كانت آمال لم ترد علي خيال أحد منا. الآن تحققت الأحلام وأصبحت أمرًا نحياه ونعايشه، كل له رأي مسموع وصوت لا يخشي أحدًا، الاجتهادات كثيرة والأفكار مختلفة، وكل فريق يري أنه صاحب الرأي الصائب، اختلفنا علي التعديلات الدستورية واحتكمنا للصناديق، واختلفنا علي الانتخابات البرلمانية فكان الفيصل هو قواعد العملية الديمقراطية، الآن بدأ الخلاف علي تسليم السلطة إلي رئيس جمهورية مؤقت دون الالتزام بالجدول الزمني المحدد بالإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس الماضي. الدعوة بدأت مع الاحتفالات بالعيد الأول لثورة 25 يناير الذي صادف الأربعاء الماضي.. وقد شهدت المسيرات التي خرجت من مناطق عدة في القاهرة والمحافظات دعوات بعض القوي السياسية، بضرورة انتقال سلطة رئيس الجمهورية من المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي يتولاها منذ الإطاحة بنظام مبارك في 11فبراير الماضي، إلي رئيس جديد وليكن مؤقتًا، وهي الدعوة التي جددها الدكتور محمد البرادعي المرشح المنسحب من انتخابات رئاسة الجمهورية، والذي أعلن علي حسابه الشخصي علي موقع التواصل الاجتماعي 'تويتر' يوم الجمعة الماضي، عن خطوات ما أسماه بالتسلسل المنطقي لما يجب اتباعه للمرحلة الحالية تقضي بأن يتم تسليم السلطة إلي رئيس جمهورية مؤقت ينتخبه مجلس الشعب ، ثم يتم فورا تشكيل لجنة لوضع الدستور الذي سيحدد شكل النظام السياسي ويضمن مدنية الدولة والحقوق والحريات، وأكد أنه من الضروري أن يتبع تلك الخطوات انتخاب رئيس جمهورية تكون صلاحياته محددة ثم انتخاب برلمان علي أساس هذا الدستور، كما أعلنت حركة 6 أبريل اعتصامًا مفتوحًا حتي يتم تسليم السلطة إلي مدنيين. وكانت الدعوة بتعجيل نقل السلطة إلي رئيس مدني منتخب وتبكير موعد الانتخابات الرئاسية، قد أثيرت علي نطاق واسع قبل شهر وتزامنت مع أحداث شارعي محمد محمود ومجلس الوزراء، وكان الحديث وقتها عن إلغاء انتخابات مجلس الشوري أو تأجيلها، وتعهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالتزامه بتسليم السلطة مع نهاية يونية 2012. نصوص دستورية نصوص الإعلان الدستوري الذي تم الاستفتاء عليه في 19 مارس 2011 وتمت الموافقة عليه بنسبة 77.2٪ ورفض بنسبة 22.8٪ من إجمالي نسبة تصويت بلغت 41.2٪، يحدد موعد انتخاب رئيس الجمهورية في نهاية العملية السياسية التي تبدأ بانتخابات البرلمان بمجلسيه، ثم تشكيل الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور، ثم طرح الدستور علي الشعب في استفتاء عام ،وبعدها تبدأ إجراءات الترشح لمنصب رئيس الجمهورية. تبكير موعد الانتخابات الرئاسية يتعارض مع نص المادة 61 من الإعلان الدستوري، كما أعلن من قبل وأثناء أحداث مجلس الوزراء، الدكتور نور فرحات الأمين العام للمجلس الاستشاري والذي نقل عن الاجتماع مع المجلس العسكري عدم ممانعة الأخير في الأمر، مشترطًا توافق القوي السياسية علي تعديل مواد الإعلان الدستوري. وتنص المادة 60 من الإعلان الدستوري علي أن يجتمع الأعضاء غير المعينين لمجلسي شعب وشوري في اجتماع مشترك بدعوة من المجلس الأعلي للقوات المسلحة خلال ستة أشهر من انتخابهم لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو تتولي إعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها ويعرض المشروع، خلال خمسة عشر يوماً من إعداده علي الشعب للاستفتاء ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء. أما المادة 61، فتنص علي أن يستمر المجلس الأعلي للقوات المسلحة في مباشرة الاختصاصات المحددة في هذا الإعلان وذلك لحين تولي مجلسي الشعب والشوري اختصاصاتهما وحتي انتخاب رئيس الجمهورية ومباشرته مهام منصبه كلُ في حينه. ويحتكم مؤيدو الإسراع بنقل السلطة إلي دستور 1971 الذي ينص علي أن سلطة رئيس الجمهورية يتم تسليمها إلي رئيس مجلس الشعب في حال فراغ منصب رئيس الجمهورية، وهو ما يراه فقهاء القانون متعارضًا مع الواقع ومع شرعية الاستفتاء الشعبي في مارس 2011، حيث تحكم البلاد بالإعلان الدستوري الذي استفتي عليه الشعب، معتبرين أن دستور 1971 سقط مع قيام الثورة. وواجهت دعوة الدكتور البرادعي رفضًا من القوي السياسية ونواب حزب الحرية والعدالة، واعتبروا في ذلك خرقًا لما تم التوافق عليه من قبل، وقال الدكتور محمود غزلان المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، إنه لابد من إجراء انتخابات الشوري ثم وضع الدستور، ثم انتخاب رئيس الجمهورية، ولا يصح أن نخالف الدستور، ويجب أن نحترم التعديلات الدستورية وفق خارطة الطريق التي وضعت من قبل. إزاء هذا الوضع المتأزم علي الساحة السياسية هل يجدي بالفعل تبكير موعد الانتخابات الرئاسية خاصة أن المدة المتبقية وفقًا للجدول الزمني لن تزيد علي الشهرين؟ سؤال حاولت مناقشته مع الدكتور محمد شوقي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الذي قرأ الأحداث وقال: لا يمكن اعتبار مايحدث من أطروحات غير منطقية علي الساحة السياسية سوي أنه عبث بمقدرات الوطن، فما الجدوي من انتخاب رئيس جمهورية الآن وفورًا وبالقفز علي النصوص الدستورية غير أنه تخريب متعمد لكل ما تم إنجازه خلال الفترة الماضية من خطوات باتجاه التحول الديمقراطي، وكيف يمكن انتخاب رئيس من خلال مجلس الشعب، فهل سيتولي الأعضاء مهمة اختيار الرئيس نيابة عن الشعب؟ أم إنه سيرشح بعضًا من أعضائه وسيقوم الشعب باختيار أحدهم؟ وهل انتخب الشعب النواب ليفرضوا عليه رئيسًا بعينه؟ كلها تساؤلات تحتاج لإجابات أعتقد أنها لن تُطرح وإن طرحت فلن تكون منطقية. ويضيف بقوله إن الوضع لا يتحمل مغامرات، وعلينا أن نحترم رأي الأغلبية التي وافقت علي الإعلان الدستوري الذي يحدد المعالم التي نسير عليها خلال الفترة الانتقالية، صحيح أن المجلس العسكري أضاف عليها مواد أخري، لكننا ارتضينا الأمر برمته وعلينا أن نحتكم لقواعد الديمقراطية التي ربما لم تأت علي هوي البعض، فلنترك المواطن يمارس حريته بنفسه والشعب لابد أن تُحترم اختياراته، وإذا أخطأ كما يقول البعض، فإنه في المرة المقبلة سيتعلم من أخطائه، وعلينا أن نبتعد عن ثقافة الوصاية علي الشعب، وهذه أبجديات الديمقراطية. ويشير إلي أن إعلان مارس 2011 حدد خطة زمنية يتم في آخرها تسليم السلطة من المجلس العسكري إلي الرئيس الذي سيختاره الشعب عن طريق الاقتراع المباشر، وبالتالي فإن طرح فكرة اختيار مجلس الشعب لرئيس مؤقت هي فكرة تتنافي مع إرادة الشعب الذي وافق علي التعديلات الدستورية، وما تبعها من إجراءات تسير وفق ما نصت عليه من إجراء انتخابات مجلس الشعب وهو ما تم وأصبح لدينا برلمان منتخب بإرادة شعبية حرة لأول مرة، والآن تتم انتخابات الشوري وبعدها تتشكل لجنة إعداد الدستور وفتح الباب أمام الانتخابات الرئاسية، وهذا يعني أن الأمور تسير في مسارها المحدد ولا داعي لإجراءات جديدة تخل بالعملية الديمقراطية.