منذ وصول محمد مرسى إلى الحكم فى الثلاثين من يونيو 2012، عاشت البلاد حالة من الفوضى والانقسام، والأزمات المتتالية التى باتت تهدد وجود الدولة من الأساس.. لقد وصف المصريون هذه الفترة بأنها من أشد فترات التاريخ الحديث «ظلامية وسوادًا»، فعمَّت التظاهرات البلاد رافضة حكم الإخوان، منذ البدايات الأولى لوصولهم إلى السلطة وممارساتهم المعادية للجميع ، وسعى الإخوان فى المقابل إلى فرض سطوتهم وجبروتهم بهدف كسر إرادة الجماهير وتركيع مؤسسات الدولة لتصبح تابعة لمكتب الإرشاد، تأتمر بأوامره، وتنفذ تعليماته. كان الجيش يراقب ويحذِّر من مغبة السقوط فى الهاوية، واضطر اضطرارًا إلى إصدار بيان عن القيادة العامة للقوات المسلحة فى الثامن من ديسمبر 2012، يحذر فيه من خطورة الانقسام وانهيار الدولة، ويطالب فيه بالحوار بين الجميع لحماية الوطن من المخاطر التى يتعرض لها، إلا أن الإخوان ومندوبهم فى القصر الرئاسى صمُّوا آذانهم وأفشلوا الحوار الذى دعت إليه القوات المسلحة فى هذا الوقت.. ومع تفاقم الأزمة، وتصاعد التوتر، وتهديد الكيان الوطنى، وبوادر نشوب الحرب الأهلية بين الفرقاء، كان طبيعيًا أن يتدخل الجيش لتقديم الإنذار الأخير الذى يسبق الطوفان.. وفى الثالث والعشرين من يونيو 2013، أعلن الفريق أول عبدالفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى بيان القيادة العامة للقوات المسلحة الذى يمثل إنذارًا أخيرًا لجماعة الإخوان ولمحمد مرسى شخصيًا. لقد منح هذا الإنذار القيادة الحاكمة فى هذا الوقت سبعة أيام تنتهى قبل الثلاثين من يونيو حتى تتم الاستجابة للمطالب الشعبية المعلنة، لكن أخطر العبارات التى تضمنها هذا البيان هى قول السيسى: «يخطئ من يعتقد أننا فى معزل عن المخاطر التى تهدد الدولة المصرية، ولذلك لن نظل صامتين أمام انزلاق البلاد فى صراع تصعب السيطرة عليه، وإن المسئولية الوطنية والأخلاقية للقوات المسلحة تجاه شعبها، تحتم عليها التدخل لمنع انزلاق مصر فى نفق مظلم من الصراع أو الاقتتال الداخلى أو التجريم أو التخوين أو الفتنة الطائفية أو انهيار مؤسسات الدولة». ورغم هذا البيان وجديته وقوته، إلا أن جماعة الإخوان ومندوبها فى القصر الرئاسى صمُّوا الآذان، بل راح خيرت الشاطر نائب المرشد العام يهدد السيسى ويهدد الجيش بأن عناصر الإخوان لن تصمت ولن تسمح بتدخل القوات المسلحة أو اندلاع مظاهرات 30 يونيو. لقد كان بيان القيادة العامة للقوات المسلحة حدًا فاصلًا بين مرحلة وأخرى، وكان إنذارًا لم تستوعب الجماعة جديته، فتمادت فى ممارساتها ورفضت الاستجابة لمطالب الجماهير، وصممت على المواجهة، مهما كان الثمن، فكانت النتيجة هى سقوطهم ونهاية حكمهم وسجن قياداتهم ومحاكمتهم على جرائمهم فى حق الوطن والشعب. وهذا الكتاب يتضمن رصدًا أمينًا لوقائع الأحداث المعلنة وغير المعلنة التى شهدتها البلاد فى الفترة من الثالث والعشرين من يونيو حتى الثالث من يوليو 2013. ويكشف الكتاب عن وقائع مذهلة جرت وراء الأبواب الخلفية، حاول فيها السيسى تفادى الصدام، وحل الأزمة سلميًا قبل الموعد المحدد، إلا أن جماعة الإخوان رفضت واستهانت وصممت على المواجهة. وبعد أحداث الثلاثين من يونيو، سعى السيسى مرة أخرى، فقدَّم الحلول الناجعة للأزمة، والتقى مرسى أكثر من مرة، وأرسل له بمندوبين من جماعته وحلفائه لإبلاغه بأن الجيش لن يقف صامتًا، ونذر الحرب الأهلية تطل برأسها، إلا أن مكتب الإرشاد الإخوانى أغلق الباب كاملًا فى وجه الجميع، فلم يكن أمام القيادة العامة للقوات المسلحة إلا الانحياز لخيار الجماهير التى صممت على البقاء فى الشارع حتى رحيل محمد مرسى وجماعته عن الحكم. إننى أقدم هذا الكتاب وشهوده لا يزالون أحياءً؛ حتى يدرك الجميع حقائق الأحداث التى شهدتها مصر خلال العشرة أيام التى هزت الكيان الوطنى بأسره، وأنقذت مؤسسات الدولة من الانهيار، وحمت الشعب المصرى من مخاطر حرب أهلية، كانت حتمًا ستقودنا جميعًا إلى مصير دول أخرى انهارت وسقطت ونُهبت ثرواتها وشُرِّدت شعوبها فى أنحاء العالم بأسره.. يتبع غدا نشر حلقة جديدة من حلقات الكتاب .