لا يمكن اختزال أزمة دول الخليج مع قطر في تصريحات تميم الداعمة لإيران فحسب، فهي تصريحات معادة لما قاله تميم حرفيًا في كلمته أمام جلسة الأممالمتحدة نهاية العام 2015 وتجاهلتها دول الخليج آنذاك. كما أن المشهد برمته مشهد معاد لما حدث إبان الملك عبد الله وتمكنت المملكة من احتوائه سريعًا باتفاقية الرياض ديسمبر من عام 2014. آنذاك أعلنت قطر عن إنشاء مجلس تعاون عسكري استراتيجي مع تركيا فى 19 سبتمبر 2014، يسمح للدولة المضيفة للبلد الآخر باستخدام موانئه البحرية وطائراته ومجاله الجوي، وبتمركز قواته العسكرية على أراضيه، والاستفادة من المنشآت والوحدات العسكرية، فأوجدت مقدمًا المبرر للبرلمان التركي بالموافقة على إرسال 5000 جندي إلى قطر منذ أيام، وكأنما كانت تستعد الدوحة لليوم الموعود منذ اندلاع الأزمة الأولي. وكأنما أرادت قطر أن ترسل تحذيرها إلى المملكة بإمكانية خروج الدوحة من عباءة الخليج، وتشكيل تحالفات عسكرية جديدة خارج قوات درع الجزيرة قد تضر بمصالح المملكة في المنطقة. أغلب الظن أن هناك أسباب خفية للأزمة يمكن استنتاجها في الآتي : أولًا: احتمالية وجود مخطط قطرى لزعزعة استقرار المملكة وقد تم رصده. ثانيًا: ما كشفت عنه فاينانشيال تايمز حول رحلة صيد لعدد من أمراء العائلة المالكة القطرية في صحراء العراق عام 2015.. تم أسرهم من قبل ميليشيا حزب الله العراقية بقيادة أبو مهدي المهندس، وتم شحنهم إلى طهران.. ظلت المفاوضات قائمة بين الدوحةوطهران للافراج عن أمراء الدوحة، إلى أن نفذت الدوحة طلبات طهران..التوسط لدى قيادات جيش النُصرة وداعش للافراج عن كافة أسرى إيران داخل سجون هذه التنظيمات.. قيام قطر بتسريب كافة المعلومات وخطط الجماعات المنتمية للسعودية والتي تحارب ضد بشار في سوريا وهم جيش الإسلام وأحرار الشام.. تسليم قطر كافة المعلومات والوثائق وخطط قوات الخليج الخاصة بالحرب ضد الحوثيين في اليمن، وأخيرًا دفع قطر فدية قيمتها مليار دولار، ذهب جزء منها لخزينة طهران والآخر إلى هذه التنظيمات الإرهابية، والمعلوم أن مصر قدمت مؤخرًا طلبا عاجلا لمجلس الأمن لبحث دفع قطر هذه الفدية لجماعات إرهابية في سورياوالعراق. السيناريو الأكثر احتمالًا للخروج من الأزمة سريعًا، أن تضحي العائلة المالكة بالطفل المدلل، وتستبدله بأمير جديد يتم التوافق عليه بين دول الخليج، وهنا يأتي دور الكويت التي لم تتخذ قرار المقاطعة بعد، ما يعني أن دول الخليج قد تركت منفذًا للتفاوض مع قطر عبر البوابة الكويتية. السيناريو الأقل احتمالًا، أن تقوم المملكة بدعم أحد فروع العائلة المالكة القطرية التي تعمل من الخارج مع تضيق الخناق في الداخل لإحداث إنقلاب ناعم علي الأسرة الحاكمة، ويمكن للمملكة أن تستخدم الهيئة الإسلامية القطرية في الداخل للقيام بدورها في هذا الإنقلاب، مع استمرار فرض الحظر البحري والجوي والبري، وتوسع جغرافية عدد الدول المقاطعة لقطر، وحشد المجتمع الدولي ضد إرهاب الدوحة. أما ما أُشيع حول إرسال باكستان 20 ألف جندي إلى الدوحة، فهو خبر ساذج بثه موقع روسيا اليوم. فالبرلمان الباكستاني صوت من قبل بالرفض على المطلب السعودي بإمداد قوات التحالف بطائرات عسكرية وسفن حربية وجنود باكستان للمشاركة في عمليات عاصفة الحزم ضد ميليشيا الحوثي في اليمن مارس 2015، رغم المساعدات السعودية التي تُقدم لباكستان منذ عقود مضت، وحجم العمالة الباكستانية الضخم في الداخل السعودي التي تجلب المليارات للخزينة الباكستانية، وكذا التعاون النووي المشترك بين البلدين. إذ أن باكستان تتقاسم مع إيران حدود طويلة مضطربة في منطقة تشهد تمردا انفصاليًا، ورغم امتلاك باكستان نحو 1.5 مليون جندي في الخدمة والاحتياطي فإن قوام الجيش منقسم على عدة جبهات ما بين الثلث المنتشر على الحدود الأفغانية، فيما يقف الجزء الأكبر من القوات المتبقية في وجه الهند النووية، بينما الباقون منخرطون في عمليات مكافحة الإرهاب داخليًا، وهي ذات الأسباب التي تدفع برفض باكستان إرسال جنودها إلى قطر. يتبقى لدينا اجتماع البيلدربيرغ والذي ربما يجعل من اجتهاداتنا السابقة في البحث عن أسباب الأزمة مجرد عناوين لا قيمة لها. عُقد الاجتماع السري فور انتهاء الرئيس الأمريكي من حضور القمة الأمريكية الإسلامية في الرياض، ثم قمة حلف شمال الأطلسي، فقمة مجموعة الدول الصناعية السبع. الاجتماع الذي رصده تييري ميسان، كان مناظرة بين التيار المعادي لتطرف الإسلام السياسي، أمام التيار الموالي والمحرك له. الحاضرون من جانب معاداة تطرف الإسلام السياسي: الجنرال ماكماستر (مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب) ومساعدته الخبيرة ناديا شادلو. ومن الجانب المؤيد للإسلام السياسي في الولاياتالمتحدة، فقد حضر جون برينان (الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية)، وعدد من موظفيه السابقين منهم آفريل هينس، وديفيد كوهن (المدير السابق لقسم تمويل الإرهاب بوزارة الخزانة الأمريكية) ومن الجانب البريطاني، حضر السير جون ساورس الرئيس السابق لجهاز المخابرات(ظهير جماعة الأخوان)، الجنرال نيكولاس هوتون (الرئيس السابق لهيئة الأركان الذي أعد خطة الاجتياح البري لسوريا عام 2012). ومن الجانب الفرنسي، الجنرال بنوا بوغا ( الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة لقصر الاليزيه، قائد القوات الخاصة في سوريا). وأخيرا من القطاع الخاص، هنري كرافيس، مدير صناديق استثمار ك.ك.آر، والمدير شبه الرسمي لصندوق تمويل داعش. انتهى الاجتماع بالتوافق بين ال 130 عضوًا على ضرورة القضاء تمامًا على التنظيمات الإرهابية، وقطع التمويلات عن جماعة الإخوان المسلمين. عرضت بريطانيا رؤية جديدة للشرق الأوسط يحافظ على تنظيمهم الدولى للإخوان، عبر إعادة صياغته بما سُمي بهلال الإسلام السياسي بديلًا عن الصراع السني الشيعي، يقضى بانخراط جماعة الإخوان مع الخمينيين في طهران، بحيث يمتد الهلال من طهران إلى الدوحة وحتى أنقرة وصولًا إلى إدلب السورية فبيروت حتى غزة. إذن لدينا قواعد لعبة جديدة غير واضحة المعالم حتى الآن، لكنها على الأقل تفك شفرة المشهد القطري اليوم، فكل نتائج الأزمة القطرية الخليجية حتى اللحظة تصب في صالح الرؤية البريطانية الجديدة. عمرو عمار - كاتب جيوسياسي