مع روح التغيير فى النظام العالمى الجديد التى بدأت تلوح فى الأفق وبخاصة خلال العام الماضى 2016 الذى شهد عودة قوية لنفوذ روسيا من جديد متزامنًا فى نفس الوقت مع وصول الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى الحكم ورؤاه التقدمية حول علاقة أمريكا بالعالم وأطروحاته الجريئة لنقد وهدم العلاقات الخارجية التقليدية مع محيطه الإقليمى والدولى وعلى رأسها علاقة أمريكا بأوربا من خلال تصريحاته بالعمل على تغييرها مراعاة لمصالح أمريكا مما أحدث خوفًا وقلقًا كبيرًا فى أوساط الغرب المتمثل فى الاتحاد الأوربى ومهددًا وحدة موقفه, فمن ترحيب ترامب بخروج إنجلترا من الاتحاد الأوربى ودعوته بالانفتاح على بريطانيا وخلق شراكات تجارية معها، ومن ترحيبه غير المعلن بانفراط عقد الاتحاد الأوربى، ومن التشكيك بحلف الناتو ومطالبته بالعمل على تغيير استراتيجيته ومطالبته الدول الأوربية بدفع نفقاتها المستحقة للحلف لضمان الدفاع عنها، ومن رفضه اتفاقات التجارة الحرة مع أوربا ومع جيرانه، والأهم هو تقاربه وتوافقه مع روسيا فى العديد من القضايا الدولية والإقليمية على عكس مرحلة أوباما والديمقراطيين التى شهدت توترا كبيرا، ناهيك عن اختلافه مع الغرب ومعظم بلدان العالم حول قضايا المناخ والتلوث البيئى، وعمله على إعادة بناء أمريكا وسط نعرات القومية والانعزالية وغيرها من القضايا الخلافية التى جعلت أوربا تشعر بتغير كبير فى علاقتها التقليدية مع أمريكا التى استمرت لعقود عندما بدأت أمريكا ترامب تغرد خارج النفوذ الغربى وتهدد بنشر روح التغيير داخل بلدان الاتحاد الأوربى وتهدد بانفراطه بل وتهدد الوجود الغربى كقوة سياسية واقتصادية والأهم تهديد وتغيير نموذجه المحافظ كقدوة لحقوق الإنسان والحرية والكرامة وسط تعرض أوربا لآثار ونسمات هذا التغيير من قبل الحركات القومية المتشددة المتمثلة فى زيادة شعبية الأحزاب اليمينية المتشددة والمحافظة الداعية للنعرات القومية والحفاظ على الهوية والعاملة على الانفصال عن الاتحاد الأوربى وعنصريتها ضد الهجرة والمهاجرين الناجم عن التخوف الأمنى وسط الإرهاب الذى يهدد العالم، ودليل ذلك هو قوة تلك الأحزاب القومية وتأثيرها على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة خلال هذا العام فى بلدان كفرنسا وألمانيا وهولندا والتى يمكن أن تحقق نجاحات واختراقات فى صفوف الأحزاب التقليدية عاملة على التغيير لتأتى متوائمة مع التوجهات الأمريكية والروسية داخل النظام العالمى الجديد، فروسيا المختلفة مع أوربا تسعى من جهة لخلق نظام عالمى جديد متعدد القوى تكون هى أحد أقطابه وهو ما اتضح فى معالجتها وتدخلاتها للأزمات الدولية مثل أوكرانيا وسوريا والشرق الأوسط مقابل أمريكا التى تسعى بقوة ترامب الآن للحفاظ على قوتها الاقتصادية والعسكرية وتفوقها بالعالم مما يجعل المنافسة مستمرة بين القطبين تكون الغلبة فيه ليس بالمواجهة العسكرية وإنما بتعاظم المصالح والقدرة على استخدام الاقتصاد كسلاح سياسى لإدارة القضايا والعلاقات الدولية لكسب الهيمنة والنفوذ على دول العالم بانطلاقها من متغيرات جديدة وفى نفس الوقت عمل القطبين الكبيرين على خلق تقارب فى الرؤى والمصالح لحل القضايا الدولية الأمر الذى يهدد الغرب المتمثل فى الاتحاد الأوربى ويجعله معزولا أمام هذا النظام الجديد ليعيد تقرير مصيره وحده وإعادة توازنه ووجوده كتكتل عسكرى واقتصادى وسياسى واجتماعى وسط احتمال تعرضه لروح التغيير وإعادة تشكيله من جديد متأثرا بمد وأفكار الأحزاب القومية النشطة داخله وبالتالى إمكانية ضمه وبشروط للنظام العالمى الجديد لكلا من أمريكاوروسيا الذى بدأ يؤثر على موازين العلاقات الدولية ويزلزل كياناتها.