برغم الإرهاصات التى تنبأت بحدوث تغييرات سياسية واقتصادية فى التكتلات والمنظومات الدولية مؤخرا ومنها صعود أحزاب يمينية ويسارية متطرفة فى البلدان الأوروبية وفكرة العودة نحو القوميات حفاظا على هويتها ورفض الهجرة والمهاجرين، جاءت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الآن لتقول كلمتها بعد فوز الرئيس دونالد ترامب بالمقعد الرئاسى ليؤكد وصوله وفقا لبرنامجه الانتخابى الداعى إلى حتمية التغيير والتمرد على كل الأوضاع داخل أمريكا بل وفى النظم السياسية والعلاقات الدولية القائمة والتى سبقها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وهو خروج أدى إلى حدوث زلزال مدوٍ فى بنيان الاتحاد الأوروبى مازال يهدد بانهياره ويشابه نفس الزلزال الذى أحدثه صدى نجاح ترامب على العالم الذى جاء مخالفا لكل الاستطلاعات والتكهنات فى أمريكا وأوروبا والكثير من دول العالم التى كانت متخوفة من وصوله بعد أن كانت متأكدة من نجاح مرشحة الديمقراطيين هيلارى. وينبع هذا الخوف الأوروبى والعالمى بسبب أطروحات دونالد ترامب المثيرة للجدل أثناء حملته الانتخابية والتى حملت روح التغيير على كل ما هو قائم فى أمريكا وعلاقتها بالعالم الخارجى وميله إلى الانعزالية لبناء أمريكا الجديدة أمام عودة الدب الروسى وبزوغ رياح التغيير فى أوروبا والميل نحو العودة إلى القوميات من جديد والتمرد على كل النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة، والدليل على ذلك هو التصريحات التى صدرت من الكثير من رؤساء ومؤسسات العالم بعد التأكد من نجاح ترامب، وعلى رأسها تصريحات المفوضية الأوروبية للاتحاد الأوروبى التى أبدت قلقها وحذرها من وصوله بسبب نيته فى خلق علاقات جديدة مع الاتحاد الأوروبى من شأنها أن تضر بمصالح الاتحاد ومنها تغيير اتفاق التبادل التجارى الحر لتعمل لصالح أمريكا مما دعا الاتحاد الأوروبى إلى دعوة الرئيس الجديد ترامب لزيارة الاتحاد الأوروبى المرتقبة خلال الأيام المقبلة، وكذلك قلق حلف الناتو من قيام ترامب بالتغيير الجوهرى فى بنوده وأهدافه لصالح أمريكا مما سيضر عسكريا واقتصاديا بدول الحلف، كما جاءت تصريحات الكثير من رؤساء الدول الكبرى بالعالم متخوفة من وصول ترامب لسدة الرئاسة ومنها التصريحات الفرنسية والألمانية والإيطالية التى خرجت متخوفة من روح التغيير المنتظرة داخل بلدانهم مع هذا الوصول غير المتوقع والذى سيصاحبه فى الربيع المقبل للعام 2017 انتخابات فرنسية وألمانية وسط تسجيل صعود فى شعبية الأحزاب اليمينية واليسارية المتطرفة وبزوغ أحزاب وليدة تقوم فكرتها على العودة إلى القوميات ورفض الآخر والعداء الشديد نحو الهجرة والمهاجرين ومناهضة ما يسمى بأسلمة أوروبا مما يشير بحتمية التغيير والتخلص من الأحزاب التقليدية والديمقراطية الأوروبية القائمة مما سيضر بروح وانفتاح أوربا الحالي، كما أن الأزمات المتفاقمة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط تنتظر نتائج وصول الرئيس الأمريكى الجديد ترامب لإمكانية قيامه بفك عقدها وشفراتها وخلخلة تكتلاتها والكشف عن أهدافها وعن الدول التى تقف وراءها وإيجاد الحلول بعد فشل الإدارة الأمريكية السابقة فى حلها لتورطها مما سيشهد تغييرا فى العلاقات الأمريكية مع تلك البلدان كالأزمة فى العراق وسوريا واليمن وليبيا، والقضية الفلسطينية وملف الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وعلاقة أمريكا الجديدة المرتقبة مع بلدان الخليج، وعلاقتها المرتقبة بمصر والمنتظر تفعيلها وتطويرها لإدراك ترامب منذ اجتماعه مع الرئيس السيسى فى نيويورك أهمية دور مصر بالمنطقة والعالم وإعجابه بدور السيسى فى مكافحة الإرهاب، وتخوف إيران من إلغاء ترامب للاتفاق النووى الذى تم إبرامه معها، وعلاقة أمريكا بتركيا وتخوف كندا والمكسيك من إلغاء اتفاق التجارة الحرة المبرم مع أمريكا، وتخوف الصين، وتخوف كلٍ من كوريا الجنوبية واليابان على مصالحهما الاقتصادية والعسكرية وما يدور فى بحر الصين التى يمكن أن تتأثر بعد استلام ترامب الحكم رسميا فى يناير القادم وغيرها من التغييرات المنتظرة فى العلاقات الداخلية والدولية التى ستشهدها الدول وبخاصة وسط التقارب الكبير المرتقب الذى يمكن أن يجمع بين كل من روسياوأمريكا مما يؤشر بدخول العالم مرحلة جديدة من التغيير وليصبح فى مفترق طرق سوف يسعى فيه الجميع لمواجهة تلك التغييرات والهزات التى ستكون صادمة من أجل حجز مكان لها فى الخريطة الجديدة التى ستتشكل لهذا العالم.