إسكان النواب: إخلاء سبيل المحبوس على ذمة مخالفة البناء حال تقديم طلب التصالح    بكام الفراخ البيضاء اليوم؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية السبت 4 مايو 2024    اليوم، تطبيق أسعار سيارات ميتسوبيشي الجديدة في مصر    شهداء وجرحى في قصف لطيران الاحتلال على مناطق متفرقة بقطاع غزة (فيديو)    5 أندية في 9 أشهر فقط، عمرو وردة موهبة أتلفها الهوى    احذروا ولا تخاطروا، الأرصاد تكشف عن 4 ظواهر جوية تضرب البلاد اليوم    تفاصيل التحقيقات مع 5 متهمين بواقعة قتل «طفل شبرا الخيمة»    الداخلية توجه رسالة للأجانب المقيمين في مصر.. ما هي؟    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    إغماء ريم أحمد فى عزاء والدتها بمسجد الحامدية الشاذلية    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    مصرع شاب في حادث اليم بطريق الربع دائري بالفيوم    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    تعثر أمام هوفنهايم.. لايبزيج يفرط في انتزاع المركز الثالث بالبوندسليجا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يموت أبناءنا في عرض البحر ؟!

لم يكن حادث رشيد عابرًا، لم يفاجئنا، ولم يصدمنا، كان حدثًا عاديًا، موت 165 شخصًا تم انتشال جثثهم حتي الآن، لم يعن لنا شيئًا، لقد أصبح الموت في عرض البحر عادة طبيعية بالنسبة لنا، هل تبلدت مشاعرنا؟ هل أصبحنا شعبًا يجيد فن التعامل مع الموت، أم أن لغة عدم الاكتراث أصبحت جزءًا من ثقافتنا؟!
في الرابعة من عصر الثلاثاء الماضي 20 سبتمبر، تسلل المئات إلي مركب كان يقف في عرض البحر، حشروهم حشرًا، شباب في عمر الزهور، نساء وأطفال، دفعوا كل ما في جعبتهم لسماسرة بلا ضمير، وذهبوا يبحثون عن حلم الهجرة والثروة ولقمة العيش النظيفة!!
ظلت السفينة تجوب بالقرب من الشاطئ لأكثر من ثماني ساعات، لم يقل أحد ماذا يحدث، لم يقدموا تفسيرًا مقنعًا، ظل الناس حياري، تتقاذفهم مياه البحر في ظلمة الليل الحزين، وفجأة في الثانية عشرة مساء كان هناك مركب آخر يقترب منهم، علي بعد 12 كيلو مترًا من الشاطئ!!
كانت الخطة تقضي بنقل المصريين من السفينة التي تقلهم، إلي هذه السفينة القادمة من مكان مجهول، والتي تقل علي متنها عشرات الأجانب الذين ينتمون لجنسيات أخري غير مصرية، كانت حمولة هذه السفينة كبيرة، لا تتسع لآخرين، لكن سماسرة الموت، أصروا علي نقل المهاجرين المصريين إلي متنها، دخل المصريون والأجانب في مشاجرات عنيفة في عرض البحر، استمرت المشادات والصراعات لفترة من الوقت، نجح المصريون في نهايتها في استقلال السفينة التي تقل الأجانب ليصبح عدد الأشخاص فيها نحو 250 شخصًا.
رفضوا الاستماع إلي تحذيرات الأجانب، أصروا رغم إدراكهم بخطورة ما يجري، لم يكن يفرق معهم الموت من الحياة، كانوا فقط تواقين إلي الحلم، بدأ المركب يبحر باتجاه إيطاليا، وفي الخامسة من فجر الأربعاء، مالت السفينة إلي أسفل، لم يصدق الركاب ما يحدث أمام أعينهم، تدفقت المياه بسرعة إلي جوف المركب سادت حالة من الصدمة والارتباك، لم يصدق الركاب ما يجري أمام أعينهم، ومع بدايات الغرق، ألقي الركاب بأنفسهم في عرض البحر، لم تكن هناك وسائل انقاذ كافية، ولم يكن هناك وقت للبحث عنها، في دقائق معدودة أصبحنا أمام مشهد الموت العظيم!!
ظل الناس يصرخون، بحثًا عن منقذ، لم تكن هناك فرصة للوداع الأخير، غاص الكثيرون منهم في قاع البحر منذ اللحظات الأولي، أسر بأكملها لفظت أنفاسها، وطويت صفحتها، الصرخات تدوي في عرض البحر، استغاثة تصل إلي حرس الحدود، تتحرك القوات لإنقاذ ما يمكن انقاذه.
«مركب رشيد» هذا هو الاسم الذي أطلق علي مركب الموت، رشيد المدينة الهادئة، التي تقع ما بين النهر والبحر، أصبحت محط أنظار العالم في ساعات قليلة، هنا أمام برج رشيد، كان الفصل الدرامي الأخير في المأساة يغلق صفحاته.
الجثث متناثرة في كل مكان، عد يا عداد، 10، 20، 50، 100، 165، نعم مائة وخمس وستون جثة حتي كتابة هذا المقال، وماذا يعني ال165 جثمانًا؟!
بعد ست وتسعين ساعة من وقوع الحادث، تحركت الحكومة، أدركت أن هناك بشرًا قد ماتوا، وأن هناك كارثة قد وقعت، وأن هناك مئات الأسر تحتشد أمام الشواطئ في انتظار أبنائها، أحياء أو أمواتًا، كل حلمهم الآن هو العثور علي الجثمان.
يقف محمد أبو عامر أمام الشاطئ، عينان زائغتان، وجسد متعب ينتحي جانبًا وسط الحشود، يهذي بكلمات حزينة، أولادي الأربعة ماتوا، جثثهم لم تخرج بعد، حد يطمني ياولاد!!
سيدة في منتصف العمر تهيم علي وجهها، تصرخ فينك يا أحمد، مستنياك يا ولدي، ولادك بيسألوا عليك، أوعي تسيبهم وتسيبني، ماليش غيرك في الدنيا!!
كثيرة تلك هي المآسي، التي دوت صرخات أصحابها في عنان السماء، ولكن لا مجيب، الرئيس خارج البلاد والحكومة لم تكلف نفسها إعلان الطوارئ لمواجهة الكارثة، لم تفكر في انتشال المركب الغارق بالقرب من الشواطئ للعثور علي عشرات الجثث التي لا تزال ترقد في قاع البحر.
بالأمس عقد الرئيس اجتماعًا هامًا بحضور رئيس الوزراء ووزير الداخلية ورئيس المخابرات العامة ورئيس الرقابة الإدارية، كان الرئيس غاضبًا، طالب الأجهزة المعنية بالملاحقة القانونية للمتسببين في الحادث، وجه بتشكيل لجنة عمل فورية لمواجهة الموقف بالنسبة لإجراءات الإحكام علي المنافذ والشواطئ، وسرعة الانتهاء من إقرار قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية.. وتفعيل إجراءات تسويق مبادرة تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للقضاء علي بطالة الشباب!!
الكلام جميل ورائع، ولكن المهم التنفيذ، دعونا نتحدث بصراحة فالفساد أصبح ثقافة في هذا البلد، والتسيب والإهمال أمرًا طبيعيًا، طالما ظلت القوانين قاصرة، والعقاب غير وارد للمقصرين والمتواطئين.
الحدث ليس جديدًا، هناك أحداث سابقة، وكوارث متعددة، وفي كل مرة كنا نصدر التعليمات، ونحذر، ونندد، ونتوعد، ولكن ما هي إلا أيام قليلة حتي ننسي كل شيء، ونطوي الصفحات ونعود من جديد في انتظار كارثة أخري!!
هؤلاء الذين تسببوا في موت الآلاف، ألا يستحقون الإعدام، ليكونوا عظة وعبرة، والله لو فعلناها مرة واحدة لانتهي الأمر إلي غير رجعة، ولكن المصيبة الكبري أن القانون لا يزال يوصف هذه الجريمة، بأنها جنحة، يعاقب مرتكبوها بالحبس لما لا يزيد علي ثلاث سنوات، يا بلاش!!
إن الأزمات في الوطن، تتفاقم، والفساد يتعاظم، والتواطؤ من قبل مسئولين في الجهات التنفيذية يتمادي، لا يوجد عقاب حقيقي للمذنبين في هذا البلد، لا أعرف لماذا التردد في الحسم؟! هل أصبح أهل الحكم محايدين، يكتفون فقط بنصوص قانونية بالية، دون الإقدام علي اتخاذ إجراءات من شأنها الردع والحسم، بحيث لا تتكرر الجريمة مرة أخري؟!
وهكذا الحال في كثير من الأوضاع التي تعيشها البلاد، والتي تؤدي في النهاية إلي التراجع والميوعة في تطبيق القانون، ومناصرة الحق، وحسم الأمور في بلد خارج لتوه من تجربة فوضوية، لا تزال آثارها باقية.
وإذا استمر الحال هكذا، فسوف يفقد الناس الأمل في تطبيق القانون بشكل حاسم يمكن السلطة التنفيذية من إعادة الانضباط إلي الشارع مرة أخري، حتي يشعر المواطن بالأمن والآمان، ويتوقف العبث بمصير البشر والأوطان!!
بقي القول أخيرًا، العقاب وحده لن يكون رادعًا، ما لم نزرع الأمل في النفوس، ونعطي الشباب إحساسًا بأن القادم أفضل، ونبحث سويًا عن وسيلة لإطعام الأفواه الجائعة، دون انتظار لثمرة مشروعات لن تأتي نتائجها سريعًا.
من هنا تكون البداية، العدالة في الحسم وتطبيق القانون، وزرع الأمل مجددًا في النفوس!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.