أكاذيب «أردوغان» و«الإخوان» حقيقة الدور الأمريكي في انقاذ النظام التركي من السقوط لماذا استسلم رجال الجيش للإهانة والإذلال من ميليشيات أردوغان؟ كان المشهد صادمًا، ربما لم نشهد له مثيلاً منذ فترة طويلة، مواطنون، ورجال شرطة مسلحون، يمارسون الإذلال علي جنود وضباط ينتمون إلي الجيش التركي، بل وصل بهم الأمر إلي ذبح أحد هؤلاء الجنود بالسكين في مشهد علني بالضبط كما يفعل تنظيم داعش الإرهابي. إن الغريب في الأمر، هو هذه الاستكانة غير الطبيعية، لرجال الجيش التركي، الذين طلب منهم خلع ملابسهم فخلعوها، وطلب منهم رفع أيديهم وترك أسلحتهم ففعلوها، ثم طلبوا منهم الانبطاح أرضًا أمام جمع من الناس فلم يترددوا، ثم انهالوا عليهم بالسياط والركلات بالأقدام والأحذية ولم يستطع أحد منهم أن يدافع عن كرامته وشرفه العسكري وعندما زجوا بهم إلي زنازين صغيرة حشروهم فيها فتلاصقت أجسادهم، لم يملكوا إلا أن يدفنوا رؤوسهم، مستسلمين صاغرين. إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم يقاوموا؟ لماذا لم يدافعوا عن كرامتهم؟ لماذا استسلموا بهذه الطريقة؟ ولماذا انهار الجيش بعد أقل من ساعة من إعلانه رسميًا بأنه سيطر علي البلاد، والقي القبض علي رئيس الأركان الداعم لأردوغان، وأحكم الحصار علي المطارات، ونشر قواته في الشوارع والمواقع الرئيسية، وفرض حظر التجول؟ إن الإجابة الوحيدة، أن هناك تعليمات صدرت، بالانسحاب والاستسلام، وعدم اطلاق الرصاص أو التصدي للمتظاهرين، الذين زحفوا فجأة إلي ميدان تقسيم، بعد إذاعة خطاب أردوغان، الذي كان منذ قليل يبحث لنفسه عن موطئ قدم، أو دولة تقبل باستضافته ولجوئه إليها، خاصة بعد أن رفضت ألمانيا ودول أخري عديدة استقباله. لقد ترددت معلومات عديدة، بأن ما جري لم يكن إلا سيناريو متفقًا عليه مع بعض القيادات وهو ما أكده فتح الله جولن، وأن أردوغان كان في حاجة إلي هذا الانقلاب «الوهمي» لانحسار شعبيته وسعيه إلي الاستئثار بالسلطة وتعديل الدستور، وتصفية خصومه في الجيش والقضاء، وهو ما تحقق علي الفور بعد إعلان فشل الانقلاب حيث صدرت قائمة بنحو 2745 قاضيًا من بينهم 5 من أعضاء المجلس الأعلي للقضاء صدر قرار بعزلهم بعد ساعات قليلة من فشل «مسرحية» الانقلاب كما يقول البعض، مما يدلل علي أن القائمة كانت جاهزة وأردوغان كان ينتظر فقط الفرصة المواتية والتي جاءت إليه، أو كان صانعها الأساسي، وهو بالضبط نفس السيناريو الذي جري تنفيذه داخل الجيش، الذي ظل يمثل صداعًا دائمًا ومستمرًا لحكم أردوغان، حيث بدأت عمليات تصفية واسعة للقادة والضباط المناوئين، وبذلك تمكن أردوغان أن يحقق هدفه ومخططه دون أن يعارضه أحد، ولو كان قد حدث ذلك في ظروف طبيعية لقامت الدنيا ولم تقعد. ويري أصحاب هذا الاعتقاد أن «مسرحية» الانقلاب قد جاءت بنتائجها، وحققت مراميها، ومكنت أردوغان من التأسيس لتركيا الجديدة كما قال في أحد خطاباته بعد عودته إلي «اسطنبول». وهناك السيناريو الثاني الذي يقول أصحابه: إن القادة العسكريين الجدد ارتكبوا خطأ كبيرًا عندما قرروا سحب القوات التركية من العراق وإغلاق قاعدة «انجرليك» الأمريكية، وفي هذا الوقت قيل إن الولاياتالمتحدة بدأت تدرك خطورة النظام الجديد، فانقلب موقفها من التحفظ إلي إعلان تأييد ما اسمته بالحكومة الديمقراطية المنتخبة، وراحت تدعم حكم «أردوغان» وتطلب من الدول الأخري ضرورة دعمه، وفتحت أبواب القاعدة الأمريكية في تركيا لطائرة أردوغان الحائرة في سماء تركيا، ومن هناك انطلقت طائرات أف 16 الأمريكية لتضرب المروحيات التركية التي كانت تقل الضباط والجنود الذين كان يتم نقلهم للسيطرة علي بعض المواقع الرئيسية، وقيل أيضًا إن هناك العشرات من المروحيات تم إسقاطها. وأمام حالة الارتباك الشديد التي سادت قادة الانقلاب الجدد والتدخل الأمريكي السافر إلي جانب أردوغان، والتهديدات التي تلقاها قادة الانقلاب بسحقهم جميعًا، لم يكن هناك من خيار سوي الطلب من القادة والجنود الانسحاب من الشوارع حفاظًا علي الجيش التركي الذي يمكن أن يتعرض لمخاطر كبري، خاصة أن هناك قادة كبارًا من الجيش رفضوا الانخراط في هذا الانقلاب وأعلنوا دعمهم لأردوغان، الأمر الذي يمكن أن يهدد بحرب أهلية في البلاد ويتفكك الجيش التركي من الأساس. ومن هنا يمكن فهم حالة الاستسلام المهين التي ظهر عليها الجيش التركي، الذي يبدو أنه في كلتا الحالتين تلقي أوامر صريحة بالتوقف عن زحفه للسيطرة علي المراكز الحيوية والانسحاب من الشوارع إلي الثكنات العسكرية. إن ما حدث في تركيا سيبقي غامضًا لفترة من الوقت بين مسرحة الحدث من البداية إلي النهاية وبين التدخل الأمريكي الإسرائيلي المباشر الذي دفع قادة الانقلاب إلي إنهاء سيطرتهم علي السلطة للحيلولة دون تفكك الجيش واندلاع الحرب الأهلية في البلاد. غير أن مشهد إهانة رجال الجيش ومرمطتهم في الشورع ستبقي له تداعياته الخطيرة، وسيبقي خالدًا في الذاكرة، خاصة إذا عرفنا أن من قام بذلك هم أعضاء حزب العدالة والتنمية «حزب أردوغان» ورجال شرطته وقواته الخاصة، الذين هم أقرب إلي ميليشيات الحزب. لن ينسي قادة الجيش وضباطه وجنوده هذا المشهد الذي مثل إهانة لشرفهم جميعًا، سواء كانوا مؤيدين للانقلاب أو رافضين له، ولذلك فإن هذا الجيش في الوقت القريب أو البعيد سوف يثأر لكرامته، ويسترد شرفه، ويؤدب من حرضوا علي إهانته. إن الذين يظنون أن أردوغان قد انتصر واهمون، فالمعركة لم تنته بعد، وغباء «الإخواني» أردوغان سيقوده إلي مزيد من المشاكل والأزمات، أبواب الصراع باتت مفتوحة علي آخرها، والتوقعات باتت بلا سقف محدد، ومصير العثمانلي الجديد بات في مهب الريح.