هناك عدة أسئلة تريد أن تطرح نفسها بقوة، وتفرض وجودها بشراسة، وهى: كيف عاش محمد حسنين هيكل حياته الموسوعية، صحفيًا، وسياسيًا، طيلة حياته؟ كيف كانت تجربته الصحفية، قبل دخوله صحيفة الأهرام سنة 1957؟ ما هى أهم ملامح تجربته فى صحيفة الأهرام؟ كيف كان يتصور (تنظيم الصحافة) فى عهد جمال عبد الناصر؟ ما هو دور المعلومات الحقيقى فى صعود نجم هيكل؟ هل كان محمد حسنين هيكل مؤرخًا للعهد الناصري؟ ما هى طبيعة علاقته بالعهد الناصري؟ ما هى المراحل التى مرت بها علاقته مع العهد الساداتى؟ أين يتجه الفكر السياسى عند هيكل؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ثقيلة، وكثيرة، ومعقدة، وبعضها يحتمل الصواب والخطأ، ولكن الإجابة عنها جميعها، نابعة من حقائق تاريخية، عاشها هيكل بجميع تجاربها الحلوة، والمرة. لقد ساهمت صحف (آخر ساعة)، و(أخبار اليوم)، و(الإجبشيان جازيت) فى تحقيق جانب كبير ومصيرى، من النجاح الكبير للصحفى الصغير، والتى بدورها جعلت هيكل يقترب من القيادة السياسية، والسلطة العليا، ورجال صنع القرار. فضلًا عن الجريدة العملاقة، (الأهرام) التى كانت أيضا السبب الثانى لوصول العملاق هيكل، لقمة النجاح المهني. ولكن إحقاقًا للحق، وإنصافا للتاريخ، فقد أضاف هيكل للأهرام الكثير والكثير، كما أخذ منها وعنها الكثير. ولا يجب أن ننكر أو ننسى أو نتناسى أن الأستاذ الكبير كان له دور كبير فى رفض ملكية الصحف، والمجلات، والإعلام بشتى أنواعه، مقروءًا ومسموعًا ومرئيًا، للدولة، أو للحزب السياسى الحاكم، ولكن كان دائما يؤكد أهمية (الملكية التعاونية للصحف)، بالإضافة إلى معلوماته الكثيرة، الغزيرة، الوفيرة، التى كانت سلاحًا فتاكًا، وحائطًا قويًا، وحصنًا منيعًا، وصدًا صلبًا، فتعتبر المعلومات، السلاح الأساسى الذى أوصل هيكل إلى قمة العمل السياسى، وجعلته مقربًا لصناع القرار، فأعطى معلوماته للقيادة العليا، والتى بدورها سرعان ما فتحت له بعد مدة أسرار الدولة على مصراعيها. بالإضافة إلى اعتبار هيكل أنه مؤرخ للعهد الناصرى، فكانت علاقته بالعهد الناصرى، علاقة شخصية بينه وبين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ورغم ذلك دخل هيكل فى صراعات كبيرة، ونزاعات شديدة، مع عدد من أجهزة الدولة، وكذلك التنظيم السياسى الحاكم فى مصر، رغم أن الفكر السياسى يتجه عند الموسوعة هيكل، نحو الاعتدال والوسط، ويرفض اليسار المغامر، واليمين المحافظ فى وقت واحد. إن المنهجية التى انتهجها هيكل، هى المنهجية البيوغرافية، وتعنى: Larousse Encyclopedique Tome2 (تاريخ شخصية معينة تتبع أهم آثار حياتها). واليوم تستخدم جميع البحوث المعاصرة، مناهج عدة للإحاطة بشخصية مدروسة مثل الأستاذ. ويجب أن نلاحظ اننى هنا فى هذه السلسلة من مقالات (هيكل الأسطورة بين الصحافة والسياسة) أن هذه السلسة، ليست عملا تاريخيا، أو سلسلة تاريخية لشخص، أو لفترة محددة بعينها، أو مساحة زمنية بأحداثها، ولكنها مقالات أحاول أن أكشف من خلالها بعض الحقائق، من أجل إزالة بعض المساحات الضبابية، وتسليط الضوء على بعض القضايا المحددة، والتى تتعلق بالحياة الصحفية، وترتبط بالحياة السياسية، للأستاذ الموسوعى، الكاتب الصحفى، والمؤرخ السياسى، والمفكر النبغة، محمد حسنين هيكل. ونظرًا لتشعب الموضوعات، بتنوعها، وتغيرها، وتعددها، وتعقيداتها، فإننى اهتديت إلى أهمية تعدد المناهج، وضرورة استخدام أساليب متعددة، فوظفت مناهج المقاربة الوثائقية، ووظفت أيضا منهج تحليل المضمون، والمنهج التاريخى، فى إطار المنهجية البيوغرافية التى تحدثت عنها آنفا. لقد أتت بل انطلقت فكرة كتابة سلسلة من المقالات، تحت عنوان: هيكل الأسطورة بين الصحافة والسياسة، للبحث، والتمحيص، والتدقيق، والدراسة، فى حياة هذا الجهبز، محمد حسنين هيكل، على المستوى الصحفى والسياسى، من ملاحظاتى الأولية، التى رصدتها فى مكتبة هيكل الغنية، الثرية، العتية، الثمينة، العتيدة، فكنت دائم التركيز فيما يكتبه هيكل، وكنت دائم القراءة لما تنشره أكبر وأهم الصحف العربية، والعالمية، وأشهر المؤسسات الإعلامية، من كتب فى حلقات مسلسلة، وأهم المقالات، والحوارات، وكذلك كنت دائم القراءة لما يكتبه كبار الكتاب، والصحفيين، والإعلاميين. علما بترحيب المكتبات العربية، والمكتبات الدولية بكل ما يكتبه هذا الصحفى، مما أدى إلى المساهمة فى الانتشار الواسع، فتطورت فكرة سلسلة المقالات الخاصة بهيكل، وتراكمت المعلومات شيئًا فشيئًا، وفى كل مقالة من هذه السلسلة، تتم إزالة كثير من الغموض. وتقدمت تساؤلات جديدة، متعددة، ولكنها أكثر وضوحًا، وأبلغ دقة، لتحل محل تساؤلات قد سبق عرضها، وطرحها، مما أدى إلى ظهور وإسهام عوامل جديدة، وجدية، وجديرة بالتدقيق فى اتجاهات هذه السلسلة، وطرح بعض النقاط للمناقشات الجماعية، الطويلة، مع كثير من الأصدقاء، والزملاء، من الدبلوماسيين، والسفراء، والباحثين، والصحفيين، والكتاب، والإعلاميين، فطرحت النقاش لموضوعات تخص هيكل، كانت تثير الجميع، وتدفعهم إلى النقاش، والحديث عن هذا الرجل بحماس ونهم شديدين. المتحدث الرسمى باسم النادى الدبلوماسى الدولى Diplomatic Counselor Sameh Almashad