قرر المجلس الأعلي للصحافة إعلان الحرب علي مجلس النواب المصري، هدد وتوعد، شكك في مشروعية أية قوانين يصدرها المجلس ولا ترضيه، بل وصل به الحال إلي اتهام المجلس بإصدار قوانين غير دستورية، وطلب من الرئيس عبدالفتاح السيسي ضرورة التصدي لمشروع القانون المقدم من 324 نائبًا بتعديل المادة (68) من القانون 96 لسنة 1969 والقاضي بإعادة تشكيل المجلس الأعلي للصحافة. لم أصدق بيان المجلس الذي أصدره بعد جلسة عاصفة استمرت حتي فجر اليوم التالي، لقد استخدم كل عبارات الطعن والتشكيك والإثارة والتحريض، حتي بدا الأمر وكأن هناك «كنزًا» سينتزع منهم، فقرروا القتال حتي اللحظة الأخيرة، وفي ذلك حاولوا العبث حتي بالمادة 224 من الدستور، فراحوا يفسرونها تفسيرًا خاطئًا، لحسابهم الخاص، ولحساب بقائهم بكامل صلاحياتهم التي اندثرت وتلاشت في الثالث من يناير الماضي. صحيح أن بعض السادة أعضاء المجلس الذين صدعوا رؤوسنا بالشعارات عن الحق والعدل واحترام القانون، قد كشفوا عن وجوههم في أول اختبار عملي، وراحوا يسوقون بضاعتهم وادعاءاتهم وتفسيراتهم غير الصحيحة، ظنًا منهم أنها ستنطلي علي أحد، لكنهم فوجئوا بردود الأفعال الغاضبة داخل الجماعة الصحفية التي صبت جام غضبها علي هؤلاء الذين شاركوا ولا يزالون في انهيار الأوضاع داخل المؤسسات الصحفية القومية. لقد صوروا أعضاء البرلمان الموقعين علي مشروع القانون المقدم مني علي أنهم معادون لحرية الصحافة، متجاوزون للدستور، مستعجلون في الحسم، غير أنهم تناسوا أو أغمضوا عيونهم عن أن مهمة البرلمان هي التشريع، وأن له وحده الحق في ذلك، وأنه يلتزم في كل المشاريع المقدمة باحترام الدستور والقانون وإرادة الشعب المصري العظيم الذي حملهم إلي ساحة التشريع والرقابة. لقد ساق أعضاء المجلس الأعلي للصحافة وبعض الداعمين لهم حملة من التشكيك استهدفت مشروع القانون والنواب والحكومة بطريقة الهدف منها هو تهيئة الأجواء لحملة أشد، ربما تصل إلي اللجوء للمنظمات الدولية باعتبار أن حرية الصحافة في مصر تتعرض للقهر والقمع، كما أن السادة أعضاء المجلس الأعلي للصحافة باتوا مستهدفين في مصالحهم واشخاصهم والمميزات التي يحصلون عليها من بقائهم جاثمين علي أنفاس المجلس، حتي باتوا وكأنهم أول الداعمين لتأجيل إصدار قانون تنظيم الإعلام والصحافة الموحد، الذي شاركوا في إعداده علي مدي عدة سنوات، بح بها صوتنا، وكانوا دومًا يتساءلون بدهشة غريبة: هي الحكومة مستعجلة ليه؟ انتظروا، وانتظرنا، حتي غابت الشمس وفوجئوا بأن رؤساء مجالس إدارات تحرير الصحف سوف تنتهي مدتهم في 3 يناير 2016، فقالوا: وإيه يعني، دعونا نكلفهم لحين صدور القانون إياه. ساعتها ثار الصحفيون، وتساءلوا: كيف يحدث ذلك؟ أين الدولة؟ وأين المجلس الأعلي؟ ألم يكن يعلم؟ بالقطع كان يعلم ويعلم ويعلم، ولكنه «طنش» ونجح بالاتفاق مع نقيب الصحفيين وبعض أعوانه في تأجيل مشروع القانون حتي تنتهي المدة القانونية لرؤساء مجالس الإدارات ثم رؤساء التحرير، وكل هذا الوقت لصالحه ولصالح استمراره. تعرف جموع الصحفيين جيدًا، أن ما أطلق عليه لجنة الخمسين تلكأت كثيرًا، واستهلكت من الوقت كثيرًا، اجتمعت وانفضت، واجتمعت وتلاشت وقس علي ذلك، وظلوا علي هذا المنوال، بل حتي عندما دعا وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند ممثلين عن لجنة الخمسين ومعهم عدد من رؤساء التحرير وكبار الصحفيين، كان رأي نقيب الصحفيين الذي جاهر به أمام الجميع، لا نريد أحدًا سوي أعضاء اللجنة، وعندما قيل لهم اسمعوا الآخرين، قالوا أبدًا وصمم النقيب ومعه أمين عام المجلس الأعلي للصحافة علي وجهة النظر تلك، وتمكنوا من استبعاد كل من لا يدور في فلكهم. في هذا الوقت كان المستشار الزند يبذل قصاري جهده للانتهاء سريعًا من المشروع في صورته النهائية وكان ذلك في شهر مارس الماضي، لكنهم ظلوا يؤجلون ويعيدون صياغة بعض المواد، ولم يتم الانتهاء منها إلا منذ أسابيع قليلة، حتي عرض الأمر علي الحكومة، فقامت الحكومة علي الفور بالموافقة علي المشروع كما هو وإرساله إلي مجلس الدولة ليعرض علي البرلمان. وأتذكر أنني التقيت المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق علي هامش زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لدار المركبات بالقوات المسلحة في 7 يونيو 2015، وقال لي: اكتب علي لساني «إذا لم تقدم لجنة الخميس قانون الإعلام الموحد، سأضطر أن أصدر القانون الجاهز والذي أعده عدد من كبار الصحفيين والإعلاميين الأسبوع القادم» وعندما نشرت هذا الكلام، قامت الدنيا ولم تقعد وبدأ أعضاء من المجلس الأعلي والنقابة يهددون ويحذرون الحكومة من أنها تتجاهلهم وتريد طبخ القانون لأنها حكومة تريد أن تسيطر علي الصحافة وتقوم بتأميمها، وقس علي ذلك، ساعتها لم يصدر المهندس إبراهيم محلب القانون وقال لي عندما سألته فلننتظر، أنت موش شايف عاملين إيه، وانتظرنا بعد طول انتظار ومرت الأيام والشهور، ثم تقدموا بمشروع، ثم عدلوه، ثم جلسوا في حوارات طويلة مع رئيس الوزراء انتهت بجلسات متعددة مع وزير التخطيط ثم تم تقديم المشروع إلي الحكومة التي بادرت علي الفور بإرساله كما هو إلي مجلس الدولة. وقد ثار جدل كبير حول عدم دستورية هذا القانون لأنه يخالف المواد 211، 212، 213 من الدستور ورفضوا تشكيل الهيئات الثلاث المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، لأنه يتوجب أخذ رأيهم في القانون كما تقول مواد الدستورية الثلاث، غير أنهم صمموا علي وجهة نظرهم، فقلنا فلتفصل الهيئة الوطنية للصحافة عن الهيئتين الأخريين حتي نستطيع انجاز المهمة سريعًا لأننا نعيش وضعًا صحفيًا استثنائيًا إلا أنهم اتهمونا بأننا نتجاهل رؤيتهم الصائبة ونعمل علي تفتيت المجالس الثلاث وإصدار قوانين متعددة، وهذا لا يصح. كان الهدف هو التأجيل، ومن أجل التأجيل كان التحايل والتسويف، حتي انتهي الأمر بعد طول رجاء وإلحاح بتقديم القانون الذي قدمته الحكومة كما هو، حتي لا تعطل الأمر فيلجأون إلي التلكيك مرة أخري، حتي يبقي المجلس الأعلي ثابتًا في مكانه.. في انتظار صدور القانون الذي لن يصدر قريبًا لاعتبارات متعلقة بمجلس الدولة وبدوره في البرلمان، خاصة أن القانون يتضمن 272 مادة، لن تستغرق مناقشته أقل من شهرين أو ثلاثة. لقد جاء إلي عدد من زملائنا ممثلي رابطة أعضاء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية وأعضاء الجمعية العمومية ومنهم الزميل علي حسن والزميل عبدالمحسن سلامة يشتكون من خطورة حالة الفراغ التي تعيشها المؤسسات الصحفية، واقترح الزميل عبدالمحسن سلامة تعديل المادة 68 والتي تتضمن تشكيل المجلس الأعلي الذي لم يعد من صلاحيته تغيير أو تعيين أي من رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف والمطبوعات القومية، وبالفعل بادرت بالتعديل ووقع علي هذا التعديل 324 نائبًا وكان طبيعيًا أن يقدم مشروع القانون إلي الأمين العام لمجلس النواب الذي قدمه بدوره إلي رئيس المجلس والذي أحاله إلي لجنة الإعلام والثقافة والتي نظرته بعد يومين ووافقت علي هذه المادة وتم رفع الأمر إلي هيئة مكتب المجلس المنوط بها تحديد موعد المناقشة. فجأة اجتمع المجلس الأعلي للصحافة بعد طول سبات، وراح يهدد ويتوعد غير عابئ بمصالح المؤسسات الصحفية القومية التي تعرضت ولا تزال لأزمات عديدة. وكان الأهم في بيان المجلس الأعلي أنه راح يدعي أنه لا يزال يمارس صلاحيته في التعيين والاستمرار، وبعد أن أدرك أنها «واسعة» راح أمينه العام يقول إننا كلفنا ولم نعين، لأن من يملك الحق في التعيين يملك الحق في التغيير. والغريب أن يلجأ أحد أعضاء هذا المجلس إلي الادعاء بأن المادة 224 من الدستور تعطي المجلس الحق في ممارسة صلاحياته، رغم أنه يعرف أن المجلس الحالي استنفد سلطته وخرج عن إطار النص الذي يحميه الدستور، كما أن القول بغير ذلك يعني أنه يعلي من قانون مخالف لأحكام الدستور علي نصوص الدستور ذاته، بحجة أن هذا القانون صار معمولاً به ولم يتم تعديله، إضافة إلي أن أي مبدأ لابد من مناقشته علي مقتضي تدرج القواعد القانونية وبذلك يغلب النص الدستوري ويهمل القانون العادي المخالف. وينسي هذا العضو أن المادة 224 هي مادة استثنائية التطبيق والاستثناء لا يتوسع فيه ولا يقاس عليه، وأن هذه المادة جاءت بغرض محدد وهو تلافي أي مشاكل أو أزمات قانونية فيما يتعلق ببعض القوانين كقانون الانتخاب مثلاً. ويتجاهل هذا العضو المحترم أن القانون الحالي للرياضة رقم 77 لسنة 75 غير مطابق للمعايير الدولية كما تنص المادة 84 من الدستور ومع ذلك جري إصدار قرار داخلي بوقف جميع الانتخابات ومد مدة مجالس إدارات الأندية لحين صدور قانون جديد. القضية ياسادة أن هناك من يريد التحايل بغرض الاستمرار متجاهلين في ذلك حديثهم الدائم والمستمر عن ضرورات التمسك بالقانون واحترام الجماعة الصحفية، والأغرب من ذلك أنهم يصورون ما جري علي أنه اعتداء علي حرية الصحافة واستقلالها ويمارسون الإرهاب علي البرلمان حتي لا يجرؤ علي إصدار القانون، مستخدمين في ذلك حججًا واهية وادعاءات غير صحيحة، وتهديدات غير منطقية. وأمام كل ذلك لم يبق سوي سؤال واحد ووحيد: أين أنت يا حُمرة الخجل؟!