كثيراً ما نعتقد أن جميع أصحاب السلوكيات المتناقضة مصابون بالشيزوفرينيا بينما أغلبهم يتصرفون هكذا بمحض إرادة حربائية تتبع بوصلة مصالحهم، وبالأخص محترفي السياسة والإعلام ممن استسهلوا مزاولة فن الممكن لعجزهم على ترويض المستحيل، فتدفعهم براجماتيتهم إلى الفعل وعكسه بمنتهى الاقتناع، وتبريركليهما بمنتهى التبجح!! فمَن توخوا الصمت- حتى الأمس القريب- على انتهاك الحرمات، وفضح الخصوصيات، وتهديد )فتاة المول( بأشر ما هو آت من قِبَل زامرة الحي التي طالما أطربت البسطاء بصخيب نشازها هم أنفسهم الذين اشهروا سيوفهم في وجه من عرَّض بسمعة «خالد يوسف» وأذاع )على مسئوليته( اتهامات شائنة بحقه.. مَن رفضوا مجرد ذِكر اسم المذيعة )وش الخير( احتراماً للعيش والملح والزمالة هم الذين باعوا ابن كارهم في لحظة.. مَن يناشدون الجماهير أن يتزينوا بالفضيلة وحسن الخلق هم الذين يتراشقون بأحط الألفاظ، ويتوعدون بعضهم البعض بالنكش في الدفاتر القديمة والإقصاء من حلبة الإعلام.. من يطالبون بتشديد الرقابة على الفن ويهللون لتعيين مخبرين مهمتهم ضبط المتلبسين بالخلاعة على أساس معايير مطاطة بحسب درجة النجومية والحالة المزاجية هم الذين يمارسون الوقاحة علانية باعتبارها حرية يحتكرون رخصتها. لا بأس أن يكون الضحية مواطن عادي فما أرخص هذا النوع من الذبائح، أما أن يتعلق الأمر بأحد المشاهير ولا سيما لو كان نائباً في البرلمان فهي مسألة تطير فيها رقاب.. وعلى الجانب الآخر لو كان المذيع )ابن البلد( بلا ظهر أو سند لانضرب على بطنه وعينه ولسانه عقاباً على فعلته، فالموازين مُعَطلة وتغييرها هو الحل فلن يُجدي معها أي إصلاح. كل هذا والرئيس يشاهد لكن ليس كما نشاهد نحن، والمؤكد أنه يعلم ما لا نعلمه، لذا بدا مبكراً كمن فقد الأمل نهائياً في فاعلية معظم مكونات التركيبة الحالية للإعلام إدراكاً منه بانتهاء تاريخ صلاحيتها، وعجزها عن تحسين أدائها في المستقبل، بعد أن فشلت- عن جهل أو عناد- في ترجمة أي نصيحة أو عتاب إلى تطوير ملموس في التعاطي مع كافة القضايا.. ولأن السيسي يعي خطورة الإعلام ويحتاجه في اللعب بنزاهة والتزام وحرفنة تتطلب جرأة وطموح ولياقة يفتقر إليها القدامى، فقد راح مبكراً أيضاً ينتقي من بين شباب الإعلاميين مجموعة جديدة ليتمم بها عملية إحلال لا مفر منها في إجراء أشبه باستخراج بدل تالف.. وهو ما تجلى بوضوح في زيارة الرئيس الأخيرة للفيوم عندما انفرد بالإعلاميين الشبان في جلسة مغلقة لم يُدعَ إليها حتى رؤساء تحرير الصحف القومية ولا رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون مما يبرهن على كفره بالمجموعة الحالية، التي استشاطت من الموقف بينما السيسي يمضي في التصحيح بلا حرج.. خطوة عملية وذكية على طريق إصلاح المنظومة المتهدمة، وإنما ينقصها تطعيم الفريق الناشئ بمخضرمين مخلصين لا غنى عن خبرتهم وحكمتهم لضمان تحقيق الفوز سواء على ملعبنا أو ملعب الخصم. [email protected]