قبيل أن أمضي إلي هناك، ذهبت إلي حلوان، قررت أن أبدأ منها حملتي الانتخابية، حلوان ليست من المناطق التي تستهدفها قائمة الصعيد، لكنها في العقل والقلب دائمًا، من هنا كانت البداية عام 95، ومن هنا يجب أن انطلق في مسيرتي الانتخابية الجديدة لعام 2015. التقينا في المقر الذي مازلت أحتفظ به في قلب حلوان، وكيف يمكن أن أغلق أبوابه، وهو متنفسي وسط هؤلاء الشرفاء؟ نعم لا يمكن أن اترك حلوان، حتي ولو تغير الموطن الانتخابي، هؤلاء أهلي، وناسي، وسأبقي معهم، مدافعًا عنهم ما حييت. في هذا اليوم كان الحماس كبيرًا، كثيرون تطوعوا للسفر إلي بلدانهم في قلب الصعيد والدعوة لقائمة 'في حب مصر' التي انضويت تحت رايتها، شكلوا غرفة عمليات لمتابعة قائمتي الصعيد وأيضًا القاهرة ووسط الدلتا. مضيت إلي بدلتي في جوف الصعيد، ، هنا 'المعنا' التاريخ والجغرافيا، لم تنقطع صلتي بها أبدًا منذ غادرتها للإقامة في القاهرة عام 81، لا يكاد يمر شهر إلاّ وذهبت إليها، إنها الرئة التي أتنفس بها، أعرف شوارعها ودروبها، أهلها وشبابها، أحلم بها دومًا، وأتمني اليوم الذي أقيم فيها بلا رجعة. منذ أن نزلنا من الطائرة في مطار الأقصر، كانت وجهتنا الأولي إلي الساحة الرضوانية بالمدينة، حيث استقبلنا الشيخ زين العابدين رضوان، وحوله جمع غفير من البشر، وجوه طيبة وقلوب عامرة بالإيمان، كان أخي وزميلي حمدي عمر في الانتظار، تحدث فينا الشيخ زين العابدين عن حب الأوطان، وعقيدة الإيمان. من الأقصر اتجهنا إلي قنا، تحمل اللواء سيف اليزل مشقة السفر، وصمم علي أن يذهب للمشاركة جنبًا إلي جنب مع وزير الإعلام الأسبق أسامة هيكل واللواء سعد الجمال مدير أمن قنا الأسبق، والسيد محمود الشريف نقيب الأشراف، وجبالي المراغي رئيس اتحاد عمال مصر ود.آمنة نصير الأستاذ بجامعة الأزهر ومحمد وهب الله أمين عام اتحاد عمال مصر ووفد الاتحاد المكون من جمال العقبي ومايسة عطوة، ومرشحات أخريات: غادة عجمي، وزينب علي سالم، وسولاف درويش وغيرهن، مرشحون جاءوا من الأقصروأسوانوالبحر الأحمر وسوهاج، كان الحشد عظيمًا، وكان، مستوي الحضور عاليًا. عندما تحدث مرشحو قنا: أشرف رشاد وسحر صدقي وماجد طوبيا، تحدثوا من القلب عن الحاضر والمستقبل، تعانقت الكلمات والمشاعر الجياشة لترسم أمام الحاضرين صورة التفاؤل الذي يجسد الحالة الراهنة. قبل أن يبدأ الاجتماع كان السرادق قد احتشد بالآلاف المكدسة، أكثر من خمسة عشر ألفًا من المواطنين جاءوا من كل حدب وصوب، رجالاً ونساء، شبابًا وشيوخًا. أتأمل المشهد، شباب المعني، يستقبلون ضيوفهم، نظام ودقة، إحساس بالمسئولية تجاه الجميع، انتشروا حول السرادق من كل اتجاه، يقومون علي راحة الجميع، أكثر من ثلاث ساعات، كل شيء يمضي كما خطط له الشباب، أخي أحمد بكري معهم جنبًا إلي جنب، كأنها سيمفونية تعزف بدقة وانتظام. انطلقت الكلمات من القلب إلي القلب، مصر هي القاسم المشترك بيننا، هنا في قلب الصعيد 'الجواني' صدق المشاعر يتجسد الوجوه الطيبة، المخلصة، الحب الصادق لهذا الوطن، والاستعداد للتضحية والذود عنه بكل ما يملكون. هذه هي 'بلدتي' التي أفخر بها في كل مكان، أحمل في عقلي تاريخها، لا أنساها، وكيف وهي كل ذاكرتي وعنوان فؤادي، مهما باعدت بيننا الأيام، لا أنساها، وهل استطيع أن أنسي الحياة؟! هنا حياتي، ذكرياتي، تاريخي، علي بعد مسافة قريبة وفي أطرافها، توجد مقبرة أمي وأبي، في هذه اللحظات أشعر أنهما معي، جنبًا إلي جنب، استمع إلي دعائهما، اتذكر الأيام الجميلة، لحظات الفراق، قبيل أن أمضي إلي بلدتي، أبلغت أشقائي، أنني رأيت وجه أمي في المنام، كانت تبتسم في هدوء، تربت علي كتفي، كان وجهها جميلاً، كالقمر المضيء في زهوته، أسرت إلي بكلمات، لم استمع إليها جيدًا، لكنني أدركت معناها، هنا في هذه اللحظة. كنت كلما غادرت إلي القاهرة، تطلق أمي دعاءها التاريخي 'روح يا وليدي، لا طوبة تسطك، ولا شوكة تدقك' كلمات بسيطة، لكنني بدأت أعرف معناها ومقصدها في خضم الأزمات والمشاكل التي تحيط بي، بين الحين والآخر، مشاكل تكاد تسقطني من الذاكرة، لا أعرف كيف أنجو منها، لكنني فجأة اتذكر دعاءها البسيط، العميق. هذه الجموع الغفيرة، جاءت من كل حدب وصوب زحفت إلي بلدتي، قررت أن تتكبد مشقة السفر والمعاناة، أكثر من ثلاث ساعات، لم يتحرك أو يغادر شخص واحد من الحاضرين، وكأنهم أرادوا أن يقولوا السهرة صباحي.. لا تقلق.. الآن أقدم لكم المرشحين الذين شاركوا وحضروا، كانت كلمات شقيقي محمود، تجسد الحقائق، اشرف ذلك الشاب الواعد، الأمين العام لحزب مستقبل وطن، أتذكره يوم أن جاء إلي مكتبي اسمتعت إليه، قلت له يومها ياباشمهندس.. انت أكبر من سنك بكتير.. الزميلة سحر ابنة أبو تشت، كل أبو تشت، القبائل والعائلات، النقية الصافية، التي لا تكف عن الحركة والتواصل، ماجد طوبيا، ابن نجع حمادي الذي أحبه الجميع، لا طائفية ولا فرقة، رجل يدخل إلي قلبك دون مقدمات. أتأمل وجوه د.محمد العماري وفيصل عبد الرحمن وأحمد أبو كريشة والغالية علينا جميعا أختنا عبلة الهواري ويوسف عبد الدايم ابن أسوان، والشاب الوطني محمد محمد عبد المقصود ابن البراهمة وابن البحر الأحمر، وأخي العزيز والرجل الدءوب حمدي عمر ابن نقادة، ومرشح القائمة.. الكل في واحد، انصهرنا جميعا، في حب الوطن، اسم مصر يتردد، يهتفون، الصوت مجلجل، يدوي عاليا، زغاريد النساء تنطلق من النوافذ المحيطة، المعنا فرحانة، قلبي يكاد يعانق كل القلوب الحاضرة.. كلمات اللواء سامح والوزير أسامة وكل الحاضرين تشيد بالحضور الغفير والنظام المثالي، نقيب الأشراف السيد الشريف يطلق كلماته إلي الأهل والأحباء في قنا، أما اللواء سعد الجمال فقد كان اكتشافا بكلماته وفقهه الديني، أنها المرة الأولي التي يزور فيها قنا منذ أن تركها من عشرين عاما، كان مديرا للأمن هنا، أتذكره كيف وقف معنا في بلدتنا يوم أن اجتاحتها السيول في عام 1996، لقد استقبل بحفاوة وحب كثيرين بعد قليل، غادرنا إلي الأقصر، سامحيني ياأمي، وسامحني يا أبي، تلك هي المرة الأولي التي لم أتمكن فيها من زيارتكما حيث ترقدان، لم أتعود ذلك، لكن ظروف الحشد وضيق الوقت منعاني من الزيارة المقدسة إليكما.. لم يكن لقاء أو مؤتمرا هدفه حث الجماهير علي انتخاب القائمة، بقدر ما كان لحظة حلم، نتمني تحقيقها لأبناء الصعيد، هذا الصعيد الذي 'همش' كثيرا خدماته تكاد تكون معدمة، أكثر القري والنجوع بلا مياه شرب نظيفة، بلا صرف صحي، بلا خدمات. جئنا إليكم يا صعايدة، لنقول لكم، أبناؤكم معكم، جنبا إلي جنب، نحمل الهم معكم، ونسعي إلي تحقيق الأحلام التي ضاعت تحت ركام الوعود المزيفة. كان الصعيد ولا يزال وفيا لمصر، معها في كل الأزمات والملمات، في المعارك تجدهم أسودًا، يتحملون عبء المسئولية بلا تردد، لا ينتظرون الثمن، ولكن من حقهم الآن أن يسمع صوتهم، وأن يتم حل بعض أزماتهم ومشاكلهم المزمنة.. يوم وفاة والدتي، هاتفني الرئيس عبد الفتاح السيسي تليفونيا، وبعد أن تكرم بتعزيتي، قلت له الصعيد يا ريس في حاجة إليك، مشاكلنا كثيرة وخدماتنا منعدمة، قال بكل ثقة.. وأنا لن أترك الصعيد يا مصطفي، ثق أنني أعد لهم أكثر من مشروع يبعث الأمل في النفوس ويقدم لأهلنا ما حرموا منه كثيرا. أسعدتني كلماته في خضم حالة الحزن، أنا أصدقه واثق في كلماته، إنه منا، ابن مخلص لهذا الوطن، يعرف مشاكل الناس وهمومها، إنه ابن الشعب ابن الحارة الشعبية الأصيلة.. أتذكر عندما كان المجلس العسكري يجري حوارا مع الأحزاب السياسية قبل الانتخابات الرئاسية الأولي كان مكاني دوما محددا بالجلوس إلي جانب 'اللواء' عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية في هذا الوقت، وعندما سألته في يوم ما: لماذا الصمت علي المتطاولين؟ قال لي: اسمع يا مصطفي أنت من الصعيد وأنا من منطقة شعبية، ودول أهلنا، والبلد تعيش حالة ثورية، بكره الدنيا تهدأ، والحقائق تتضح، نحن مستعدون لتحمل كل شيء، المهم مصر تعود إلي الأمن والاستقرار!! عرفت قيمة هذه الكلمات ومعانيها، أدركت كيف يفكر هذا الرجل، وكيف يعقلها، وعندما انحاز للشعب في لحظة تاريخية فارقة، كان يجسد كل هذه المعاني، كان مستعدا للشهادة من أجل مصر، ألم تسمعوه كثيرا يتحدث: مستعد 'أموت' من أجل مصر.. المشاكل تزاحمه من كل اتجاه، الهم كبير، والأزمات متفاقمة، لكنه قادر علي صنع المستحيل، هكذا منحه الله موهبة الصبر والقدرة علي المواجهة، وتحدي الصعاب، تأمل كيف استطاع أن يبث الحماس في المصريين، دفعوا في ثمانية أيام أكثر من 64 مليار جنيه لحفر قناةالسويس، رقم فاق التوقعات، في فترة زمنية بسيطة، أما عملية الحفر فكان مقدرًا لها من ثلاث إلي خمس سنوات، السيسي لا يعرف الصبر في مثل هذه الأمور، نظر إلي اللواء كامل الوزيري رئيس أركان الهيئة الهندسية وقال: فقط 'سنة واحدة' يا كامل، لم يكن أمام كامل سوي القول 'أوامرك يا افندم' كان ذلك في 6 أغسطس من العام الماضي، وبعد عام وفي نفس اليوم المحدد كنا وجها لوجه مع الانجاز، كانت معجزة بمعني الكلمة، لكنه عبد الفتاح السيسي، الحالم دائما، الواقعي، القادر علي أن يحلق بنا في آفاق بعيدة.. عندما دعا المصريين إلي خارطة الطريق، مضينا معه، حتي الاستحقاق الثالث، لقد شهدت مصر علي يديه انظف انتخابات، نزاهة منقطعة النظير في انتخابات الرئاسة والاستفتاء علي الدستور، ثم جاءت المرحلة الأخيرة بانتخابات مجلس النواب. يدرك السيسي وندرك جميعا، أن المجلس القادم يمتلك سلطات لا يمتلكها رئيس الجمهورية وإذا لم يأت المجلس مدافعا عن ثوابت الدولة متبنيا خيار المشروع الوطني الذي أعلنه الرئيس بإعادة بناء الدولة لتحقيق الاستقرار والأمن والعدل الاجتماعي، فحتما سيمضي الوطن إلي المجهول. هل تتذكرون كلمات الرئيس في اللقاءات العديدة 'أنا في رقبتي 90 مليون' لن نسمح بسقوط مصر، محذرًا من مصير بلاد كانت دولاً في يوم ما وأصبحت الآن في قبضة الإرهاب والميليشيات.. الأيام تمضي سريعاً، أيام قليل ة، ويكون لدينا مجلس للنواب، حتما سيكون أداة للاستقرار وليس للفوضي، قوة تحمي مصر، وتساند الرئيس في مشروعه الوطني ولا تدفع الأمور نحو الصدام والتأزم.. البرلمان القادم.. أمل مصر، وأمل المنطقة بأسرها، والشعب لن يخدع مرة أخري، ولن يعيد إنتاج الإخوان وأنصارهم مجددًا.