وزير الهجرة تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    محافظ الغربية يتابع استعدادات المركز التكنولوجي لاستقبال طلبات التصالح في مخالفات البناء    حماس: مصممون على اتفاق ينهي العدوان ووفد الحركة قد سلم الوسطاء ردنا    جوميز يمنح لاعبي الزمالك راحة غدا بعد الخسارة من سموحة    ضبط 550 بطاقة ذكية لصرف السلع المدعمة بمخزن في مطروح    «ابعتها لحبايبك».. أفضل رسائل التهنئة ب عيد شم النسيم 2024    فيديو.. محمد عبده يبكي خلال حديثه عن إصابته بالسرطان: هذا من محبة الله    الصحة: 2500 سيارة إسعاف منتشرة بالمتنزهات والطرق في شم النسيم    الوزير الفضلي يتفقّد مشاريع منظومة "البيئة" في الشرقية ويلتقي عددًا من المواطنين بالمنطقة    .تنسيق الأدوار القذرة .. قوات عباس تقتل المقاوم المطارد أحمد أبو الفول والصهاينة يقتحمون طولكرم وييغتالون 4 مقاومين    «جالانت» يحث «نتنياهو» بقبول صفقة التبادل ويصفها ب«الجيدة» (تفاصيل)    10 مايو.. انطلاق ملتقى الإسكندرية الأول للسرد العربي بمركز الإبداع    من شريهان إلى محمد عبده.. رحلة 8 فنانين حاربوا السرطان (تقرير)    نجل الطبلاوي: والدي كان مدرسة فريدة في تلاوة القرآن الكريم    وزير السياحة يستعرض مبادرات دعم القطاع    "الصحة" تشارك بالتأمين الطبى لعيد القيامة المجيد بكنائس الطور وشرم الشيخ    ظهر على سطح المياه.. انتشال جثمان غريق قرية جاردن بسيدي كرير بعد يومين من البحث    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    والده مات بسببها منذ 10 سنوات.. خلافات على أرض زراعية تنهي حياة شاب في المنوفية    الإسكان: إصدار 4 آلاف قرار وزاري لتخصيص قطع أراضي في المدن الجديدة    روسيا تسيطر على قرية جديدة في شرق أوكرانيا    السلطات الإسرائيلية تداهم مقرا لقناة الجزيرة فى القدس المحتلة بعد قرار وقف عملها    الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على موقع صوت أوروبا لبثه دعاية مؤيدة لروسيا    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    الهلال يطلب التتويج بالدوري السعودي في ملعب المملكة أرينا    لجميع المواد.. أسئلة امتحانات الثانوية العامة 2024    طريقة عمل الميني بيتزا في المنزل بعجينة هشة وطرية    نقل مصابين اثنين من ضحايا حريق سوهاج إلى المستشفى الجامعي ببني سويف    تامر حبيب يعلن عن تعاون جديد مع منة شلبي    التحية لأهالى سيناء    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    انطلاق مباراة ليفربول وتوتنهام.. محمد صلاح يقود الريدز    «أنا أهم من طه حسين».. يوسف زيدان يوضح تفاصيل حديثه عن عميد الأدب العربي    "صحة المنوفية" تتابع انتظام العمل وانتشار الفرق الطبية لتأمين الكنائس    فى لفتة إنسانية.. الداخلية تستجيب لالتماس سيدة مسنة باستخراج بطاقة الرقم القومى الخاصة بها وتسليمها لها بمنزلها    وزير الرياضة يتفقد مبنى مجلس مدينة شرم الشيخ الجديد    تقرير: ميناء أكتوبر يسهل حركة الواردات والصادرات بين الموانئ البرية والبحرية في مصر    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسماعيلية خلال العام المالي الجاري    رئيس مدينة مرسى مطروح يعلن جاهزية المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين لاستقبال طلبات التصالح    وزارة العمل تنظم ندوة لنشر تقافة الصحة المهنية بين العاملين ب"إسكان المنيا الجديدة"    الحكومة الإسرائيلية تقرر وقف عمل شبكة قنوات الجزيرة    5 مستشفيات حكومية للشراكة مع القطاع الخاص.. لماذا الجدل؟    طوارئ بمستشفيات بنها الجامعية في عيد القيامة وشم النسيم    موعد استطلاع هلال ذي القعدة و إجازة عيد الأضحى 2024    لاعب فاركو يجري جراحة الرباط الصليبي    الصحة الفلسطينية: الاحتلال ارتكب 3 مج.ازر في غزة راح ضحيتها 29 شهيدا    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على بلدة ميس الجبل جنوب لبنان    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    محافظ القليوبية يشهد قداس عيد القيامة المجيد بكنيسة السيدة العذراء ببنها    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يمامة الميدان
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 06 - 2014

تصدق بالله يا ريس إن زيارتك الإنسانية للضحية فى رقدتها المتهالكة بالمستشفى العسكرى تسوى عندى يوم تنصيبك رئيساً لمصر.. بل قسماً عظماً أكثر زيادة حبتين..
زيارة لم تكن عيادة لمريضة بمستشفى قبل دخولها أشلاء بينما أغلق غيره أبوابه فى وجهها بعدًا عن وجع الدماغ والزج بطاقمه الطبى المعقم الناصع البياض المتفرغ لوقفات نقابة الاحتجاج فى خضم تحقيقات النيابات والسين والجيم حول جريمة بشعة ملوثة بالدماء.. زيارة عكست رؤياك فى دين وسطى سمح أوصى بأن اتقوا الله فى النساء واستوصوا بهن خيرًا فهنَّ شقائق الرجال.. زيارة لم تكن لفاترينات العرض ضمن خطة دعاية حملة انتخابية لتجميع الأصوات، فالضحية وأمها الباكية فى صمت تجمع دموعها فى منديلها بخلفية المشهد، كانتا مع جموع الأهل والجيران قد منحوك أصواتهم مسبقاً وعلّموا على النجمة وصورتك واسمك مجللا بالزغاريد فى صناديق الانتخاب، وكللوا أصابعهم بتاج الحبر الأحمر لرفعها بكل الفخار فى عين العدو أبو كف مقطوع وأصفر بلون الوباء الأصفر.. زيارة ليست مجرد سؤال روتينى من الأعالى عن مدى تقدم سير العلاج بالداخل، والتغالى فى التعالى بالتعهد به فى الخارج إذا ما تعثرت الآثار الجانبية تبعاً لتقارير الأطباء والخبراء والمشرفين والمعنيين والمختصين ودوائر اللجان المختصة فى هذا المجال... زيارة ليست طلعة ميدانية لمراقبة حادث اغتصاب جماعى على أرض الميدان... زيارة لا تعنى مجرد الأخذ بخاطر بنت مصرية بهيَّة فرحانة ونديّة ويمامة نقية لا حول لها ولا قوة كسرت جناحها وحوش الغاب التى التفت حولها داخل مصيدة النذالة تنهش لحم العذارى وتلوك بين أنيابها شرف الصبية الطاهرة التى تحولت بين غلبة البراثن والأنياب وعواء جوع الذئاب إلى كوم تراب معجون بدم... زيارة منك أنت كانت بلسماً.. أنت الذى كَتَبَتْ اسمك فوق الجدار، وحملت صورتك تتحدى إخوان الجوار، وغنت لك تسلم الأيادى فى عز ضيق الصدر واليد والدار.. وأطلقت اسمك على وليد ابنة الخالة ليتبارى معها الأهل فى جذب اهتمامه ورقرقة ضحكته وسرعة الهروع إليه تلبية لحاجته.. فى شهادة الميلاد سميناه السيسى لأجل لمّا يكبر يحب أمه ويكرمها زيّه.. عندما ذهبت إليها وواسيتها بأن الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر وبأنه القائل فى قرآنه مرتين متتاليتين: «إن مع العسر يسرا.. إن مع العُسر يسرا»، كنت لها أباً وأخاً ومضمدًا للجراح.. وأنت إذ أتيتها تعدها بالعدالة الناجزة وتعتذر لها ولجميع نساء مصر وتقول بصدق حميميتك وشجاعة اعتذارك: «حقك علىّ يا بنتى وعلى مصر كلها» تأكدنا بأنك قد أتيتنا كلنا لتأتينا نساء ورجالا شيوخا وشبابا وأطفالا بجميع حقوقنا المغتصبة بعدما نال التحرش بنا على طول السنوات العجاف فى سماحة ديننا، ومتانة أخلاقنا، وطهارة ألسنتنا، وصحة قولنا، وشموخ كرامتنا، ونقاء سريرتنا، وسلامة ضمائرنا، ونصاعة ثوبنا، وصلابة عودنا..
وبما أننا اليوم لم نزل من جراء سرعة تتابع الأحداث والأشخاص والأنواء والأخبار والأسوار والثوار والأخيار والأصفار والطوابير والتغيير والأقنعة والحراك والنتائج والصناديق والسدود والمغاليق وطلقات المدافع والخرطوش والزغاريد وأضواء الصواريخ وضباب الغاز المسيل وحرارة بشرة خير.. الخ.. بما أننا اليوم لم نزل مستيقظين مستنفرين متأهبين مترقبين متحفزين وعلى أطراف الأصابع.. ولم نزل مستبشرين.. فاطرق يا ريس وحياة غلاوة مصر عندك الحديد وهو ساخن لأهبة العمل الجاد فستجدنا إن شاء الله ملبيين.. ولقد وقَّعت مصر معك عقداً لغد أفضل والعقد شريعة المتعاقدين. واحذر وانتبه.. هيهات من الطرق على الحديد البارد..
حسين السيد وصوت الجماهير
عندما طالب الرئيس السيسى فى خطاب تنصيبه الفن والفنانين بمواكبة أحداث الوطن وتوثيقها فى أعمال فنية جماعية خالدة تذكرته.. حسين السيد.. كتيبة الإبداع الذى صاغ أجمل المعانى الوطنية فى الأغنية والأوبريت: ساعة العمل الثورى.. عاش الجيل الصاعد عاش.. ووالله وعرفنا الحب.. وصوت الجماهير.. والمسئولية.. وحكاية شعب.. والمارد العربى.. وفى قراءة متبحرة تتمهل لترسو سويعات على شواطئ الفن السهل الممتنع لاقيته طول بعرض بجمال شركسى يفوق الوصف فى جميع حنايا الكسم والصورة.. ابن ذوات.. من نوعية الفتى الأول الوسيم الذى يهل بطلعته المشرقة وطلته الرشيقة المديدة الأنيقة على المكان فتسر الأعين وتنشرح الصدور وتبسمل الشفاة لبديع عطاء الرحمن لساحة الإنسان، وتدعو للأب الذى زرع والأم التى طرحت.. قطعية من رجالات عصر كادت تنقرض إلا فيما ندر، أمثال رشدى أباظة وكمال الشناوى وأنور وجدي.. عكست له المرآة صورته فانطلق راضيا لاختبار النجوم، متأكدا من أن النجاح لابد أن يكون حليفه فى عالم التمثيل، لكن حسين السيد أتاه تفوقه فى عالم الفن على الجانب الآخر، فى الشعر، وليس فى التمثيل، لتظل كلماته فى أكثر من ألف أغنية على مدى أربعين عاما التى ترددها أجمل حناجر الغناء فى مصر والعالم العربى تسكننا، تعيش فينا، نتنفسها، نرددها حتى غدونا من شدة الالتصاق بها نظن وكأننا قائلوها، وأن ليس هناك شاعر عملاق تفاعل فاندمج فتأجج فكتبها قصائد نواكب بها أفراحنا وأشجاننا ومشاعرنا العاطفية والوطنية وأواصر روابطنا العائلية، وها نحن جميعنا ننهل من عطائه عندما أحال حبه لأمه إلى كورال جماعى مصرى نسجه على أرض النيل، تراث الماضى ومشاعر الحاضر وتعاليم الأديان، فنحتفل بالأم التى وضعها حسين السيد فى إطارها الحميم المقدس: «ست الحبايب يا حبيبة يا حنينة وكلك طيبة يا رب يخليكى يا أمي».
رغم أنها 63 عاما لا غير تلك الفترة التى عاشها حسين محمد السيد من عام 1920 حتى وفاته إثر إصابته بأزمة قلبية فسقطت رأسه فوق الأوراق وبين أصابعه قلمه التركواز.. رغم شهاب وجوده بيننا ورسوخ ما ترك لنا، فإن ما بين مولده ورحيله عوالم لا نهاية لها، عجزتُ عن الإلمام بجوانبها وتضاريسها وحدودها فى خضم أحاسيسها ومشاعرها، فلم يتسع لى المجال سوى لطرق أبوابها لأحييه على أعتابها، وأمضى فى رحلة الاستكشاف عن صاحب التاريخ العريض المؤثر فى تاريخنا الذى كان أولى به أن يغدو مقررا علينا لا كنزا مختبئا وراء جدار اللامبالاة فى انتظار شرذمة من المستكشفين الهواة.. حسين السيد ذهبت يوماً إليه أستنجد به لأستزيد منه وعنه: «بدأت مشوارى الفنى فى عام1939 أيام تصوير فيلم يوم سعيد عندما تحينت فرصة الإعلان عن طلب وجوه جديدة فتقدمت كممثل، لكننى نجحت كمؤلف أغان بأغنية «إجرى إجرى ودينى قوام وصلنى» التى وعدت المخرج محمد كريم ومحمد عبدالوهاب بإحضار كلماتها فى الصباح، ويومها مكثت حتى أوشك الفجر دون طائل لكتابتها وكانت تمثل فى أهميتها للفيلم أنها النهاية، وازدادت معاناتى بمرور كل لحظة إلى أن أنقذنى حصان أو بمعنى أصح بغل عم بيومى الذى أسدى لى معروفا لا أنساه.. كان عم بيومى بائع لبن متجولا يمر على البيوت منذ زمن لدرجة أن البغل أصبح يعرف طريقه وحده، وخلال السكة الروتينية ينام عم بيومى فوق عربة اللبن، حتى إذا توقف البغل عند بيت معين هزه التوقف ليستيقظ من نومه ويوزع اللبن ليعود إلى النوم ويعاود البغل مسيرته الصباحية اللبنية، ولدى اقتراب عربته من بيتنا سمعت وقع حوافر البغل العزيز.. لقد ألهمنى وقع أو إيقاع حوافره حركة موحية بكلمة: إجري.. إجري، فكانت فاتحة الخير.. وظللت هاويا من1940 حتي1960 لأننى كنت خلال هذه المدة تاجرا أتولى عمليات التوريدات فى الجيش، ويوم اعتزلت نشاطى التجارى أصبحت محترفا..
التمثيل فى حياتى هواية ظهرت فى أدوار متباعدة منها فى فيلم «يوم سعيد»، عندما أسند لى المخرج محمد كريم دور المذيع الذى يقدم برنامج الحفلة الخيرية التى تظهر فيها المونولوجست عفيفة اسكندر، لكن طول أغانى الفيلم خاصة أوبريت مجنون ليلي، أطال مدة الفيلم نحو15 دقيقة، مما اضطر المخرج إلى حذف الحفلة وعفيفة والمذيع.. الأرقام فى أغنياتى مثل أغنية واحد اثنين وخمسة فى ستة وتراعينى قيراط أراعيك قيراطين استعملتها كشيء جديد، وإذا كان لى عشر أغنيات فيها أرقام فلى مئات الأغانى بدون أرقام.. وحول الأغانى التى تعالج المشاكل الاجتماعية، كتبت أغنية عن الطلاق فى رسالة موجهة من ابنة لوالدها المزواج تقول:
سامحنى يابويا واعذرنى إذا كان الكلام جارح
أخويا أصغر اخواتى دواه ما جاش من امبارح
وناس فى الحتة جم قالوا أبوكم اتجوز امبارح
هذه الأغنية وغيرها من مثيلاتها بقيت تتسكع فى أدراج المخرجين والملحنين لأن كبار المطربين والمطربات لا يميلون إلا إلى الألوان العاطفية.. هذا فى الوقت الذى نجحت فيه أغنياتى الوطنية مثل ساعة العمل الثورى وناصر، والجيل الصاعد، وصوت الجماهير لعبدالوهاب، والمسئولية وحكاية شعب لعبدالحليم والمارد العربى لفريد.. وتجنبت اللقاء الفنى مع أم كلثوم لأننى كنت أعلم أنها تحب التدخل فى الكلمات، وكنت أقول هى أم كلثوم وأنا حسين السيد وسأظل حسين السيد حتى بدون أم كلثوم، إلى أن جاء يوم اتصل بى فيه صديق العمر الأستاذ عبدالوهاب وكان متوجها فى اليوم التالى إلى بلودان بسوريا قائلا: اتصل فورا بأم كلثوم.. فقلت له: انت تعلم أننا لا نتفق أبدا.. قال: لقد استمعت إلى بداية الأغنية الدينية التى كتبتها وقالت لى إنها تريد أن تغنى عملا دينياً كبيرا، فأسمعتها المقدمة الموسيقية فأعجبت بها وطلبت منى الاتصال بك لمقابلتها.. اتصلت ووعدتها بالحضور وكالعادة كان هناك العتاب الذى أسمعه لسنوات عديدة منها، أو كما تقوله عنى لعبدالوهاب: حسين السيد عنده كبرياء شديد ومعتز بنفسه جدا.. وكانت فى تلك الفترة تستعد لترك الفيلا بالزمالك قبل البدء فى عملية طلائها، فتواعدنا على اللقاء بعد يومين بفندق الشيراتون، وذهبت إليها فى الدور الثانى والعشرين قبل وفاتها بأربعة أشهر بالتحديد، فكان لقاء الوداع، ولأول مرة نجلس معا على انفراد لمدة استغرقت نحو ساعة ونصف.. تحدثنا فى كل شيء، وقرأت عليها نص الأغنية فقالت لي: عظيمة جدا.. لكنى أتمنى لو.. لحظتها قلت متحفزا: لكنه إيه؟!.. ردت:.. لا.. مفيش تغيير.. كانت تعلم أننا كثيرا ما اختلفنا على مسألة التغيير هذه، فأكملت قولها: انت طعّمت الأغنية بالعربية الفصحى إلى جانب الزجل، وأتمنى لو تضيف شطرين، ولا داعى لعرضهم بعدها عليّ، وكتبت هى على ورقة النص للأستاذ عبدالوهاب أن يلحن نص الأغنية كما هو.. وكان الشطران هما:
وأعوذ بك من غفلة نفسى وأعوذ بك من لحظة يأسي
نظرت لى بعدها أم كلثوم طويلا وقالت: خسارة.. قلت فى دهشة متسائلا: أية خسارة.. إحنا ليه يا حسين ما اشتغلناش مع بعض كتير؟!.. ولم يكن لى بعدها معها القليل أو الكثير!!
غنى عبدالوهاب الكثير لحسين السيد فى الحب حتى غرقنا معهما فى بحور العسل: «لك عندى كلام أحلى من أجمل رواية. قل لى أجيب مين يقرا ومين يسمع كلامي. اسمح وقل لى يا نور العين. انت الآه اللى بغنيها ويغنوها الناس ويايا. قل لى عمل لك إيه قلبي. احترت أنا بين قلبى وبينك والحيرة عذاب. إجرى إجري. إوعى يا قلبى تكون حنيت. أنا روحك وانت قلبي. ليه ليه يا عين ليلى طال. مين انت ماأعرفشي. حياتى انت ماليش غيرك. انت النار اللى محوطاني. أحبه مهما أشوف منه ومهما الناس قالت عنه. حبيبى ياللى خيالى فيك. حقولك إيه عن أحوالي. كان أجمل يوم. عمرى ما أنسى يوم الاتنين. أتاريه لغيرى مش ليه. على إيه بتلومني. إسمح وقوللي. إيه جرى يا قلبى إيه. أنور شمعتى لغيري. بيظلم فيَّ وباحبه. ماقدرشى أنساك. حاشوفك إمتى وأقابلك فين. ياللى نويت تشغلني. حبيبى لعبته الصد والجفا. حيحبنى وحاشغل قلبه. وحايكون لقانا بعد الغياب. من أد إيه كنا هنا. قالوا لى هان الود عليه. خى خي. فين طريقك فين. ياللى شغلت البال. افتكرنى فى غروب الشمس والليل بيناديها. بيقولوا لى توب عن هوى المحبوب قلت هاتوا قلوب من حجر مايدوب. علشان الشوك اللى فى الورد باحب الورد. وإن غدر بى هواك أعمل إيه وياك. تراعينى قيراط أراعيك قيراطين. وحاسبت روحى على الأيام اللى انقضت من حبى معاك لقيتها أكثرها أوهام ضاعت مابين صدك وجفاك. يا خسارة عشرة الأيام. حياتى انت ماليش غيرك وفايتنى لمين.شبكونى ونسيونى قوام. وعلى إيه بتلومني. يا قريب وبعيد. أحبك وانت فاكرني. يا مسافر وحدك. كل الستات جمالات وجمالهم ساحر فتان. لكن اللى جمالها فى عنيها النظرة مابتهونشى عليها من بعد ماتشغل قلبك إن جيت ناحيتها تقولك بلاش تبوسنى فى عنية البوسة فى العين تفرق. دلوقت بس صدقتك خدعونى قلبى وعنية. قالوا لى أوصفه قلت لهم القمر. يحب الآه أقولها له ولما يغيب أحوشهاله. وعشق الروح مالوش آخر. لكن عشق الجسد فاني. يا جلاس ناري. وعايزنى أرجع تانى لا.. لا.. لا.. لا.!!
وليس كمثلها من تستطيع أن تأخذنى إليه الدكتورة حمدة الابنة طبيبة التحاليل آخر عنقود إمبراطورية حرف الحاء التى أنجبها حسين السيد من الزوجة والحبيبة الدكتورة نعيمة محمد الحاصلة على أول دكتوراه فى التعليم الأجنبى فى مصر من جامعة عين شمس.. أذهب إليها أتعرف عليه وعليها.. هى من حققت بقدومها أمنية والدها فى أن يهبه الله البنت لتغدو أمورتى الحلوة التى غنت لها صباح بلسانه: «أيام عمرى اللى راحت علشانك عشتهم وسنين عمرى اللى جاية عشانك حشتهم.. وأكلك منين يا بطة حبيبة أمها» حمدة التى جلس يسليها مع شقيقيها «حسام» و«حاكم» طبيبى الأسنان فيما بعد فى غياب والدتهما فى عملها فقال: ماما زمانها جاية وذهب الليل طلع الفجر والعصفور صوصو.. كان على الدوام محتفياً بأسرته ومعظم أغانيه كتبها بإلهام من أفرادها «ساكن قصادي» فاتحة أغنيات الحدوتة التى كتب على نسقها «فاتت جنبنا» لعبدالحليم. وكانت فى حب والدتى ابنة الجيران، وعندما سافرت للحصول على الماجستير من لندن قال فيها: حبيبى ياللى خيالى فيك فين انت: معرفشي.. وكتب فى زفاف شقيقى حاكم: زفوا الخبر زفوا الخبر الشمس رايحة للقمر.. وإلى جانب أشهر أغانى نجاة وفايزة وليلى مراد وعبدالحليم وصباح المعروفة كتب لأصوات كثيرة تعد كل منها علامة فى حياة أصحابها.. «البوسطجية اشتكو» لرجاء عبده، و«عايز جواباتك» لنجاح سلام والسنباطي، و«على رمش عيونها» و«دار يا دار» لوديع الصافي، و«كعب الغزال يا متحني» لمحمد رشدي، و«أهو أنا» لإسماعيل ياسين، و«خدنى معاك» لياسمين الخيام، و«بت يا دوسة يا دوسة» لسمير الإسكندراني، ولسعاد حسنى «عم حزنبل» و«مانتاش قد الحب يا قلبي»، و«أنا واد خطير» لفؤاد المهندس.. الخ.. وإننى لأستشعر الحس التهكمى موجودا حتى فى أغانيه العاطفية مثل أغنية عايز جواباتك لنجاح سلام والسنباطى التى أخرجها محمد سالم للتليفزيون والتى تقول فيها: «القصور اللى خيالك كان بانيها.. واللى كل جواب فرش لى ركن فيها.. هو ده كان حب وللا كنت بتسلى إيديك.. مش كتبته بقلب وللا حد كان غاصب عليك». أما طابع الفكاهة فى أعماله فتجده كثيرا كمثال ما قدمه فى استكتش اللى يقدر على قلبى لليلى مراد، وأغانى مسرحيات فؤاد المهندس وشويكار التى حثت فيها شويكار فى حواء الساعة12 زوجها على الانتحار ليلحق بها فى العالم الآخر بقولها: «على حبل غسيل مايكونش طويل تتشعلق فيه ماتصوتشي، أو فى الحمام تفتح سخان تخش عليه تنام ماتقومشي».. والدى زمان ذهب فى بداية حياته الفنية للشاعر الكبير أحمد رامى يسأله رأيه فى أعماله فقال له انتظر عشر سنوات لنرى فيما إذا كانت أغانيك لم تزل صامدة، وعندما استمع لكلماته بافكر فى اللى ناسينى وانسى اللى فاكرنى قال له: انت يا حسين السهل الممتنع.. وكان والدى حسين السيد له مذاق خاص فى كتاباته للدويتو خاصة فى أفلام عبدالوهاب، ومن ينسى رجاء عبده فى «ممنوع الحب» تجذب عبدالوهاب من أذنه لتريه عقارب الساعة بقولها: «بلاش مغالطة تعالى بص دى مش دقيقة دى دقيقة ونص».. ويكتب خريج مدرسة الفرير الفرنسية أغانيه لمطرب القصور والأمراء محمد عبدالوهاب لكنه كان شديد الالتصاق بالروح والعبارة الشعبية فكتب «مين قال لك تسكن فى حارتنا» لشادية و«وله ياوله ارحمنى ياوله» لعبدالغنى السيد و«كايده العزال أنا من يومى أيوه آه» لعايدة الشاعر، و«كعب الغزال» لمحمد رشدي، و«حارة السقايين» لشريفة فاضل: مافيناش حاورينى ياطيطة مافيناش لف ودوران.. لك ماضى كله سوابق فى الحب مالوهشى أمان.. أنا عايزة حب يطمن مش حب يودى لومان»..
فى اليوم الذى لم تشرق له شمس استشعرت الابنة حمدة ضيقا فى صدرها لم تعلم سببه.. لحقت بزوجها فى زيارته لوالدها فى مكتبه بوسط البلد.. طرقا الباب بلا جواب رغم صوت البغبغان المرتفع الذى يدل على أن صاحبه بالداخل، فكسرا الشُراعة.. كان غائبا عن الوعى ممسكا بيده القلم ويده الأخرى مفتوحة لم يزل كفها يحمل آثار عقاب والده القاسى عندما أجبره فى طفولته على احتضان البيض الخارج بنار الفرن لأنه لعب بالكبريت..
حسين السيد الشلال المتدفق القادم من جبل العطاء لوادى النماء لينبت نخيلا وأعنابا وزرعا وأزهارا ورياحين وشدوا.. شاعر الغناء الفذ من لمس بسحر قلمه الأخضر حناجر المواهب فأنطقها سحرا لا يفني.. أعطى ومضي.. ليستأثر أصحاب خبرة العلاقات العامة بالواجهة ليجلسوا وحدهم على القمة ويفرضوا أنفسهم على المشهد، وكان عبدالوهاب كمثال فى تاريخ حياة حسين السيد من الشخصيات العريضة الطاغية التى تجيد إلى جانب الموهبة العظمى قدرة فريدة فى العلاقات العامة تبتلع معها كل من سواها فى الصورة فملأ الكادر وحده تماما مثل الجنرال ديجول عندما كان رئيسا للوزراء فلم يعرف وقتها اسم رئيس جمهورية فرنسا، وعندما أصبح رئيسا للجمهورية لم يذكر أحد اسم رئيس الوزراء ومن هنا نقول «خىّ» لعبدالوهاب دون ذكر لكاتبها.. ولقد كان من سوء حظ حسين ظهوره فى فترة كان التركيز فيها على كل من استولى على العمل الفنى الوليد ورعاه وألبسه ثيابه وخرج به إلى الشارع بينما لا ذكر للأب الشرعى الذى أنجبه، ولم يعش حسين فى أيامنا التى يردد فيها المؤدى أغنيته من الكلام الفاضى فى دقيقة لتختتم الكارثة الغنائية بقائمة أسماء طويلة تظهر على الشاشة من أول اللى كتبها واللى دسكها واللى أخرجها واللى زوقها واللى رقصها واللى قصقصها واللى مصمصها واللى وزعها واللى قطعها واللى له حقوق فى إعادة عرضها ع الخلق.. حسين السيد الذى ولد فى مثل هذه الأيام المهمة بالعطاء وغادرنا تاركا أريجه لا تبدده الأعاصير.. حسين السيد الجندى المجهول فى عالم الطرب والشجى والشجن من لم يمت فى ساحة الوغى لكنه مات فى بحور الجحود والنسيان.. حسين السيد قال قبل أن يغادرنا: وافتكرى يا جدران يا أوفى من الإنسان صوتى مع الآذان حيقول فى كل أوان يا ظالم لك يوم مهما طال اليوم.. يا ويلك يا ظالم يا ويلك!!!.. ولم يزل صوت الجماهير هو اللى بيصحى الأوطان هو البطل فى كل أوان..
مصر يا عبلة
هى دى مصر يا عبلة.. أحدث أفراحها ومنجزاتها ومعجزاتها وارتفاع شأنها ما تم بالأمس من أجلها فى قصر باكنجهام بوسط لندن بشأن خروج الملكة اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا لملاقاة جراح القلب المصرى السير مجدى يعقوب لتسليمه وسام الاستحقاق أرفع الأوسمة البريطانية على مدى التاريخ، والمحصور دوماً منحه على 24 شخصية فقط منها الملكة نفسها، وزوجها دوق أدنبرة الأمير فيليب، والمهندس المعمارى نورمان فوستر، ومقدم برنامج «الطبيعة» ديفيد اتنبو، والرسام التجريدى ديفيد هوكنر... وأبدا لا يتم إضافة أية شخصية أخرى إلى القائمة المتوجة إلا فى حالة وفاة أحدهم للحفاظ على العدد الأصلى للقائمة.. هذا وقد عاد السير مجدى فى صباح اليوم التالى إلى أسوان ليضع وسام التكريم التاريخى جانباً ويرتدى البالطو الأبيض لينزل إلى أرض معركة الشفاء تلبية لكشف انتظار يضم 14 حالة مرضية فى حاجة عاجلة لجراحة فى القلب من بين أطفال صعيد مصر الفقراء الذين قصر عليهم علمه وعالمه واصفاً مشاعره ممسكاً بمشرط الجراح أمام طفل صغير مخدر بمن يؤدى صلاته داخل المحراب.
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.