نعم كان فنانا يعيش حياة الفنانين ويتصرف تصرفات الفنانين, يعمل حتي الفجر ويستيقظ في منتصف النهار ما أن تراه حتي تعتقد أنه شاعر أو رسام أو عازف, كان يمتلك كاريزما متوهجة تركزت في ابتسامته الطيبة ووجهه البشوش. الذي يدفعك من أول نظرة لأن تعتقد أنك تعرفه منذ زمن بعيد فتخرج من أول لقاء وأنت صديق حميم لشفيق أحمد علي الذي عاش حتي آخر لحظة من عمره قابضا علي جمر المقاومة وعاشقا لمهنته مترفعا عن الشهرة والمال. عرفته وأنا في المرحلة الثانوية كشاعر عامية تختلف قصيدتة عن السائد الشعري فلقد كان لقصيدتة رائحة الأرض الشراقي وهي تروي في المساءات الصيفية علي أنغام حنين السواقي في بلدته الصغير بمحافظة الشرقية وبعد ذلك انبهرت بطريقته المميزة في صياغة التحقيقات في مجلة الجماهير التي كان يصدرها الاتحاد الاشتراكي بالجيزة وفي روزاليوسف وعندما بدأت أولي خطواتي في الصحافة كان زميلا مساندا في جميع المطبوعات التي تزاملنا فيها.. وعندما كتب تحقيقاته الشهيرة عن الشهيد سعد إدريس حلاوة الذي رثاه نزار قباني بمقال رائع جمع شفيق التحقيقات ونشرها في كتاب ليخلد سيرة أول من قال لا للتطبيع وكتبت عن الكتاب في الموقف العربي مقالا بعنوان 'المجنون الجميل' وأذكر أنني قلت في ختام مقالي إن كتاب شفيق أحمد علي جاء أجمل من مرثية نزار للمجنون الجميل سعد حلاوة, وهاتفني شفيق بعد نشر المقال ليقول لي ان مقالي جاء أجمل من الكتاب ومرثية نزار معا. كان دمثا ومتواضعا رغم أنه كان من أكثر الصحفيين مهنية يحشد تحقيقاته بالمعلومات المتدفقه ويصوغه برشاقة الأديب وإيقاع الشاعر, ولذلك اطلق عليه عمنا محمود السعدني لقب فنان التحقيقات وقال: إن شفيق امتداد لمدرستي التابعي وكامل زهيري معا لأنه ينير العقل بقدر كبير من المعلومات ويمتعك بأسلوب رشيق جميل فتعتقد أنك تقرأ رواية ويستطيع أي مخرج نابه - والكلام للسعدني- أن يحول تحقيقات شفيق أحمد علي الي مسرحية أو فيلم دون أي عناء, ورغم تفوقه وتميزه كان متواضعا ومعلما لكثير من الصحفيين اللامعين الآن.. وظل مؤمنا بقضيته ودور قلمه في مقاومة التطبيع والفساد وظل يكتب عن صفقات الدجاج الفاسد, والبيض المهرمن, وتجار التطبيع, والقطط السمان, ولم يخش تهديد المهددين أو محاولات المنع من الكتابة والمصادرة. ولأنه كان شاعرا حقيقيا كنت كلما قابلته أسأله متي ستصدر ديوانك؟ فيبتسم قائلا: بعد ما تطلع ديوانك بيومين طلع ديوانك الأول!!!! ظل شفيق قابضا علي جمر المقاومة يجدد في فن التحقيق ويقدم للقارئ الحقائق والمعلومات ويكسر احتكار المعرفة بأسلوب فني رشيق ممتع لا يتعالي علي القارئ ولا يبتز أحدا ولا ينافق صاحب سلطة ولا يسعي لمنصب ولا يجري وراء المال حتي آخر نفس.. حتي في مرضه كان يتألم وحده ولم يستجد أحدا.. ولذلك كله سيظل علامة بارزة في تاريخ الصحافة الوطنية وسيظل فنان التحقيقات المقاوم الذي يتعلم من فنه الجميع.