في كتابه الأشهر 'فجر الضمير'، لم يكن المؤرخ الأمريكي 'جيمس هنري برستيد' مغاليًا حين أثبت بالأدلة التاريخية والأثرية المؤكدة أن الحضارة المصرية القديمة هي مهد الأخلاق والقيم والحضارة ومنبعها الذي انتشرت منه إلي مختلف بقاع العالم. لذا لم يكن غريبًا أن يبني المصري الحديث 'قناة السويس الجديدة' التي افتتحها في 6 أغسطس الجاري الرئيس عبد الفتاح السيسي ومعه كوكبة من زعماء العالم، لتكون هدية مصرية خالصة للعالم أجمع، ومشروعًا كونيًا ربما يصعب تكراره خلال العقود الباقية من القرن ال21، لا سيما وأنه قد أُنجز خلال عام واحد فقط في زمن قياسي بكل المقاييس. '1' بعيدًا عن تفاصيل المشروع الفذ التي امتلأت بها وسائل الإعلام مؤخرًا، فإن القناة الجديدة ستزيد الطلب علي استخدام القناة كممر ملاحي رئيس عالمي، وزيادة دخلها بنسبة 259% عام 2023 ليتخطي ال13 مليار دولار، فضلًا عن تقليل زمن الانتظار للسفن ليكون 3 ساعات في أسوأ الظروف، إضافة إلي أنه خطوة مهمة لإنجاح مشروع محور التنمية بمنطقة القناة. القناة الجديدة إذًا مشروع كوني عظيم، ولكنه ليس الأول الذي ينجزه المصريون الذين شيدوا خلال القرنين الماضيين أعظم مشروعين عالميين علي الإطلاق. '2' في عام 2005، أصدرت الهيئة الدولية للسدود والخزانات الكبري تقريرًا تاريخيًا اختارت فيه 'السد العالي' أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين متخطيًا كل المشروعات العملاقة الأخري مثل نفق المانش. والمثير أن السد العالي، الذي صمم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر علي إنجازه، قد ارتبط أيضًا بقناة السويس، إذ بدأ العمل به عام 1960 إثر تأميم ناصر للقناة وإعادتها لحضن الوطن، بهدف إيجاد مصدر وطني لتمويل مشروع السد، وما تبعه من عدوان ثلاثي عام 1956، وحالة الفخر القومي التي انتابت مصر بعد انتصارها علي الامبريالية والصهيونية العالمية في معركة القناة. '3' أما حفر قناة السويس نفسها، فهو المشروع العالمي الأكبر في القرن ال19، ففي عهد الخديو سعيد -وبإقناع من صديقه الفرنسي 'ديلسبس'- بدأ الحفر في 1859 بأيدي هذا الشعب الصابر، الذي فقد خلال سنوات الحفر العشر '120' ألفًا من أبنائه، إذ لم يخلُ بيت مصري من مشارك في حفر القناة أو من شهيد بذل روحه علي أرضها؟!!. وفي نوفمبر 1869، تم افتتاح القناة للملاحة العالمية في احتفال أسطوري أقامه حاكم مصر الخديو إسماعيل وشهده ملوك وأمراء ذلك الزمان.