أما 'توماس إدوارد واتسون' فلم يكن أوفر حظًا من القس 'بيير جان دي سميت'.. فواتسون، وهو السياسي الأمريكي المشاكس، والمحامي القدير، والكاتب الصحفي صاحب القلم المسنون، والزعيم اليساري بمجلس النواب، كان صلبًا في مناصرة الفقراء من السود والبيض، منحازًا للضعفاء بلا تفرقة.. مما جعل منه بطلًا بين الناس، يتمتع بجماهيرية طاغية مكنته من تأسيس 'حزب الشعب' بولاية جورجيا، والذي راح ينادي من خلاله بضرورة تعديل النظام النقدي، والضريبي، وانتخاب أعضاء مجلس الشيوخ بطريقة مباشرة، وحصول الأمريكيين السود من الرجال علي حقهم في التصويت، إذ كان حكرًا علي المواطنين ذوي البشرة البيضاء آنذاك.. أيضًا سعي الحزب إلي توحيد المزارعين داخل تنظيم قانوني يضمن لهم العدالة المفقودة، ويساعدهم في التغلب علي الانقسامات العرقية، كما دعا إلي تحويل السكك الحديدية، وخطوط الملاحة البحرية، والتلغراف، والتليفون إلي ملكية عامة.. ورغم كل ما قدمه، خسر واتسون مقعده في الانتخابات التالية، فتلك هي لعبة السياسة التي يبدو أنه لم يكن يتقنها، لذا عمل علي تدارك أخطائه بأي ثمن. ففي أعقاب هزيمته ببضع سنوات شهدت قناعاته عددًا من المراجعات، حيث أعاد صياغة مبادئه بشكل مخالف لما كانت عليه، حتي بدأت ملامح التباين تتكشف عندما هاجم هجرة الأفارقة إلي الولاياتالمتحدة.. وبحلول عام 1908 كان قد أتم انسلاخه الكُلِي عن جلده القديم، وتحول إلي النقيض الكامل منقلبًا علي أفكاره وأنصاره معًا ليصير العدو الأول ليس للمهاجرين السود فقط بل أيضًا لنظرائهم من الكاثوليك واليهود، ويعود بلا استحياء لنسج شعارات جديدة ولكنها هذه المرة تنضح بالعنصرية الفجة.. وهكذا نجح واتسون أخيرًا في اعتلاء السفينة التي رست به فوق كرسي مجلس الشيوخ الوثير عام 1920 ليستقر عليه حتي وفاته عام 1922.. بعد أن استطاع التخلص من رومانسيته الساذجة التي أودت بأحلام الماضي!! وفي ديسمبر 1932 وبغرض تكريمه قاموا بنصب تمثال برونزي لواتسون يبلغ ارتفاعه 3.65 متر، بحديقة مقر حكومة ولاية فيرجينيا وكُتِبَ علي قاعدته 'البطل الذي لم يخسر في الحق قضية'!! ولكن الجماعات المناهضة للعنصرية خرجت تنبش في تاريخ الرجل، واستطاعت إثبات تعصبه الديني والعنصري من خلال آرائه الموثقة في منشوراته السابقة.. فقد كتب 'إن الأمريكيين الأفارقة لم يعودوا أقرب لنا من القردة'.. ودعا الكاثوليك بالخونة.. ولعن اليهود الأغنياء ونعتهم بالفسدة والمنحرفين!! وتوالت الحملات المطالبة بإزالة التمثال لتشتبك في مساجلات مع مؤيدي واتسون الذين دافعوا عن بقاء تمثاله.. ومنهم مَنْ قال: 'لقد صنع واتسون تاريخًا في نضاله من أجل الشعب'.. وآخر صرح بأن 'واتسون هو واحد من أعظم رسل الديمقراطية'، وانتهي الأمر بإزالة التمثال في الثامن والعشرين من نوفمبر 1913، لينتقل إلي حديقة عامة بالقرب من مبني الولاية نزولًا علي رغبة الأحرار. [email protected]