في سيرورة الوحشية المتصهينة عبر تاريخ ليس قليلًا، لاحظنا بالتحليل السياسي والاقتصادي أن قضية الشعوب واحدة ضد مستعمريهم. فالاستغلال كان المنهج الأول للاستعمار الإمبريالي علي بلادنا، ومازال هذا المنهج يربط بعجلته دول الجزيرة العربية والخليج، وامتدّ ليطال دولًا في إفريقيا العربية.. نعم لم تكن سايكس بيكو ببُعدٍ واحد، هو تجزئة الوطن العربي، لكنها في البعد الثاني وهو الأهم كانت من أجل تجريف الثروة العربية، وجعلها في خدمة كيان الاستيطان العنصري إسرائيل، قبل أن يكون هذا الكيان قد تمَّ تركيبه بَعْدُ. ومن المعروف في العقل التاريخي عند العرب أن حرب المفاهيم قد شُنَّتْ عليهم طيلة حِقَبِ الاستعمار المباشر، وتُشنّ عليهم اليوم في الصراع الاستعماري من خارج الحدود. فمنذ أن استخدموا مصطلح ومفهوم الفتح العثماني، إلي أن إسرائيل كانت مملكة علي أرض فلسطين ودمّرها نبوخذ نصّر وبدأت 'الدياسابورا' الأولي عند اليهود، ومن حق اليهود أن يعودوا إلي أرضهم التاريخية، وكأن الوجود الكنعاني العربي قبل ألفي عام ويزيد ليس معترفًا به. وفي التاريخ المعاصر يتحدّثون أمام العرب عن حرية الشعب وديمقراطيته وحقوق الإنسان لتتضح الصورة بأنهم لا يرون الحرية في المنطقة العربية إلا للمستوطن الصهيوني علي أرض فلسطين فقط، وعلي العرب أن يوفروا له حرية التهويد لفلسطين، وإقامة الدولة اليهودية عليها، ولم يتحدثوا عبر ربيعهم عند العرب عن حق الإنسان العربي في أن يقرر مصيره بيده وبإرادته الوطنية، بل عملوا علي تركيب نُظمٍ عربية تابعة لإسرائيل بدءًا من مرزوقي تونس، مرورًا بمرسي مصر ووصولًا إلي ملوك وأمراء وتوابع. إذًا في مفاهيم الأمروصهيوني ومصطلحاتهم ليس لنا نحن العرب من العراق إلي موريتانيا إلا هوية واحدة فقط هي هوية التابع المطيع الذي يُؤْمَرُ وينفذ دون أي إحساس قومي، أو شعور سيادي باعتبارنا خُلقنا لخدمة الصهيونية القطرية والقطرية المتصهينة وحسب. هذه هي هويتنا في مفاهيم أعدائنا، ولكي نبرهن علي مقولتنا، نقدّم صورة الرفض الإسرائيلي للمصالحة الفلسطينية وكيف قال نتنياهو بوقاحة منقطعة النظير للرئيس الفلسطيني: 'مزّق الاتفاق واعترف بالدولة اليهودية ومن ثم تحدث معنا عن التفاوض'. إذًا المصالحة والتصالح العربي والمقاومة وحق العرب في تحرير أراضيهم، وحقهم في الحرية والدولة التنموية، والإنسانية، كل هذه المفاهيم غير موجودة في القاموس الصهيوني، وتتعهد أمريكا وأوربا بتنفيذ هذه المنهجية عبر أدوات الخيانة عند العرب من بعض الملوك والأمراء والأجراء. ومن عجب العُجَاب أنه حين تُفتَضَحُ سياسة للحلف الأمروصهيوني لا يستطيع أن يستنكرها أُجراؤهم عند العرب بل ستكون مهمة الأجراء تسويغ السياسة الأمروصهيونية. ولو أردنا أن نقدم الأمثلة علي عمالة بعض العملاء العرب لوجدنا الكثير منها منذ أن كانوا يتعاونون مع شاه إيران الشيعي لأنه نصير لإسرائيل، إلي رفضهم للثورة الإسلامية في إيران لأنها لم تناصر إسرائيل. ولا تزال حتي اليوم أدوات الخيانة تواصل تآمرها علي مصر لأنها لم تتّبعْ نهجهم وتروّض شعبها علي الاندراج في الخانة الصهيونية ضمانة لإدامة الوجود في السلطة. والأعجب أن العملاء فاقدي الهوية والسيادة والاستقلال يتحدثون عن الشعب وعن حرصهم علي الديمقراطية له، وهم في بلادهم ليس لديهم من مفهوم الشعب سوي القطعان التي تساق بإرادة الأمراء إلي مصيرٍ لا تتحكّم فيه. ووفق هذا المقتضي فالصورة الوطنية عند المصريين في توهج مستمر، لأنهم امتلكوا الوعي العميق بأشكال مقاومة حرب المفاهيم، والمصطلحات التي شُنّتْ عليهم، والصورة الوطنية عند كل مواطن مصري تجعله يجدد إرادته الذاتية في أنه مع وطنه في حماية دولته، ومع شعبه الذي يُستهدف بالتفجير الإرهابي الإخواني من الخارج والداخل بآلية حاقدة ومع تقرير مصيره بقراره السيادي. ومن هنا نشعر جميعًا -مواطنين ووطنًا- بأن إرادة الصهينة القطرية الإرهابية معروفة ومكشوفة ولن يقبل مواطن مصري أصيل واحد أن يكون في سياقها، وفي مثل هذا الجو الوطني سيبعث المصريون الرسالة المهمة إلي المحيط الإقليمي والفضاء الدولي بأنهم أكبر من أن تمرّ عليهم حروب المفاهيم والمصطلحات، وبأنهم قادرون علي أن يمثلوا صيغة شعبية عابرة للتراتب الاجتماعي التاريخي، كما هي عابرة للحالة الطائفية التاريخية. فالأفراد مهما توزعوا في التصنيف القبلي هم بالأصل مصريون، ومهما تواجدوا في الحياة الدينية فهم بالأصل مصريون، ومن مصر بلاد الحضارة ستبقي حزم الإشعاع تضيء ليل التخلف في عقول العملاء وحلف الصهينة الإخواني التكفيري.