لطبيعتها الهادئة.. وذكائها الذي ساعد علي سرعة استجابتها للتدريبات.. ولأنها ضالة قضت عمرها البالغ قرابة الثلاث سنوات تتسكع في شوارع موسكو، فقد اكتسبت القدرة علي احتمال الجوع والعطش والعيش في أقسي الظروف.. وهي مقطوعة من شجرة، إذ ليس لها من يحزن أو يسأل عليها،.. ولكونها أنثي فلا تحتاج أن ترفع إحدي ساقيها الخلفيتين عند التبول.. تلك الأسباب كانت قد تآمرت مع القدر للإيعاز إلي العلماء السوفيت باختيار 'لايكا' دون سائر بني جنسها لتكون أول كائن ثديي ينطلق في رحلة 'خارج' الغلاف الجوي ليدور حول الأرض في الثالث من نوفمبر عام 1957 علي متن مركبة الفضاء السوفيتية 'سبوتنيك 2'. ومنذ عام 1951 أشرك السوفيت اثني عشر كلباً آخرين في مهمات فضائية كانت جميعها 'داخل' الغلاف الجوي للأرض، عاد منهم ثمانية سالمين، بينما لقي أربعة حتفهم بسبب أخطاء تتراوح بين قلة الخبرة وسوء التقدير لدي القائمين علي البرنامج الفضائي. في حين كانت 'لايكا' هي الوحيدة التي زجوا بها في سفرية يوقنون أنها الأولي والأخيرة بالنسبة لها، حيث تنعدم فرصة العودة أو النجاة منها.. فإن بقيت الكلبة علي قيد الحياة طوال الرحلة ستتحول إلي رماد مع اختراق الكبسولة التي تحملها للغلاف الجوي العلوي للأرض في النهاية أثناء عملية الهبوط. لدرجة أنهم خططوا لوضع السُم بكميات بسيطة في طعامها حتي تموت قبيل وصولها إلي الأرض كنوع من أنواع 'القتل الرحيم'.. فإذ بالمفاجأة أن 'لايكا' لم تحتمل سوي بضع ساعات من انطلاق 'سبوتنيك 2' فقضت نحبها لتستريح إلي الأبد بعد أن أدت مهمتها التي استسلمت لها.. وتظل البقية الحية من الضمير البشري تنعيها، وتدين لها بالفضل، وتتألم لنهايتها المأساوية. هلكت 'لايكا' شهيدة للعِلم، ولتقدم الإنسانية.. وفداءً لجميع البشر الذين تلوها في ارتياد الفضاء، وكان أولهم مواطنها 'يوري جاجارين'.. راحت 'لايكا' ضحيةً لرغبة 'نيكيتا خوروشوف'المحمومة أن تفوز بلاده في سباقها الجنوني مع الولاياتالمتحدة نحو غزو الفضاء. لكن العالم لم ينسَ 'الكلبة لايكا'.. أصدروا طوابع بريد تحمل صورها، وأطلقوا اسمها في شتي المجالات، كما تضمنتها الجدارية المنحوتة في النصب التذكاري العملاق لغزاة الفضاء بموسكو، والذي شُيد داخل قاعدته مُتحف تاريخي لعلوم الفضاء وتطورها. وفي ربيع 2008 أُزيح الستار عن تمثال برونزي بارتفاع مترين، يجسد الكلبة لايكا تعتلي قمة صاروخ، بينما يحيط بها من أحد الجوانب ما يشبه أصابع كف الإنسان، وقد تم نصبه بجوار مرفق الأبحاث العسكرية بموسكو حيثما أعُدت رحلة 'لايكا'. كم أنت وفي أيها الإنسان.. تحترم الكلاب، وتقدر ما قدموه من أجل أن تحيا عظيماً كريماً.. فهل فعلت نفس الشيء مع صناع أعظم حضارات الأرض منذ التكوين؟!! [email protected]