في 23 يوليو 1990، ومع الذكري الثامنة والثلاثين لثورة يوليو الناصرية جري افتتاح المخيم الأول للشباب القومي العربي في مركز عمر المختار في الخيارة – البقاع الغربي. وذلك تنفيذاً لقرار اتخذه أول مؤتمر قومي عربي خلال انعقاده في تونس في ربيع العام ذاته، وتأكيداً علي ضرورة تلازم العمل القومي بين أجيال الأمة كافة، وإدراكا بأن مستقبل العروبة كهوية تنطوي علي مشروع للنهوض والتقدم مرهون بدور الشاب في حمل رايتها وخوض معاركها، خصوصاً إن الشباب، كما قال يوماً جمال عبد الناصر مفجّر ثورة يوليو، هم 'نصف الحاضر وكل المستقبل'. كانت فكرة الاحتضان المستمر لهذه المبادرة الشبابية، كما لمبادرات مماثلة من مخيمات وندوات ومنتديات ترد بوضوح علي كل الذين يتهمون التيار العروبي في الأمة بالترهل والشيخوخة والعجز، فإذا بمخيمات الشباب، وقد خرج منها وعلي مدي ربع قرن بعض أبرز القيادات الشبابية التي لعبت دوراً في ساحات الحراك الشعبي العربي وميادينه قبل أن يتم اختطاف هذا الحراك ويتم حرفه عن مجراه الأصيل، بعد أن ثبت للجميع أن الشباب الثاثر يمتلك الإرادة والتصميم علي تحريك مستنقعات الفساد والاستبداد والتبعية الآسنة، ولكنه لم يكن يمتلك بعد الوضوح الفكري، والخبرة السياسية، والوعاء التنظيمي الملائم، فرأينا ما رأيناه من تخبط وغلو وتطرف بل وتوحش ما زلن ندفع ثمنه دماً ودماراً وخراباً وتشويهاً لتراثنا الروحي وتمزيقاً لنسيجنا الوطني والقومي... من هنا فأهمية استمرار هذه التجربة الشبابية المميّزة علي مدي ربع قرن، بما فيها السنوات الخمس الماضية بكل ما فيها، وان تنعقد في موعد سنوي مع ثورة مصر التي قادها جمال عبد الناصر، هو فعل إيمان وتصميم علي التمسك بالأمل الذي كان ناصر أحد ابرز باعثيه في العصر العربي الحديث، وعلي التشبث بالمبادئ والاهداف التي خرجت من اجلها الملايين رغم كل ما واجهته وتواجهه من عوامل الاحباط والتيئيس والتجويف والتشويه.. ان أكثر من 150 شاباً وشابة من 16 بلداً عربياً من مغرب الوطن الكبير ومشرقه، من مشارب سياسية وتنظيمية متنوعة، سيلتقون علي مدي أسبوعين في 'دار الحنان'، المؤسسة المتكاملة مع مركز عمر المختار، وفي الموعد ذاته مع ثورة 23-26 يوليو المجيدة، وبعد ان جسدّوا بتجربتهم الرائدة وحدة شباب الأمة علي طريق وحدة الأمة، وأكدوا بانتقالهم من بلد عربي إلي آخر علي ان بلاد العرب للعرب وأن الارادة الوحدوية أقوي من كل الحواجز والقيود. ان المخيم الرابع والعشرين المنعقد في لبنان، بعد ان انعقد في اليمن والاردن وتونس والمغرب ومصر وسوريا والجزائر والعراق والسودان وليبيا، هو خير تعبير عن علاقة لبنان بالعروبة، حيث تغتني العروبة بالتنوع اللبناني والاصرار اللبناني علي احترام الآخر، انتماءاً أو رأياً أو جماعة أو حزباً، تماما كما يغتني لبنان بعمقه العربي، وهو عمق ثقافي واستراتيجي وحضاري واقتادي شكل مصدر قوة دائم للبنان، كما شكل لبنان، رسالته ومقاومته بوصلة هامة للعروبة بأسرها. واللافت أيضاً في هذا المخيم هو الاقبال الشبابي الفلسطيني من الداخل بما يظهر عمق الالتزام القومي لدي شعب فلسطين الذي يدرك يوماً بعد يوم انه ما استهدف يوما في ارضه وحريته واستقلاله الا من اجل استهداف الأمة كلها، وما استهداف الأمة اليوم باكبر اقطارها إلا من اجل تصفية الحق الفلسطيني وتشريد اهله إلي اخر اصقاع الدنيا. فتمسك شباب فلسطين بعروبتهم هو تأكيد علي سلامة الانتماء القومي الذي يتوهج كلما اقتربنا من فلسطين، ويخفت كلما ابتعدنا عنها. بل ان هذا المخيم تأكيد علي حيوية الحركة القومية العربية المعاصرة وثباتها، بكل تياراتها وقواها وتنظيماتها الملتزمة بالمشروع النهضوي العربي الذي اطلقه مركز دراسات الوحدة العربية في ذكري الوحدة المصرية – السورية ' 22 شباط / فبراير 2010' ونبتت علي جوانبه مؤتمرات ومبادرات وملتقيات ومنتديات تواصل وتضامن. بل هو تأكيد علي شبابها ومستقبلها في آن. لقد راهن الكثيرون علي سقوط العروبة وحركتها القومية في ظل أخطاء وخطايا وقعت بها انظمة وتنظيمات حملت رايتها فلم تحم أنفسها من خلل وزلل زعزع ركائزها، ولكن أثبتت العروبة ان الافكار لا تموت حتي ولو ذبلت اغصان حامليها، وان الهوية لا تزول مهما تكاثر حولها مفكروها، بل ان العروبة بالذات باتت اليوم الهوية الجامعة في زمن العصبيات المدمرة، والانقسامات الدموية والفتن المتنقلة، بل باتت بمشروعها النهضوي الفكرة الحاملة لهموم الأمة وامالها والحركة الاقدر علي مواجهة التحديات بعد ان بات عجز كل المشاريع التي قدمت نفسها بديلاً عنها، كالمشروع القطري بيمينه ويساره، وكالمشروع الطائفي بعصبياته المذهبية. واذا كانت المخيمات السابقة قد رسخت روابط الأخوة وأرست قواعد الحوار الفكري بين الشباب، ونسجت وشائج التعارف بينهم، وعرفتهم علي معالم اقطارهم معلماً معلماً، وبات للالاف منهم اصدقاء في كل قطر، فان للمخيمات القادمة، كما لمنتديات التواصل الشبابي التي انعقد فيها خمس ندوات فكرية شبابية حتي الآن، مهمة جليلة هي استخلاص الدروس من التجارب الغنية التي تمر بها الأمة بأجيالها كافة، وصياغة الرؤي الفكري والنضالية الكفيلة بترجمة احلام المشروع النهضوي إلي حقائق ووقائع. انه موعد شباب الأمة مع قائد الأمة في ذكري ثورته المستمرة رغم كل الارتدادات والعثرات والنكسة، بل موعدهم مع آمال امتهم في ان تخرج من أتون الفتنة إلي رحاب الوحدة، ومن نيران الاحتراب الملتهبة إلي فضاء السلام الحقيقي الذي لا يعرف إلا الحرب مع العدو الغاصب للارض والمقدسات، ومن مخططات التقسيم والتفتيت والتجهيل والافقار إلي مشاريع الوحدة والتنمية والاستقلال والعدل.