يعتقد العديد من المحللين السياسيين أن الجزائر، التي تتمتع بموقع استراتيجي هام وتتمتع بثروات من الغاز والنفط، هي علي قائمة الدول التي يخطط لتفجير أحداث فيها علي غرار ما جري في مصر وليبيا وتونس واليمن، وما يجري في سوريا الآن، حيث إن قوي دولية غير عربية تعمل بهذا الاتجاه، والغريب في المسألة أن وسائل الإعلام العربية لدي عدة دول لديها معلومات عما يتم التحضير له، إلا أنها تتجاهلها خبرًا وتحليلاً.. فقد بقيت معركة تخريب الجزائر مؤجلة حتي الآن، لم تهب عليها رياح التحالف الإمبريالي الإسلاموي بعد، ولكن ليس إلي الأبد.فلم تفلح الانتفاضات فيها في العامين الآخيرين في حشد دعم شعبي واسع لتغيير النظام، وفشل الاسلاميون في الحصول علي أي نفوذ.. ولأن الجزائر ليست مثل سوريا، فيصعب افتعال صراع مسلح فيها بدون عامل خارجي. والسؤال: لماذا الجزائر؟ ولماذا في هذا التوقيت؟! إن الجزائر، بما تمثله من ثقل في محيطها العربي والأفريقي تمثل بوابة الوجود العربي والقومي في القارة الأفريقية، كما أن للجزائر دائمًا مواقفها المميزة تجاه القضايا القومية، وهي وقفت إلي جانب سوريا في معركتها ضد مؤامرة الشرق الأوسط الكبير، كما أن للجزائر موقفها المتوازن تجاه الأزمة في سوريا في المنظمات العربية والدولية، ظهر ذلك في الجامعة العربية برفضها التفريط بحقوق سوريا بإعطاء مقعدها إلي ميليشيات إرهابية، في ظاهرة غريبة في تاريخ العلاقات الدولية والمنظمات الدولية، وهذا ما أثار حفيظة الجوقة القطرية السعودية الخليجية وقبلها الأمريكان والصهاينة، فكانت هذه الحملة الإعلامية التي تشكل بداية لاستهداف هذا البلد الشقيق الذي أخذ يوضع في بؤرة ماكينة الإعلام الغربية، ما يعيد إلي بداية حرب العراق عام 2003، وبدايات تلفيق الأكاذيب علي سورية، مما يشير إلي ما قد تواجهه الجزائر، البلد الذي قدم مليونًا ونصف المليون شهيد في حرب التحرير ضد فرنسا في ثورة هي واحدة من أعظم ما عرفه التاريخ الإنساني. وفي سياق هذا الهجوم علي الجزائر وسياساتها، التي تحظي بعدم الارتياح الأمريكي والصهيوني، بدأ الإعلام غربي الهوي، والمتمثل بفضائيتي 'الجزيرة' و'العربية' ينحو المنحي ذاته في بث السموم والتحريض وافتعال الأحداث في الجزائر بذريعة الدفاع عن الشعب الجزائري، وتحت عناوين الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان في هذا البلد العربي، إضافة إلي فضائيات أخري مثل 'الفضائية المغاربية' وفضائية 'العصر'، تعمل علي تشويه الحقائق بشكل لا يتفق مع تضحيات الشعب المجاهد في الجزائر، والإساءة إلي هذا الشعب، ما يدعو للشك والريبة أن ثمة ما يخطط للجزائر، وأن مؤامرة مدعومة من قبل حلف الناتو وبعض الأنظمة الخليجية والصهيونية العالمية تعد للبلد الذي قاد في فترة سابقة نضال العالم الثالث في سبيل عالم أكثر عدالة. وربما تشكل تصريحات 'بنيامين نتينياهو'، في وقت سابق، والتي قال فيها: 'لازلنا نرغب بانضمام دول عربية أخري لقافلة السلام، يفهمون قصدنا ونفهم قصدهم، وقد لمسنا التحول في تغييرات الربيع العربي'. ما يدل علي أن إسرائيل تريد ضم دول عربية أخري لقطار 'الربيع العربي'، الذي تتزايد القناعة بأن المسار الذي فرض عليه يصب في خانة المصالح 'الإسرائيلية' الأمريكية، وربما تكون الجزائر هدفًا للربيع الذي خطط له 'برنار ليفي' ومن هم علي شاكلته. فالصهيوني 'برنارد ليفي' الذي يطلق عليه 'مهندس الربيع العربي وثوراته' جاء علي لسانه في محطة تلفزيونية عربية، أنه 'يأمل ويدعو كي تتحقق أحلام الحرية في الجزائر'، وكأن الجزائريين اشتكوا له حرية مفقودة، زاعمًا أن النظام في الجزائر هو نظام يسد الأفواه، ويمنع حرية التعبير. وبالمناسبة فإن 'ليفي' هذا ولد في الجزائر لعائلة يهودية ثرية عام 1948 إبان الاحتلال الفرنسي، وقد شوهد في ميدان التحرير في مصر أثناء انتفاضة الشعب المصري ضد الرئيس الأسبق 'حسني مبارك'، وشوهد في ليبيا في بنغازي، حيث ألقي خطابًا أمام المحتجين والمتظاهرين ضد الزعيم الراحل 'معمر القذافي'، وحضر مؤتمرًا للمعارضة السورية في باريس، وهو الذي امتدح جيش الحرب الصهيوني، واعتبره الأكثر أخلاقية في العالم، وذلك خلال افتتاح مؤتمر 'الديمقراطية وتحدياتها' في تل أبيب في شهر أيار من العام 2010 عندما قال: 'لم أر في حياتي جيشًا ديمقراطيًا كهذا، يطرح علي نفسه هذا الكم من الأسئلة الأخلاقية، ثمة شيء حيوي بشكل غير اعتيادي في الديمقراطية الإسرائيلية'. وكان 'ليفي' قد تحدث في وقت سابق، وانسجامًا مع أفكاره الصهيونية، في التنظير للربيع الذي يرعاه، عن التركيبة السكانية في الجزائر، عازفًا علي وتر الفتنة بالحديث عما وصفه ب'كيان أمازيغي مستقل' في الجزائر، متجاهلًا أن الأمازيغ مكون من مكونات شعب الجزائر، وهم ينتشرون في مناطق جغرافية كثيرة، وليس في منطقة واحدة، محاولًا اللعب علي وتر العرقية، بغرض تفجير اقتتال أهلي يأكل الأخضر واليابس، بخاصة أن الجزائر دولة شاسعة المساحة، ومترامية الأطراف، فهي أكبر بلد أفريقي وعربي مساحةً، والعاشرة عالمياً، وتطل علي البحر الأبيض المتوسط، وتشترك في حدود مع دول تعيش حالة من الفوضي والاضطراب، 'تونس، ليبيا، مالي' ما يسهل دخول السلاح، كما أن مدنها الرئيسية متباعدة 'الجزائر العاصمة، قسنطينة في الشرق، وهران في الغرب'. وعلي نهج التحريض الذي يسلكه 'ليفي'، تشير التقارير التي نشرت في بعض الصحافة الأمريكيةوالغربية مؤخرًا إلي أن القوي الغربية، ولاسيما الولاياتالمتحدة، غير مرتاحة بالمرة لموقف الجزائر من الأزمة السورية التي تم تفجيرها لتأخذ بعدها شكل حرب كونية شرسة علي سورية لإسقاط القلعة العربية الأخيرة بوجه مخططات الهيمنة علي المنطقة ورسم خرائطها استنادًا 'للفوضي الخلاقة' التي تقوم علي تفتيت كامل المنطقة العربية لإيجاد شرق أوسط جديد علي مقاس المصالح الإسرائيلية الأمريكية، فعلي سبيل المثال سبق لصحيفة 'الفيغارو' الفرنسية أن نشرت في عددها الصادر يوم 6/4/2013 ما مفاده أن 'الولاياتالمتحدةالأمريكية لا زالت تشعر أن موقفي العراقوالجزائر يثيران الاستغراب تجاه القضية السورية'. وهذه المواقف لا يفهم من مضمونها إلا أنها إنذارات مبطنة، بل وعلنية في بعض الحالات، لدولة عربية محورية في شمال أفريقيا والمتوسط، تقاوم وتعارض الهيمنة الاستعمارية، وترفض تحذيرات توجهها أمريكا وحلفاؤها في المنطقة، لتتخذ موقفًا يناقض قناعاتها تجاه سورية، التي سلب حقها المشروع في الجامعة العربية بحجج واهية ليعطي مقعدها لعملاء وأتباع للغرب. ونلفت هنا إلي ما قاله رئيس وزراء ووزير خارجية قطر الأسبق 'حمد' في أحد اجتماعات وزراء الخارجية العرب بشأن الأحداث الجارية في سوريا لمندوب الجزائر الذي تحفظ علي ما اتخذ بشأن الأزمة السورية، وما اتخذ من قرارات جائرة ومستعجلة، قال له: 'يجب عليك ألا تتحفظ بهذا الشأن، وأن توافق علي كل ما تقوله هنا وتقرره لأن بلادك 'يقصد الجزائر' تقف علي الدور بالنسبة لما يجري في المنطقة العربية من أحداث وتغيرات'. ما يدل دلالة قاطعة علي ضلوع قطر والسعودية وغيرهما من دول الخليج بما يحصل في المنطقة من تدخلات خارجية لإعادة رسم خريطة المنطقة من جديد بما يتلاءم مع المصالح الأمريكيةوالغربية بشكل عام، كما أنه تهديد واضح ومبطن للجزائر ولغيرها من الدول التي كانت تلمس الدور القطري في كل ما يجري في الوطن العربي من أحداث. والمفارقة اللافتة حقًا أن يجد هذا الهجوم من الغرب وبعض الأنظمة العربية، صدي له في 'إسرائيل' والإعلام الإسرائيلي، فصحيفة 'هآرتس' الصهيونية نشرت مقالًا بقلم الصحفي الإسرائيلي 'شلومو هليل' جاء فيه: 'علي الجزائر أن تعلم أن الربيع عليها قادم لا محالة'، في لغة تحمل التهديد والوعيد للجزائر، التي يراد منها، وبوضوح، أن تغير موقفها وتسير في ركاب الهجمة علي سوريا. ذلك كله يؤكد أن الجزائر، بما تمثله عربيًا وإفريقيًا وبما لها من ثقل بين البلدان النامية، مستهدفة في إطار محاولات تفجير المنطقة العربية، لاسيما أنها بلد نفطي وغني بالفوسفات، وفي هذا السياق تم تسريب مخططات تتحدث عن تفكك بلدان المغرب العربي إلي أكثر من 15 دولة بسبب تداعيات الظروف الداخلية والمناخ الدولي والنزعات الانفصالية. يقول الكاتب الصحفي 'أنور مالك'، وهو ضابط سابق في الجيش الجزائري في حديث صحفي له: يمكن التأكيد أن الشمال الإفريقي عمومًا مقبل علي هزات عنيفة لا تحمد عقباها، ما دامت ثروات النفط تسيل الدم واللعاب، فحيثما يكون النفط كنا نري الاحتلال، واليوم نجد ما يسمي بالإرهاب، وغدًا قد نعيش الحروب الأهلية والنزعات الانفصالية.. إن الحدود الموجودة اليوم هي استعمارية، وترسيمها تم وفق أجندة الخارج، وهذا الترسيم سيعيد الاستعمار من النافذة، وإن ترك الحبل علي الغارب سيعيده من السقف، أما الهروب إلي الأمام فسينبته كالفطر من الأرض، إن لم يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان. ويجمع عدد من الخبراء والمحللين السياسيين والعسكريين والعاملين في مراكز أبحاث عربية وأجنبية علي أن منطقة المغرب العربي بأسرها تقف علي كف عفريت أو فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة إن لم تعِ دول وشعوب المغرب العربي أبعاد الأزمة وخلفياتها والعوامل التي تحركها، وما حدث في الثمانينيات في الجزائر من عنف وأحداث دامية دليل واضح علي وجود تربة خصبة وعوامل مغذية للعنف. لقد خسرت الولاياتالمتحدةالأمريكية الكثير في المنطقة وخارجها نتيجة سياساتها المعادية للشعوب، ونتيجة للانحياز المطلق للعدوان الإسرائيلي، وترك المجال واسعًا للوبي الصهيوني ليسيطر علي القرار الأمريكي، ومسارعتها للمشاركة في محاولات تدمير الدول العربية تحت تسميات 'الربيع العربي'، الذي تم استغلاله ليكون ترجمة لمشروعات الشرق أوسطية، الرامية لتفكيك المنطقة وإخضاعها لهيمنة 'إسرائيل اليهودية'، ودولة قوية، ولهذا فلا غرابة إذا قامت الجوقة الأمريكيةالقطرية السعودية التركية باستهداف الجزائر مستقبلًا في جزء من مخطط إخماد صوت الشعب العربي المعادي للامبريالية والصهيونية، لكن الجزائر، الحية، ستقاوم مشروع الهيمنة هذا، والذي لابد أن يسقط، مهما كانت القوي التي تقف وراءه، كما سقطت كل أحلام الغزاة علي أسوار القلاع العربية المقاومة.