جاءت تصريحات أحد مسئولي صندوق النقد الدولي التي انتقد فيها قرار الحكومة المصرية بتأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية علي التعاملات في البورصة لتثير غضب الكثيرين في الأوساط الاقتصادية، واعتبره البعض استفزازًا وتدخلًا غير مسموح به في الوقت الحالي. وإذا كان صندوق النقد قد اعتاد في عهود سابقة التدخل في السياسات الاقتصادية المصرية، بل ممارسة الضغوط وفرض الإملاءات، فإن هذا كان يتم بسبب سعي الحكومات السابقة للحصول علي قروض من الصندوق، الذي كان يشترط إصلاحات وإجراءات محددة للموافقة علي منح أي قروض لمصر. ولكن هذا لم يعد مقبولًا في الوقت الحالي، خاصة أن مصر لم تعد في حاجة لقروض الصندوق وأن أي إجراءات أو إصلاحات اقتصادية تزمع الحكومة الحالية تنفيذها تكون من خلال حوار مجتمعي مع جميع الأطراف، وهذا ما تم في ضريبة البورصة حيث تم عقد لقاءات مع ممثلي سوق المال وتم الاستماع لوجهة نظرهم فيما يتعلق بالتأثيرات السلبية لضريبة الأرباح الرأسمالية، وبناء علي ذلك تم اتخاذ القرار بالتأجيل. والتجارب السابقة لصندوق النقد الدولي مع الاقتصاد المصري ارتبطت في أذهان المصريين بالغلاء وارتفاع الأسعار وفرض مزيد من الضرائب وزيادة الأعباء، ومصر لم تلجأ لصندوق النقد الدولي منذ انضمامها لعضويته في 1945 سوي ثلاث مرات.. أحدها في عهد السادات ومرتان في عهد مبارك. وآخر مرة لجأت فيها مصر للصندوق كان في عهد حكم الإخوان عام 2013 حيث طلبت الحكومة 4.8 مليار دولار ولكن لم يتم استكمال المفاوضات بعد ثورة 30 يونية. وهذا الأسبوع تبدأ زيارة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر لإجراء مشاورات مع مسئولي المجموعة الاقتصادية والبنك المركزي والتعرف علي المعطيات الجديدة في الاقتصاد المصري. وتأتي هذه الزيارة في ظل تغييرات عديدة طرأت علي المجتمع المصري عقب ثورة 30 يونية.. والمؤكد أن هذه المتغيرات سيكون لها تأثيرها علي علاقة مصر بالصندوق الذي لم يعد يمتلك 'الروشتة' التي يمكن من خلالها علاج أزمات الاقتصاد المصري.. وليس كل ما يقوله أو يطلبه الصندوق يُعَدُّ إصلاحًا، بل قد يؤدي الخضوع والرضوخ لمطالب الصندوق لحالة غضب شعبي كما حدث في 18 و19 يناير 1977 بعد أن وافقت مصر في عهد الرئيس السادات علي شروط الصندوق واتخذت مجموعة من القرارات الاقتصادية التي أدت لارتفاع الأسعار وانتفض المصريون اعتراضًا علي تلك القرارات، ولم يجد الرئيس السادات مفرًّا من التراجع عن هذه القرارات لتفادي الغضب الشعبي. وزيارة بعثة صندوق النقد الدولي لمصر هذه المرة تأتي في إطار علاقة جديدة وفي ظل دعم كامل ومساندة من المصريين لرئيسهم عبد الفتاح السيسي.. وثقة تامة بأنه لن يتم اتخاذ أي قرارات إلا إذا كانت في صالح المواطن البسيط.. وبما يدعم الاقتصاد المصري. لقد انتهت وصاية صندوق النقد الدولي علي الاقتصاد المصري.. وانتهت سياسة الإملاءات وفرض الشروط.. وإذا كان البعض يري أن العلاقة مع صندوق النقد الدولي مهمة باعتبار أن ذلك يُعَدُّ شهادة للاقتصاد المصري فإن هذه العلاقة ينبغي أن تقوم علي التفاوض والتنسيق وليس علي أساس الوصاية وفرض الإملاءات.. وهذا ما أتوقع أن يجري خلال الزيارة التي ستقوم بها بعثة الصندوق لمصر الأسبوع الجاري حيث ستجري المفاوضات مع ممثلي الصندوق مع منطلق قوة الموقف المصري.. فالاقتصاد المصري حاليًا يشهد تطورات إيجابية خاصة بعد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي والوجود العالمي بالمؤتمر وحرص كبري الشركات العالمية علي المشاركة وبدء تنفيذ بعض البروتوكولات التي تم توقيعها في هذا المؤتمر.