فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، حضرة صاحب السموّ الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، أصحاب الجلالة والفخامة رؤساء الدول والحكومات، معالي الدكتور نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، حضرات المدعوين ، السيدات والسادة، أشكر الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومة جمهورية مصر العربية لدعوتي لمخاطبة قمة جامعة الدول العربية هذه التي تُعقد في هذا الوقت المحوري. وأتمني من كل قلبي أن تواجه عدة تحديات و قضايا لهذه المنطقة تحت القيادة المقتدرة للرئيس السيسي. كما أود ان اغتنم الفرصة للتعبير عن عميق تقديري لسمو أمير الكويت لقيادته كرئيس للدورة السابقة لجامعة الدول العربية خلال السنة الماضية. السيدات والسادة، قبل أربع سنوات خلت، هبّ جيل من العرب في وجه الاستبداد.وفي العام الماضي، آتي هذا الجهد ثماره في تونس. لقد أصبحت تونس مثالا يحتذي في المنطقة وخارجها. بيد أن الهجمة الإرهابية التي شهدتها تونس العاصمة مؤخرا أبرزت حقيقة أن المتطرفين يستهدفون الأبرياء و أيضا العملية الديمقراطية الهشة نفسها. واليوم تسبب الحروب و العنف في المنطقة و كذلك الاعمال الإرهابية البغيضة، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الذي لا تبدو له نهاية، معاناة هائلة. و يتجاوز تأثير هذه التهديدات العالم العربي. فهي تشكل خطرا مباشرا علي السلام والأمن الدوليين. ولكي لا تستمر هذه الاتجاهات، علينا أن نعالج الأسباب الجذرية للتطرّف والعنف. وحتي لما نكون بحاجة للحلول الأمنية فإن الاعتماد علي المقاربات العسكرية لوحدها لايمكن ان يحل هذه المشاكل. و الحلول الأمنية يجب أن تتم بشكل يحمي حقوق و كرامة الانسان. ان محاربة التطرف مع الوقوع في الانتهاكات ليس خطأ فقط، بل هو غير مجد و ذو نتائج عكسية. واينما جرب ذلك وجدنا أن التطرف ازداد جذبا في الواقع. ففي غياب الحكم الرشيد، وسيادة القانون، واحترام حقوق المرأة وكل حقوق الحقوق الإنسان، سيظل الاستقرار السياسي الطويل الأجل محض سراب. أصحاب الجلالة والفخامة، أصحاب السعادة، السيدات والسادة، ما من مكان تتجلّي فيه مشاكل الحكم الرشيد والتطرّف بصورة أكثر إلحاحا مما عليه الحال في سورية. لقد دخل الشعب السوري السنة الخامسة من الحرب التي مزّقت البلد تمزيقا. وإنني اليوم إذ أخاطب قيادات العالم العربي المبجّلة، أعترف لكم بأنّي أشعر بالغضب وبالعار. أشعر بالغضب لمشاهدة الحكومة السورية والجماعات المعارضة والإرهابيين وهم ماضون في تدمير بلدهم بلا هوادة. أشعر بالعار لأنني أتحمل قسما من وزر الفشل الجماعي للمجتمعَين الدولي والإقليمي في التحرك الحاسم لوقف المجزرة التي إبتلي بها الأخوة و الاخوات العرب في سورية. إن الأزمة آخذة في الانتشار بسرعة لا يضاهيها سوي السرعة التي تتآكل بها مصداقيتنا. ان الشعب السوري يتم خذلانه، ولا يمكن لهذا الوضع أن يستمر. وإنني بصدد إصدار تعليمات إلي مبعوثي الخاص، ستافان دي ميستورا، بأن يكثف جهودنا السياسية، وأن يجري مشاورات موسّعة مع أعضاء مجلس الأمن و في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك مع الأطراف السورية نفسها. وعلي وجه التحديد، سيعمل مع فريقه لتفعيل وبلورة عناصر من بيان جنيف. وإنني أدعو لأن نتحرك في تنفيذ بيان جنيف بشكل جماعي. وإنني أعول علي دعمكم الكامل والعاجل لدي شروعنا في مناقشة كيفية القيام بذلك. إثر هذه القمة هذا، سأحضر المؤتمر الدولي الثالث للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سورية. واني أشكر صاحب السمو أمير دولة الكويت علي قيادته وحسّه الإنساني بالدعوة لعقد هذا الاجتماع الحيوي. كما أشكركم علي ما قدمتموه من مساهمات سخية. وأحثكم علي تقديم المزيد للإستجابة للمعاناة و البؤس الناتجة عن أسوا أزمة إنسانية يشهدها العالم اليوم. إن لبنان ما زال يواجه وضعا فريدا في ظل التأثير المستمر للنزاع السوري، بما في ذلك التهديد المتنامي الذي يشكله تنظيم داعش وغيره. ومع ذلك، ما زال لبنان يجسّد نموذجا للتعايش. وإنني أحث القادة السياسيين اللبنانيين علي تجاوز خلافاتهم السياسية وانتخاب رئيس لسد فراغ في القيادة إمتدّ لأكثر من عام. أصحاب الجلالة والفخامة، أصحاب السعادة، بعد مضي سبعة أشهر من حرب أخري في سلسلة الحروب مع إسرائيل، ما زالت غزة تشكل بؤرة توتر.و الوضع يزداد سوءا يوما بعد يوم. فلا الحصار ولا العمل العسكري قد وفّرا لأي من الجانبين أمانا أكبر. وإنّني أهيب بالجهات المانحة أن تفي بالتعهدات التي أعلنتها في القاهرة في تشرين أكتوبر الماضي. فدعونا نعمل علي إعادة الحياة إلي غزة. إن إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة عمل غير مشروع يشكل عقبة خطيرة تعوق السلام. كما أن عملية السلام العربية - الإسرائيلية تشهد تهديدا إضافيا من جرّاء الأصوات المنادية بإسقاط أو تقويض حل الدولتين الذي أيّده المجتمع الدولي، و تضمنته مبادرة السلام العربية، تلك المبادرة المتبصّرة التي اعتمدتموها في مؤتمر قمتكم لعام 2002. وإنني أحث إسرائيل، مرة أخري، علي إنهاء إحتلال بلغ اليوم ما يقرب من نصف قرن. وأحث الفلسطينيين علي إنهاء انقساماتهم. وأدعو أصدقاء وأنصار كلا الجانبين إلي الدفع باتجاه إيجاد حل عادل ودائم يستند إلي القانون الدولي. أصحاب الجلالة والفخامة، أصحاب السعادة، إنني أعلم مدي قلقكم جميعا بشأن الوضع في اليمن و كلفته الهائلة علي سكان يعانون أصلا. لقد إستمعت هذا الصباح بانتباه لكلمتي صاحب الجلالة الملك سلمان ملك السعودية و صاحب الفخامة الرئيس هادي رئيس اليمن، و إني أقاسمهما تلك المخاوف العميقة. لقد أدنت عديد المرات محاولات الحوثيين و الرئيس السابق صالح تقويض الإتفاقات السياسية عبر القوة العسكرية. وإني أسجل أن عملا عسكريا تم القيام به بطلب من القيادة اليمنية الشرعية و السيادية الرئيس هادي. كما أذكر بالبيان الرئاسي لمجلس الأمن الدولي في 22 مارس الذي حث اليمنيين علي العودة في أسرع و ممكن لمسار سياسي شامل علي أساس حسن النية. إن المفاوضات التي رعاها مبعوثي الخاص جمال بن عمر و صادق عليها مجلس الأمن تمثل الفرصة الوحيدة لتجنب نزاع ممتد و طويل الأمد.و كلي أمل في أن يضع القادة العرب توجيهات واضحة خلال هذه القمة العربية لحل الأزمة في اليمن سلميا. وباتجاه الغرب، من الأهمية بمكان أن نواصل تشجيع الحوار بين الليبيين. فالمحادثات التي تيسّرها الأممالمتحدة تتواصل بين الأطراف الليبية علي مسارات متعددة برعاية ممثلي الخاص، برناردينو ليون. إن الحفاظ علي وحدة ليبيا وسلامة أراضيها أمر أساسي. وفي العراق، أحث القادة علي مواصلة وتعميق جهود المصالحة الوطنية. وإنني أعرب عن تقديري للدعم الذي تقدمه الجامعة العربية لشعب العراق و حكومته في حربهما ضد داعش. وهذا الدعم يعود أيضا بالنفع علي الإستقرار الإقليمي. أما فيما يتصل بالصومال، فإنني أحث جميع الشركاء علي مساندة التقدم السياسي الذي يجري إحرازه في البلد مساندةً كاملة، مع زيادة الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في المناطق المسترَدّة من حركة الشباب. وإن للحوار الوطني أهمية بالغة في السودان أيضا، وإنني أدعو إلي إجراء عملية الحوار في بيئة مؤاتية تتسم بالمصداقية. وتشكل وثيقة الدوحة للسلام في دارفور إطارا جيدا لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع. ويجب أن تتواصل الجهود المبذولة علي صعيد التنفيذ. وفي الختام، أود الإعراب عن سروري لأن أواصر التعاون بين الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية تزداد قوةً دوما، ويجب أن يكون عامُنا هذا عاما للعمل العالمي من أجل تحويل هذا العصر إلي حقبة للتنمية المستدامة والكرامة للجميع. ومع حلول التاريخ المحدد لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، ستكون أمامنا فرصة لاعتماد جيل جديد من أهداف التنمية المستدامة في سبتمبر، ولإبرام اتفاق عالمي ذي مغزي بشأن المناخ في الأول من ديسمبر في باريس. وفي الشهر القادم سندعو بالتعاون مع رئيس الجمعية العامة مختلف الزعماء الدينين لإجتماع خاص في الأممالمتحدة للنهوض بالتفاهم و المصالحة المشتركين. وسيقدم مركز الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب للجمعية العامة في سبتمبر خطة متكاملة لمواجهة الإرهاب و التطرف. وأود في هذا الصدد أن أتوجه بالشكر لصاحب الجلالة الملك سلمان لدعمه السخي لهذه المبادرة. أصحاب الجلالة والفخامة، أصحاب السعادة، السيدات والسادة، وإذ نمضي قدما نحو خطة التنمية لما بعد عام 2015 ونسعي لإيجاد حلول سلمية للنزاعات، دعونا نعزّز ما بيننا من روابط من أجل خدمة سكان هذه المنطقة ونشر الأمن في عالمنا. شكراً لكم.