فاجأني أخي الحبيب 'سامي' صديقي ورفيق دربي بالرحيل عن دنيانا السبت قبل الماضي. ودع الدنيا في ثوان. لم أصدق أن يأتي الموت علي هذه الصورة الهادئة. إنها المرة الأولي التي أشهد فيها تجسيدا لطلوع الروح. لم تكن هناك مقدمات لرحيله، لم يكن مريضا أو طريح الفراش، وإنما كان يجلس معي نتداول الرؤي حول مسارات الأحداث في مصر والعالم العربي. فجأة مال برأسه إلي الأمام كما لو كان يركع للصلاة مرددا سبحان ربي العظيم. وفي ثوان أسلم الروح للخالق. فاضت روحه إلي بارئها وارتسمت علي وجهه السكينة. عمله الخير مكنه من أن يلقي ربه في هدوء وبدون مشقة، لقد أحسن لله خاتمته بما كان يفعله في حياته، فنال هذه الخاتمة التي يتمناها كل مسلم. رحيله غمرني بالحزن والأسي، فالفقد كبير ولا يمكن لأحد أن يعوضه. تجرعت مرارته بعد أن سلب مني الموت أعز إنسان وأغلي صديق لحياتي. رحل وتركني في صراع مع آلام الفراق وعذابات الحزن. تركني في هذه الدنيا الفانية وقسوة الحياة.كان أخي ربيعا لعقلي ونورا لحياتي، وعندما رحل غاب الضوء وحل محله ظلام دامس، فأصعب لحظة في حياة المرء فراق الأحبة ولهذا أحسست بفقده وكأن الزمن قد توقف وباتت الحياة من حولي ضبابية كئيبة بعد أن غلفها إحساس الفراق. كان رحمه لله إنسانا نقيا محبا للخير، جمع فأوعي بين الطهر والوفاء والصدق والمحبة والزهد.كان قمة في التواضع، مثاليًا في تعاملاته يضفي الحب والعطاء علي الجميع. كانت القيم تحكم تصرفاته كإنسان وطد نفسه علي فعل الخير بعد وجه دوافعه وكرس مشاعره الرطبة الندية تجاه الآخرين. ملك آفاقا واسعة وبحارا عميقة من المثاليات في تواصله مع الآخرين، فلقد كان مهموما بغيره. ولهذا كان بإمكان المرء فيما إذا أبحر داخل ذاته وسبر أغواره أن يكتشف بسهولة عالمه المترع بالشفافية والنقاء. ولهذا بدا عندما رحل وكأنه نجم غاب عن الدنيا. يوم أن توفاه لله عدت من المدفن أحدث نفسي: هل سأراه ثانية وأجلس أمامه استمع لآرائه ونظراته لما يجري من أحداث في محيط هذا الكون؟ عزائي أنه الآن يضيء الجنان ويكفيه الذكري التي خلفها للآخرين عبر غرسه شتائل الأمل في نفوس كل محتاج. ولهذا ستبقي ذكراه شذي يعطر كل الأماكن وكل القلوب. ولا أملك إلا أن استدعي هنا قول لله سبحانه وتعالي: 'يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلي ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي'. أسأل لله أن يمن علي بنعمة الصبر والنسيان. وإن كانت ذكراه العطرة ستظل معي دوما والذكري للإنسان عمر ثان. الحياة تمضي وقد يختفي خلالها أجمل وأرق المعاني في حياتنا ولكن يظل هناك نبض المودة والحب حيال من ارتبطنا بهم وعاشوا معنا. واليوم لا سبيل أمامنا إلا أن نحمد لله علي قضائه وقدره، فهو المعطي والآخذ سبحانه. وعليه نقول: 'إنا لله وإنا إليه راجعون'....