قد يصاب البعض بالدهشة من وضع قطر إلي جانب تركياوأمريكا.. واعتبارهم محورا واحدا.. بما يعني وجود عوامل تقارب.. وتفاهمات.. ومصالح.. وتفاعل.. ودولة قطر دولة 'متناهية الصغر' لا يزيد تعداد مواطنيها علي 200 ألف نسمة.. ولكنها من سعي لذلك.. وبذل الجهد والمال للتقارب مع الكبار.. والتشبه بهم.. ولو كان السبيل إلي ذلك السير في ركابهم.. وتنفيذ رغباتهم.. وفي السنوات الأخيرة اندفعت قطر في كل اتجاه.. غير مبالية بما يمكن أن يطالها.. فدفعت بأموالها 'رشي وسلاحا' في كافة الأزمات والمشاكل التي عانت وتعاني منها المنطقة.. ويبدو للمتابعين أنها تنفذ أجندة ليست لها.. وتندفع إلي مجالات لا تعرف شيئا عنها.. وتضع نفسها في غير مواضعها.. وكأن الشيطان هو من يقود خطاها إلي حيث لا تريد ولا يريد لها أحد.. المفكر السعودي د.سعيد السريحي صرح للصحف المصرية بأن قطر تعاني من اشكالية في داخلها.. وهي ليست كتلة واحدة كما يبدو، أو تيارا واحدا متسقا، وباتت سياستها غير مفهومة.. ومن المؤكد أن التغيُّرات الداخلية التي جرت مؤخرا وانتقال السلطة من الأمير حمد إلي ولده ليست مجرد تغيير للسلطة أو تنازل طوعي.. وانما هي محاولة لإخفاء شيء ما داخلي.. أو بمعني آخر محاولة لغض النظر عن توتر داخلي.. وهنا يمكن القول إن 'دولة قطر هي الخطر علي دولة قطر'.. ولعل المتابع يلحظ أن السياسة الخارجية القطرية لا تمثل المصالح العربية ولا حتي المصالح القطرية.. فليس من مصلحة أي دولة في الخليج التحالف مع الإخوان.. والحقيقة أن قطر لا يمكنها لعب دور في تغيير سياسات أو توجهات دول وحكومات المنطقة.. لأنها ببساطة مجرد آلة إعلامية للولايات المتحدة ومخطط الشرق الأوسط.. وأقصي ما تستطيع فعله هو التأثير علي سياسة جماعة بعينها أو دعم حزب بعينه.. وبالتالي فإن ما تخطط له قطر بأن تحشر نفسها وسط 'الكبار' مصر والسعودية.. وبأن تكون معادلا للنفوذ السعودي من خلال دعمها للإخوان هو نوع من الوهم المدمر.. أما بالنسبة لتركيا فهي تري نفسها في مشروع الشرق الأوسط الجديد في ظل رغبتها في استعادة ارثها التاريخي في المنطقة أيام الدولة العثمانية والباب العالي ودولة الخلافة.. وهي ترقب الصراع الناشب في المنطقة بين السنة والشيعة وتسعي لاستغلال ذلك لاستعادة نفوذها.. ولكن يتوجب علينا ألا ننسي أن تركيا عضو في 'الناتو' وبالتالي فهي بشكل أو بآخر تنفذ أجندة ذلك الحلف الذي هو أداة لدي الولاياتالمتحدة والدول الكبري ضمن مشروع الشرق الأوسط.. وهي أيضا جزء من أوروبا وتسير داخل أجندتها.. كما يتوجب علينا أيضا ادراك أن الغرب ما كان ليترك حكومة 'العدالة والتنمية' أن تصل إلي السلطة إلا إذا كانت هناك اتفاقات تحت الطاولة.. والأمر ذاته ينصرف إلي الإخوان في مصر.. ولعل الموقف التركي من جماعة الإخوان في مصر بعد 30 يونيو كذلك الموقف التونسي يعكس خوفا شديدا داخل البلدين من مواجهة نفس المصير.. خاصة بعد ظهور مؤشرات علي هذا.. منها أحداث ميدان التقسيم والمظاهرات الضخمة التي اندلعت في يونيو الماضي مشيرة إلي امكانية اشتعال ثورة في تركيا.. وكذلك الحال في تونس.. اضافة إلي ما سبقت الاشارة إليه من أطماع تركية في المنطقة. أما الولاياتالمتحدة فإن الحكومات المتشددة والأكثر سعيا إلي السلطة هي التي تخدم مصالحها بقوة لأنها تستدعي تدخلها.. وبالتالي فقد قلبت ثورة 30 يونيو الخطة.. وأضيرت أمريكا.. ومعها بالتبعية قطر كجزء من آلتها الإعلامية.. وإيران التي وعدها الإخوان بإعادة علاقتها بمصر. والولاياتالمتحدة لا يمكن أن تستسلم لمجرد فشل أحد مشاريعها لأنها تعمل بعدة أجندات ولديها خطط تستمر لعقود.. ولابد أن يكون لديها البديل لمشروع الشرق الأوسط الذي أسقطته ثورة 30 يونيو ودعم السعودية.. ويؤكد د.السريحي أنها سوف تعمل أولا علي امتصاص الصدمة التي تعرضت لها من الموقف السعودي المصري.. ومن ثم لا يجب أن نطمئن تماما. ومن ناحية الأسئلة المثارة حول الموقف السعودي المصري الذي أسعد العرب جميعا ولماذا لا يكون بداية لتضامن وتنسيق عربي عربي يحقق أماني العرب.. ورغبتهم الملحة في التضامن والوحدة.. يقول المفكر السعودي 'السريحي' إن العالم العربي يمر بمأزق صعب وخطير.. والتضامن العربي أو التنسيق ليس بالأمر السهل.. ولنا أن نفيق أولا مما نحن فيه.. والدماء التي تسيل هنا وهناك.. والتفجيرات اليومية في العراق منذ الاحتلال الأمريكي.. والتفجيرات التي تحدث في لبنان وحمامات الدم في ليبيا وسوريا.. وللعلم فقد خططوا لجرّ مصر إلي ذلك المستنقع الدموي.. وكانت الأعمال الارهابية في سيناء، واعتصام الإخوان في النهضة ورابعة وأحداث العنف.. محاولات لجر مصر نحو تلك المحرقة.. ومن هنا جاء دور المملكة الداعم لمصر وثورتها لاحباط المخطط الذي كان يراد لها التورط فيه.. وهو أمر مرتبط بما نعرفه جميعا في المملكة بأنه إذا سقطت مصر لن تستطيع المملكة وحدها مواجهة مشروع الشرق الأوسط.. وكذلك العكس لابد من المملكة ومصر معًا.