جثت علي ركبتيها، ارتمت تقبل ذرات من الثري وقد تصبغت وأشعت بنور الملائكة فشقت عتمة الصحراء، أخذت حفنة من التراب، بللتها بشفتيها، قبلتها آلاف المرات، أخذت تزحف وتزحف، تارة تختص الأرض وتارة تملس علي الرمال، تنظر لأعالي السماء، وكأنها تراه، تتأمل كثيرا، تتألم أكثر، لكنها لا تزيد من أنفاسها نفسا، بل تحتبس روحا ترفرف للخروج، وأدمعا تشق صدرها تسري كالخناجر تصيب من جسده الواهن أعمقه وأشرسه. شيء ما منعها أن تلمم ترابه الأحمر، هو لم يكن ليرتضي أن يعبئ رحيق جسده في أجولة. أخذت تناجيه نجوي العاشقين، إنها تعلم، قريبا سوف تلقاه، قريبا في النعيم، في الملكوت الأعلي، شيء ما استرعي بداخلها هاجس حياة ما بعد الحياة، نعم إنه لم يمت، لقد سافر في غياهب السماوات، قد استطيع وحدي مهاتفته قد استطيع وحدي ملاقاته، رؤياه بنور بصيرتي، هم لا يعلمون ولدي، أنا من عرفت اليقين، أنا من شق جسدي ليخرج للحياة، والصلة والوصل بيننا ليس له منتهاه. أعاهدك ولدي لن أذرف أدمعا فأنت بقلبي حي لن تموت، والتراب الأحمر شاهد أنك موجود شاهد أنك تحيا حياة الخلود. جنودي مصر تهتف يا جنودي هل عدتم الليلة في كفن هل رآكم ذووكم في لحود هل سالت دماء ذكية هل رويتهم بها ورودي ما الموت اذن إلا لذي شرف لصاحب السيف السؤددي طلقة الغدر قد تسقط شهيدا لكنها تخلق ألف وليد قلوب تشتعل كالوقود