كان حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان.. قد جاهر عبر مقالات وخطب بأن أعمال العنف لن تخرج الإنجليز من مصر.. وأنه يتوجب علي الدولة أن تقوم بتربية الشعب وإعداده أولا.. 'لأن ذلك هو الطريق لإخراج الانجليز'.. وخطب في جمع من الشباب المتحمس فقال: 'اذهبوا واعكفوا علي تلاوة القرآن الكريم'.. ورد عليه خالد محمد خالد فذكره بتقديم النبي لفريضة الجهاد علي غيرها من الفرائض.. وتحت إلحاح الصراع مع الثورة نسي الهضيبي ما قاله.. ودعا للجهاد.. والحقيقة أنها لم تكن دعوي حقيقية صادقة.. بل استهدف من ورائها الإخوان بناء تنظيمهم السري الجديد: وجمع السلاح.. والتدريب.. تحت شعارات المعركة.. وقد اعترف بذلك حسن دوح عندما كتب في مذكراته: 'لقد بدأ التدبير للمعركة.. كانت البداية في قسم الطلبة.. ثم اشترك الجهاز السري وكان يمثله يوسف طلعت، واشترك جهاز البوليس والجيش وكان يمثله صلاح شادي.. وتولي قيادة المعركة عبد القادر عودة، ويوسف طلعت، ومحمود عبده.. وقد افتتح الإخوان العديد من مراكز التدريب في الاسماعيلية، وأبو كبير، والتل الكبير، واتخذوا من بيوتهم مراكز لتجميع القوات المحاربة'.. وقد استخدمت تلك 'القوات' ببراعة لايهام رجال الثورة بقوة الإخوان.. من خلال الحشد في كافة المناسبات التي ترعاها الثورة.. كما استخدمت عمليا في ذلك اليوم الثالث عشر من يناير 1954.. حيث اعتادت الجامعة الاحتفال بذكري شهدائها في معركة التل كبير.. يقول حسن دوح في مذكراته: 'عقدت سلسلة من الاجتماعات في دار الإخوان بالحلمية 'قسم الطلبة' وكانت كلها تعد للاحتفال.. وما قد يصاحبه من أحداث.. واحتمالات الصدام بين الإخوان وشباب هيئة التحرير' أول التنظيمات الشعبية التي أسستها الثورة.. تحت قيادة جمال عبد الناصر شخصيا.. وقد حدث الصدام بالفعل، ووصفه الإخوان بالمؤامرة وقالوا: 'لقد تمكن الإخوان بفضل تنظيمهم من سحق المؤامرة.. ولاذ أفراد هيئة التحرير ومن كان معهم من رجال المباحث السرية بالفرار'.. بينما وصفه المتابعون وحضور الموقعة ب'الهجوم الضاري' علي هيئة التحرير وتنظيمها الشبابي.. استخدم فيه الإخوان الأسلحة والقنابل والعصيّ، وحرق السيارات.. وكان علي مجلس قيادة الثورة أن يرد بما يليق وجسامة الحادث.. واستعراض الإخوان المبالغ فيه للقوة.. فصدر قراره في اليوم التالي.. باعتبار الإخوان حزبا سياسيا يطبق عليه قرار حل الأحزاب السياسية.. وبرر المجلس ذلك بإعلان الاتهامات والملابسات التالية: تقاعس المرشد عن تأييد الثورة إلا بعد خروج الملك. عدم تأييد قانون الإصلاح الزراعي، والمطالبة برفع الحد الأقصي للملكية في حال التطبيق إلي 500 فدان. محاولة فرض وصاية علي الثورة بعد حل الأحزاب. اتخاذ موقف المعارضة والعداء لهيئة التحرير والتربص بأعضائها. اختراق الجيش والشرطة وتشكيل وحدات سرية تحت إشراف المرشد مباشرة. تشكيل جهاز سري جديد بعد حل الجهاز السري الذي كان يشرف عليه عبد الرحمن السندي أيام حسن البنا. قيام اتصالات بين المستشار الشرقي للسفارة البريطانية في مايو 1953 وعدد من قيادات الإخوان علي رأسهم المرشد. زيارة حسن العشماوي يوم الأحد 10 يناير 1954 أي قبل قرار الحل بأيام للوزير البريطاني المفوض.. ثم عودته في نفس اليوم لزيارة أخري امتدت سبع ساعات. وصاحب ذلك البيان اعتقال الهضيبي و450 عضوا في القاهرة والأقاليم.. مع حملة صحفية ضد الهضيبي والمجموعة المحيطة به.. وليس ضد الإخوان علي إطلاقهم.. كما حرص جمال عبد الناصر علي عدم قطع الصلة.. والابقاء علي شعرة معاوية.. فقام في 12 فبراير بالمشاركة في الاحتفال بذكري اغتيال البنا.. وقام مع صلاح سالم والشيخ الباقوري بزيارة قبره.. وألقي كلمة هناك.. تذكر بمآثر البنا ونهجه.. والتمسك به.. وعندما سأله أحد الضباط المنتمين للإخوان كما يذكر الضابط الإخواني حسين حمودة في مذكراته عما إذا كان لا يزال عند اتفاقه علي الحكم بكتاب الله.. قال: 'من جهة الحكم بالقرآن فنحن نحكم به من الآن.. ولكن خطوة خطوة.. حتي يطيق الناس.. لأن في البلد أجانب.. ومسلمين.. وفاسقين.. والأمر يحتاج إلي ترو وسياسة.. في ذلك الوقت.. ووفقا لرؤية خاصة برجال ثورة يوليو.. لم يشمل الاعتقال كلا من عبد القادر عودة.. وهو من هو بالنسبة للمرشد العام الهضيبي.. وأيضا للتنظيمات المسلحة في الجيش والشرطة ومتطوعي الإخوان المدنيين.. وعمر التلمساني.. المحامي الإخواني الصاعد في كنف عبد القادر عودة، والذي أصبح المرشد العام الثالث.. فيما بعد.. ووسط هذه الظروف الساخنة والملتبسة عقد عبد القادر عودة اجتماعا موسعا في مكتبه بميدان الأوبرا.. تقرر فيه اختياره مسئولا عن الإخوان.. له ما للمرشد، وعليه ما عليه.. وفي حال غيابه '!!!' يقوم مقامه عمر التلمساني.. وعقب ذلك قام عودة بالاتصال بعبد الناصر.. من أجل تحديد موعد للقاء وصولا لعلاج الموقف المتأزم.. وقد وافقه عبد الناصر.. واجتمعا معا مرتين في حضور بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة.. ومعاوني عودة.. دون التوصل إلي حل.. بل قيل يومها إن تصرفات عودة تسببت في شكوك وريب.. ظهرت بعدها بأيام.. وأصابت كافة الأطراف بالذهول.. خاصة جمال عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة.. وكانت صدمتهم من الحدة بحيث يقال إنها كانت السبب الرئيسي في تحديد مصير عبد القادر عودة.. ومازلنا معه.. نقتفي أثر الأوضاع.