كان الإخوان ومرشدهم الهضيبي أول من نادوا بإلغاء الأحزاب، والعمل بنظام الحزب الواحد.. وليكن ذلك الحزب الواحد هو 'الإخوان' وفي أدبياتهم وصحفهم دعوات صريحة لذلك وإشادة بنظام الحزب الواحد في روسيا وتركيا وغيرهما '!!! '.. 'لا ندري ما الذي يفرض علي هذا الشعب الطيب المجاهد المناضل الكريم هذه الشيع والطوائف من الناس التي تسمي نفسها الأحزاب السياسية'؟!! ثم 'لا مناص بعد الآن من أن تحل هذه الأحزاب جميعًا وتجمع قوي الأمة في حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها'. وقد أعتبر 'الوفد' أن الدعوة لإلغاء الأحزاب موجهة إليه، فهاجمها في 'المصري'، قال: 'إن النظام الحزبي دعامة من أقوي الدعائم في بناء الديمقراطية والحياة البرلمانية، ولذلك نري علماء الدستور يقولون إنه لا يتصور وجود حياة نيابية بلا أحزاب.. والرجل الذي لا حزب له، لا برنامج له، ولا غرض له، ولا جدوي من انتخابه.. إن الدعوة إلي اللاحزبية ليست سوي دعوة فاجرة إلي الخيانة وقتل شخصية الإنسان والقضاء علي كرامة الإنسان ورأيه بحيث يصبح سلعة تباع وتشتري لكل رجل تكون القوة في جانبه'. كان الإخوان يتصورون إن إلغاء الأحزاب سوف يخلي لهم الساحة السياسية وقد عملت ثورة يوليو مستفيدة من دعايات الإخوان علي التخلص من الأحزاب تدريجيًا، فصدر في 10 سبتمبر 1952 قانون تنظيم الهيئات والأحزاب بعد تطهير نفسها وإعادة التشكيل والتقدم بإخطارات جديدة مؤيدة بالوثائق لتسجيلها.. وقد رأي بعض الإخوان تسجيل أنفسهم كحزب.. ولكن الهضيبي رفض ذلك تحت دعوي أنهم هيئة إسلامية لا تنطبق عليها التقسيمات التي تنادي بها النظم القائمة غربية أو شرقية.. وعندما انجلت الأمور، غير الهضيبي كالعادة رأيه وقال لإخوانه 'إنها لعبة أراد بها عبد الناصر التخلص من الأحزاب لينفرد بكم.. والدور آت عليكم'. وعندما صدر قانون حل الأحزاب السياسية في 17 يناير 1953 واستثني الإخوان.. قام وفد من قادة الإخوان بزيارة عبد الناصر وتنهئته والتأكيد علي أنه لم يبق من مؤيد للثورة إلا الإخوان.. 'والباقي مفهوم' فعرض عليهم عبد الناصر تولي أمر هيئة التحرير لتصبح مسرح نشاطهم.. ولأنهم دائمًا يظهرون غير ما يبطنون.. ويهادنون لتمرير ما يريدون فقد اعتذروا ولكنهم سمحوا لسيد قطب بالانتساب إليها.. وأيضًا البهي الخولي القيادي الإخواني ورئيس قسم الدعوة.. والذي عين ضابطًا للاتصال بين الجماعة وهيئة التحرير ومديرًا للإرشاد الديني بالهيئة.. وفي ذلك الوقت 'سبتمبر 1953' أنكر الهضيبي علنًا وجود أي خلاف أو سوء تفاهم مع الثورة.. وقال 'لو أن جمال عبد الناصر شعر بضيق من الإخوان فسوف أسلم له مفتاح المركز العام ليقوم بإغلاقه'.. ومع ذلك تفجر الصراع بين الإخوان وهيئة التحرير في الجامعة.. بشكل دائم.. وأخذت الأمور شكل الكر والفر بين الفريقين. ومن الجدير بالاهتمام أنه ولأول مرة ربما يتم انقسام الإخوان وبشكل علني وسافر.. حيث كان ثمة فريق من قادة الإخوان مفتونًا بعبد الناصر.. علي رأسه عبد الرحمن السندي رئيس الجهاز السري ومعه وكيل الإخوان وعدد من مكتب الإرشاد ونحو نصف أعضاء الهيئة التأسيسية.. قال لهم عبد الناصر إنه لم يعد قادرًا علي التفاهم مع الهضيبي لأنه رجل متلون.. ومراوغ.. ولا يستطيع الثبات عند مبدأ.. فقام خمسون من قادة الجماعة بتنظيم مظاهرة في 27 نوفمبر 1953 حاصرت المركز العام للإخوان، وبيت المرشد الهضيبي وطالبوه بالاستقالة ليصبح الشيخ سيد سابق مرشدًا عامًا وصالح عشماوي وكيلاً.. وكالعادة.. تم استدعاء الإخوان من جميع المحافظات وتم فض الاعتصام والانتصار لتيار الهضيبي.. وعندما هدأت الأمور نسبيًا قام الهضيبي بفصل قادة الإخوان التاريخيين: الشيخ سيد سابق، صالح عشماوي، الشيخ محمد الغزالي، د.عبد العزيز كامل.. كما تخلص من عبد الرحمن السندي رئيس الجهاز السري ومعه قادة الجهاز: أحمد عادل كمال، محمود الصباغ، أحمد زكي.. وآخرون. في ذلك الوقت كان الصراع قد احتدم بين محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة برئاسة جمال عبد الناصر.. وحاول نجيب اللعب بقضية الديمقراطية واستقطاب القوي السياسية المعادية للثورة.. وقد اتصل به الهضيبي سرًا.. مؤيدًا ومحرضًا.. ومؤكدًا له أن الإخوان معه قلبًا وقالبًا.. وبلغ الصدام ذروته في الجامعة خلال احتفالها بذكري شهدائها في معركة التل الكبير.. ويعترف حسن دوح زعيم شباب الإخوان في الجامعة بأنهم أعدوا جيدًا لذلك الاحتفال فحشدوا عشرة آلاف شاب، واصطحبوا معهم 'نواب صفوي' زعيم الشباب المسلم في إيران وكان بالغ الحماسة والشجاعة.. واستعدوا لاحتمالات الصدام مع هيئة التحرير.. وفي ذلك اليوم قام الإخوان بهجوم ضارٍ علي ممثلي التحرير وتنظيمها الشبابي استخدم فيها الإخوان الأسلحة والقنابل والأسلحة البيضاء والعصي وقاموا بحرق السيارات الحكومية وبعدها بيومين صدر قرار مجلس قيادة الثورة بالاجماع كما كتب محمد نجيب وبالتحديد في 14 يناير 1954 بحل جماعة الإخوان التي تصرفت كحزب سياسي يطبق عليها قرار حل الأحزاب.. وجاء في بيان المجلس أن المرشد العام الهضيبي تقاعس في تأييد الثورة واختفي تمامًا، ولم يظهر إلا بعد طرد الملك.. ولم يؤيد قانون الإصلاح الزراعي وطالب برفع الحد الأقصي للملكية في حال التطبيق إلي 500 فدان.. كما قام المرشد بمحاولات لفرض وصاية الإخوان علي الثورة.. واتخاذ موقف معاد من هيئة التحرير.. والتسرب إلي الجيش والشرطة وتشكيل وحدات تحت إشراف المرشد مباشرة.. وتشكيل جهاز سري مسلح جديد بعد حل الجهاز السابق الذي كان يشرف عليه 'السندي'.. ثم.. قيام المرشد العام للإخوان 'الهضيبي' بإجراء مباحثات مع المستشار الشرفي للسفارة البريطانية وأعضاء في السفارة.. وكذلك مع مسئولين في السفارة الأمريكية من خلف ظهر الثورة ومفاوضات الجلاء التي تديرها.. وكانت قصة الاتصالات الإنجليزية والأمريكية في غاية الإثارة.. ومازلنا مع حسن الهضيبي..