استمرت المحاكمة أكثر قليلا من أربعين يوما.. وقد تم تقسيم المتهمين إلي أربع مجموعات.. أكبرها وأشهرها المجموعة الأولي التي يتصدرها سيد قطب.. وضمت 43 متهما.. وجاء نص الاتهام يقول: 'المتهمون في الفترة من سنة 1959 حتي آخر سبتمبر 1965 بالجمهورية العربية المتحدة وبالخارج حاولوا تغيير دستور الدولة وشكل الحكومة فيها بالقوة.. بأن ألفوا من بينهم وآخرين تجمعا حركيا وتنظيميا سريا مسلحا لحزب الإخوان المنحل.. يهدف إلي تغيير نظام الحكم القائم بالقوة.. باغتيال السيد رئيس الجمهورية، والقائمين علي الحكم في البلاد.. وتخريب المنشآت العامة، وإثارة الفتنة في البلاد.. وتزودوا في سبيل ذلك بالمال اللازم.. وأحرزوا مفرقعات وأسلحة وذخائر.. وقاموا بتدريب أعضاء التنظيم علي استعمال هذه الأسلحة والمفرقعات.. وحددوا أشخاص المسئولين الذين سيجري اغتيالهم.. وعاينوا محطات توليد الكهرباء والمنشآت العامة التي سيخربونها.. ورسموا طريقة تنفيذ ذلك.. وتهيئوا للتنفيذ الفعلي.. وعينوا الأفراد الذين سيقومون به.. وحال ضبطهم دون إتمام مؤامراتهم.. وكان المتهمون السبعة الأول هم المتولين زعامة التنظيم'. ومن اللافت للانتباه.. أنه علي الرغم من الدور الأساسي الذي لعبه عبد الفتاح إسماعيل فإنه جاء في المرتبة الرابعة بين المتهمين الرئيسين السبعة.. سبقه ثلاثة هم: سيد قطب, ومحمد يوسف هواش، وعلي عشماوي.. ولحق به ثلاثة هم: أحمد عبد المجيد عبد السميع وصبري عرفة الكومي ومجدي عبد العزيز متولي.. وقد حكم علي السبعة بالإعدام.. حيث نفذ الحكم في سيد قطب ومحمد يوسف هواش وعبد الفتاح إسماعيل.. وخفف الحكم إلي السجن المؤبد علي الأربعة الآخرين لصغر سنهم حيث لم يكن أي منهم قد تجاوز الثلاثين. وفي نفس القضية تم الحكم علي 'محمد بديع عبد المجيد محمد سامي' 21 سنة معيد بكلية الطب البيطري، ومقيم بقرية سامول مركز المحلة الكبري بالأشغال الشاقة 15 سنة، كما تم الحكم علي محمود عزت إبراهيم 21 سنة طالب بجامعة عين شمس. بالاشغال الشاقة 10 سنوات.. أما زينب الغزالي الجبيلي 48 سنة رئيسة جمعية السيدات المسلمات سابقا.. فقد حُكم عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة 25 سنة.. بينما تم الحكم علي حميدة قطب 29 سنة آنسة بالأشغال الشاقة 10 سنوات. تقول مذكرات بعض المتهمين في القضية إن السبعة المحكوم عليهم بالإعدام وأُخُِذوا فردا فردا.. ليتلو عليهم ضابط برتبة رائد منطوق الحكم.. ثم يتم التوجه بهم واحدا واحد إلي سيارة تقف أسفل المبني.. كان أول الجالسين في السيارة بعد سماع الحكم بإعدامه هو : سيد قطب.. وكلما دخل واحد من السبعة كان يقول 'إعدام' حتي اكتمل عددهم.. وعندئذ قال لهم سيد قطب: لا تقولوا إعدام بل قولوا شهادة.. وسارت بنا السيارة عائدة إلي السجن الحربي.. في الطريق قال سيد قطب لإخوان: إن جمال عبد الناصر.. لو تلوثت يده بدمنا.. فسوف يزول ملكه خلال سنتين أو ثلاث.. وانتفض محمد يوسف هواش قائلا: يا أخ سيد كفانا حديثا في السياسة.. فقد قربنا من لقاء الله.. وينبغي أن نعاهد علي أمر أريد أن أحدده من الآن.. وأنصت الجميع.. فقال 'أريد أن نتعاهد نحن السبعة علي أن من ينجو من عذاب الله، ويذهب إلي رضاه.. أن يشفع في الستة الآخرين'.. ربما كانت صدمة الحكم وراء تلك الأحاديث الغريبة التي شرقت وغربت.. وخاضت في غيبيات.. وافتراضات.. كما كانت رهبة المحكمة وراء الاعترافات التفصيلية التي أدلي بها المتهمون.. وأدانوا فيها بعضهم بعضا.. وعلي رأسهم زينب الغزالي التي قالت إنها كانت مجرد همزة وصل بين عبد الفتاح إسماعيل والمرشد حسن الهضيبي.. ثم قدمت اعترافات كاملة عن التنظيم.. أكثر من ذلك أنها أكدت عدم مجاراتها لسيد قطب وإنها كانت ضد فتواه بنسف القناطر الخيرية.. وإغراق الدلتا بالكامل.. وفي اليوم الأول لاعتقالها قدمت اعترافات تفصيلية عن علاقتها بالشيخ عبد الفتاح إسماعيل.. وأنه الذي أطلعها علي كل أسرار التنظيم الجديد الذي يهدف إلي إعادة إحياء الإخوان.. والاستيلاء علي الحكم.. ثم عادت بعد الإفراج عنها في زمن السادات لتمجيد عبد الفتاح إسماعيل من جديد.. وكتبت في مذكراتها أنه: 'كان يرنو بقلبه إلي الشهادة.. ويتمناها من أعماق فؤاده.. وعندما نطق قاضي المحكمة الفريق الدجوي بالحكم المعد سلفا.. وهو الإعدام.. صاح عبد الفتاح إسماعيل قائلا: 'الله أكبر.. فزت ورب الكعبة!!'.. المهم.. إنه بعد العودة إلي السجن الحربي بحوالي 9 أيام. استيقظ الجميع في منتصف الليل علي حركة غير عادية.. داخل العنبر المخصص للسبعة المحكوم عليهم بالإعدام كل في زنزانة منفردة.. وبعد هدوء الضجة.. قال لهم الحراس إنه 'فؤاد علام' جاء وأخذ معه عبد الفتاح إسماعيل ومحمد يوسف هواش وسيد قطب.. وسوف يسلمهم لسجن الاستئناف لتنفيذ حكم الإعدام.. وسوف يعود لاصطحابكم إلي نفس المصير.. وقد ظل الأربعة ينتظرون حتي أشرقت الشمس فعرفوا أن أعمارهم قد امتدت يومًا.. لأن تنفيذ أحكام الإعدام يتم في الفجر عادة أو في ساعات النهار الأولي.. وفوجئوا باستدعائهم من قبل أركان حرب السجن 'النقيب إبراهيم عبد التواب' ليخبرهم أن الرئيس خفف حكم الإعدام إلي المؤبد لصغر سنهم 'أقل من 30 سنة' ولأنها أول سابقة لهم.. وبذلك نجا علي عشماوي، وأحمد عبد المجيد وصبري عرفة.. ومجدي عبد العزيز من الإعدام.. أو الموت ترقبا وانتظارا.. يقول اللواء فؤاد علام في مذكراته.. وهو الذي قام بنقل سيد قطب وهواش وعبد الفتاح إسماعيل من السجن الحربي إلي سجن الاستئناف لتنفيذ حكم الإعدام شنقا.. صبح التاسع والعشرين من أغسطس عام 1966: 'تم تنفيذ حكم الإعدام شنقا في سيد قطب بهدوء.. وبعد 25 دقيقة بدأت مراسم التنفيذ في عبد الفتاح عبده إسماعيل.. الذي أصيب بحالة هستيرية شديدة.. وظل يردد كلاما غير مفهوم.. ووصل إلي أقصي حالات الانهيار.. لدرجة أن الحراس عندما حملوه إلي غرفة الإعدام.. صرخ صرخة مروعة.. وبعدها صمت كل شيء'..