كان لقاء سيد قطب مع عبد الفتاح إسماعيل وزملائه الأربعة الذين يشكلون قادة التنظيم الجديد.. تحولًا خطيرًا في اتجاهات الناس والتنظيم والأفراد.. وإعادة تشكيل الفكر تشكيلًا كاملًا في الاتجاه الذي رسمه هو.. وقد رأي الكثيرون أن تلك المرحلة كانت في غاية الأهمية.. وكان لها تأثيرها العميق علي شكل التنظيم.. ومسيرة العمل.. وبدأت الاجتماعات الدورية لمجموعة القيادة التي رأسها سيد قطب.. وأصبح عبد الفتاح إسماعيل مسئولًا عن الناحيتين الدينية، والمالية، والاتصالات الخارجية.. وأيضًا مسئولًا عن تنظيمات المنطقة الشرقية.. وإن كان جل اهتمامه كان منصبًا علي الناحية العسكرية.. وإنشاء معسكرات التدريب.. وجلب الأسلحة من كل مكان.. وبكل طريقة.. ونشطت مجموعة من القيادة في تجنيد أكبر عدد من الشباب.. وإخضاعهم لبرنامج تثقيفي وضعه سيد قطب يعتمد علي أفكاره وأفكار أبو الأعلي المودودي.. فإذا ما أتموا ذلك بنجاح وتم الاطمئنان لهم.. خضعوا لبرنامج آخر عملي.. حيث يتدربون علي الرياضات العنيفة.. وبعدها التدريب علي السلاح بأنواعه.. وكانت لسيد قطب آراء في ثورة يوليو.. وجمال عبد الناصر.. وقادة الإخوان القدامي.. والاختراق الماسوني.. وغير ذلك تفصيلًا فيما كتبته عن سيد قطب.. وكانت المفاجأة المذهلة عندما قال سيد قطب مؤكدًا أن مكتب المشير عامر يراقب التنظيم بدقة.. ويفكر في توجيه ضربة قد تكون قريبة.. وعلينا أن نكون مستعدين لها.. وهو ما ألهب مجموعة القيادة خاصة عبد الفتاح إسماعيل.. المخطط الأساسي للعنف.. والمسئول الحقيقي عن التدريب والسلاح.. وقد نشط بين شباب الباحثين -أعضاء التنظيم- في هيئة الطاقة الذرية والمركز القومي للبحوث، ومراكز البحوث بتخصصاتهاالمختلفة لإعداد البحوث والدراسات عن المواد الناسفة.. وتحضير المواد المتفجرة.. والحارقة.. وكيفية نسف الكباري.. ومحطات توليد الكهرباء والمياه، والمطارات، ومديريات الأمن، والسفارات الأجنبية، والمنشآت الحيوية.. وأيضًا تفجير المواد الناسفة لاسلكيًا.. وهو -عبد الفتاح إسماعيل- الذي جند بعض ضباط الصف بالجيش وأغراهم بسرقة السلاح.. وكتب علي عشماوي في مذكراته: 'ولأن سوق السلاح العادية لا تعرف التعامل في المتفجرات والقنابل.. فقد تمكن الشيخ عبد الفتاح إسماعيل من تدبير هذه الأصناف عن طريق بعض الإخوة من طنطا وفي مقدمتهم الأخ أحمد سلام.. الذي كانت له علاقة بالجيش'. ومن ناحية أخري فقد استخدم شباب الباحثين التابعين للتنظيم كل إمكانات هيئة الطاقة الذرية.. والمركز القومي للبحوث وكافة المراكز البحثية والجامعات في تصنيع المتفجرات.. وفي اعترافات قادة التنظيم: 'إن مجموعة من الكيماويين التابعين للتنظيم كانوا قد توصلوا في أوائل 1965 إلي تركيبة ناسفة من نترات الأمونيوم والسولار وكرومات البوتاسيوم، تعبأ في زجاجات وتفجر إما بمفجر كهربائي وإما بفتيل مشتعل.. وقد تم تجريب هذه التركيبة في برطمان يسع نصف كيلو، فنسف حجرًا وزنه طن في صحراء أبو رواش.. حوله إلي بودرة'.. وقد كلف التنظيم مجموعة الباحثين بسرقة أكبر كمية من تلك المواد لصنع أكبر عدد من العبوات المتفجرة.. كما قام عدد من المهندسين بإعداد مشروع لنسف الكباري.. حددوا فيه نقاط الارتكاز.. وكمية المتفجرات اللازمة.. وكان أكبر جهد بحثي لمهندسي الجماعة يتعلق بنسف القناطر الخيرية.. لإغراق الدلتا.. وقت اللزوم.. وباختصار.. كانت حمي الاستعداد للمواجهة قد سيطرت علي الجميع.. وإن كان عبد الفتاح إسماعيل هو القائد الفعلي لذلك الاتجاه.. ومما يذكر وقتها.. وتندر به بعض الإخوان.. أن محمد مهدي عاكف التقي ببعضهم.. وكان في غاية الحماس والاستفزاز.. وقال لهم: 'لابد أن نقاوم.. ولا نبقي لقمة سائغة لهم.. لابد أن نقاوم القبض علينا ولو بسكاكين المطبخ.. وبعدها بدقائق تم إيقافه وكان يركب الفسبا التي يتحرك بها.. وتم اعتقاله بسهولة.. دون أن يعترض بكلمة.. وفي غمرة الاستعداد للمواجهة.. وجمع السلاح.. وإعداد الخطط.. جاءت رسالة من الإخوان في السعودية.. حملها سوداني يدعي 'بشير إبراهيم' مفادها: 'إن الإخوة في الخارج قد أعدوا قائمة الأسلحة التي كتبها لهم علي عشماوي عند سفره للحج.. وإن الشحنة جاهزة.. وسوف يرسلونها بعد موافقتنا عن طريق قبائل البشارية.. وإن الاستلام سيكون في قرية 'دراو' القريبة من أسوان.. وعلينا أن نستعد لتسليم الرسالة.. ومنحهم الموافقة علي الشحن'.. وأسرع علي عشماوي فرحًا يبلغ سيد قطب بالفرج الذي جاء في الوقت المناسب.. وكأنه علي موعد مع الأزمة التي تتفاقم يومًا بعد يوم.. وتم الاتفاق بينهما علي كل شيء.. وعلي كافة التفاصيل.. وشدد شيد قطب علي أن يتم تخزين السلاح لحين الحاجة إليه.. ووجهني للحصول علي مبلغ ألف جنيه من الشيخ عبد الفتاح إسماعيل لزوم مصروفات نقل الشحنة.. تحت الحساب.. وواضح أن أمر الأسلحة الواردة من السودان.. كان يتم بعيدًا عن عبد الفتاح إسماعيل الذي لم يكن من الممكن له أن يتقبل ذلك.. أو يدعه يمر.. مهما كانت صعوبة الظروف.. وحرج الموقف.. وحتي لو كان سيد قطب نفسه طرفًا في الموضوع.. فالرجل -عبد الفتاح إسماعيل- كان يري نفسه أقوي الجميع.. وأولي الجميع بالتعويل علي رأيه واستشارته في التفاصيل.. وعندما يتم أمر بهذا الحجم فالمعني واضح.. وهو أن ثمة من يطمح لتخطيه.. أو يطاوله.. وعندما يوافق سيد قطب علي ذلك فمعناه أنه لا يقدر دوره حق التقدير.. وربما لا يعرف تاريخه مع التنظيم الذي شكله بالعرق والدم ليسلمه جاهزًا.. مستعدًا.. إلي سيد قطب.. الذي لم يدرك حقيقة ذلك.. ومن ثم.. اعترض عبد الفتاح إسماعيل.. وزمجر.. واهتزت لزمجرته أركان التنظيم الذي يستعد لمداهمة الدولة وأجهزة أمنها.. وكانت أزمة ما بعدها أزمة.. ومازلنا مع عبد الفتاح إسماعيل.. وتنظيم 1965 المعروف بتنظيم سيد قطب..