وقع الصحفي العراقي منتظر الزيدي كتابه "التحية الأخيرة للرئيس بوش" في معرض بيروت الدولي للكتاب، ويناقش الكتاب الحادثة التي اشتهر بها الزيدي عام 2008 حين رمي الرئيس الأميركي جورج بوش بنعليْه أثناء انعقاد مؤتمر صحفي في العاصمة العراقية بغداد. وإذا كان رشق رئيس دولة عظمي بالحذاء للتعبير عن الإدانة والرفض أمرا صارخا، فإن الكتاب أكثر وقعا وتأثيرا لأنه يجسد الأبعاد العاطفية والإنسانية والوطنية التي تبرر أسلوب الإدانة الذي اعتمده الزيدي، فاتحا به نافذة جديدة في طريقة المظلوم للتنديد بظالمه، مما لقي أصداء علي مستوي عالمي. وإذا كان "رشق" الزيدي "مخططا له منذ سنوات"، علي ما قاله الزيدي نفسه للجزيرة نت، فإن الكتاب ثمرة المسيرة والمعاناة التي رافقت هذا الصحفي منذ أن تعرض العراق للحروب الأميركية ابتداء من مطلع التسعينيات، وهي التي دفعته إلي خرق التابوهات المحيطة بالرؤساء، وإسقاط هالاتهم بضربة حذاء. جاء كتاب "التحية الأخيرة للرئيس بوش" في 221 صفحة تزين غلافه صورتان للحظة الرشق والحذاء يطير فوق رأس الرئيس وقربه رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي، وتحت الصورتين عبارات تدخل القاري في عالم الزيدي الأدبي والفكري بنزعة وطنية وثورية متعالية علي معايير الاحتلالات السائدة، والقيم التي تحاول فرضها علي الشعوب. وتقول العبارات "عندما كنت ملقي علي الأرض، وكان الجلاد يسحق بقدمه رقبتي، ولأننا في الليل.. ولأننا في النصف السفلي من الكرة الأرضية، لم يع ذلك الجلاد المعتوه، أنه يقف علي رأسه، وأني أسحق قدمه برقبتي". وتضيف العبارات المصورة نسخا عن خط اليد "كان السجن مدخلا للكتاب، وليس للكتابة التي أحببتها ومارستها في عالمي الصحفي"، وتتابع "كنت أمارس الكتابة كعمل صحفي، وكشعر، وقطع صغيرة، وقصص قصيرة. إلا أن خوفي علي ذاكرتي، ومخزونها وأنا في السجن، دفعني لأدونها، فكان الكتاب". الزيدي يلمح إلي أنه تأثر بتجربة كبار الكتاب والأدباء العالميين القادمين إلي الرواية من عالم الصحافة، ويقول "أحببت جدا أدباء أميركا اللاتينية العظماء، وقرأت كتاباتهم، وأكثرهم قربا من قلبي كتابات إيزابيلا الليندي، إضافة إلي ماريو فارغاس يوسا، وغابرييل ماركيز وسواهما". ويضيف الزيدي في حديثه للجزيرة نت "لم أرغب في وضع كتاب توثيقي عن الحرب وأحداث العراق الجسام خشية أن يملها القارئ، لذلك اعتمدت أسلوب الرواية الأدبية التي أحب". ويضيف "في جانب، كان السجن عاملا إيجابيا أتاح تنمية تجربتي الكتابية، وأغناها. بداية كانت الزنزانة قاتلة، قضيت فيها عزلة كبيرة، فهي لم تزد عن متر مربع ونصف، لكن بعد شهور نقلوني إلي غرفة أوسع تشاطرتها مع سجناء آخرين رحبوا بي، وقالوا إن أمثالك لا يخيفهم السجن. تعاطيت معهم، وارتحت لأنني أتحدث مع بشر، أضيف لذلك السماح للقاء بالأهل من فترة لفترة، فشعرت بارتياح وتوازن ساعداني علي الانصراف للكتابة". ويتابع "طلبت أوراقا وأقلاما، وكان السجان متجاوبا، فزودني بربطة أوراق وحزمة أقلام هي مداد الكتاب". يبدأ الكتاب بعرض استعدادات العراق لصد العدوان ابتداء من 18 آذار 2003، بأيام قليلة قبل بدء الهجوم الأميركي. ويتابع بتفصيل متسلسل تاريخيا الأحداث التي عاشتها وتعرضت لها البلاد، وصولا إلي حادثة الرشق الشهيرة، وتوقيفه، وما بعد ذلك. يستخدم الزيدي أسلوبا أدبيا مشوقا، ولغة تنم عن احتراف كتابي وثقافي وفكري كبير، يستخدم فيها السرد الروائي معتمدا علي الوقائعية الصحفية، ويمزج بين المعاناة العاطفية والوطنية في آن واحد. ويصور الكاتب تأجج المشاعر بداخله متفاعلة مع تجربته الثقافية والكتابية، لتنفجر كتابا سلس السرد بلغة وأسلوب أدبيين رفيعين، فإذا اجتمعت هذه كلها مع تطورات الأحداث الحقيقية، لم يعد باستطاعة القارئ ترك الكتاب قبل إنهائه. يشار إلي أن الطبعة الأولي للكتاب مؤرخة ب2011، وتتألف من خمسة فصول بعد تمهيد هي: بغداد، نذر حرب، بغداد 14 ديسمبر 2008، إلي لواء بغداد، الحرب.. الحصار، وداعا للمنطقة "القذراء". وثمة ملحقات منها الوثائق، و"تمييز الحكم ضد منتظر الزيدي"، و"في أجواء الحرية". وتضمن الكتاب أيضا مجموعة من الصور الملونة بتسلسل متواز مع تطورات الكتاب. منها صورة له بحذائه النادر قبل الرشق، وتغطياته لأحداث العراق، وبعض محطات الأحداث العسكرية والسياسية، ولحظة الرشق وتطورات ما بعدها: السجن والسجانون، حملات التضامن معه، وهو مع أهله وأصدقائه. أما الغلاف الأخير، فيعلن فيه تكريس جزء من ريع الكتاب لمشروعات خيرية خدمة لضحايا الاحتلال الأميركي للعراق.