مر عدوان إسرائيل الوحشي الهمجي علي غزة علي مدي 29 يوما مرور الكرام بالنسبة للمجتمع الدولي. وكأن نمط إرهاب الدولة الذي يرتكبه جيش الصهاينة المدجج بأحدث الأسلحة وسلسلة المجازر التي قام بها أمر عادي لا يسترعي الانتباه. وانعكس هذا بالتبعية علي عالمنا العربي، فكانت ردود فعله فاترة رأينا خلالها الجامعة العربية تدعو إلي عقد اجتماع لوزراء الخارجية بعد أسبوع كامل من نشوب المعارك. ورغم ذلك لا تخجل عندما تطلق عليه اجتماعا طارئا.. !! أما العملة النادرة فجسدتها البارونة 'سعيدة حسين وارسي' وهي أول وزيرة مسلمة في بريطانيا حيث تتولي منصب وزيرة دولة بالخارجية البريطانية، فلقد هالها ما قامت به إسرائيل من جرائم حرب استهدفت الأطفال والنساء والشيوخ عمدا لتسلط عليهم محرقة الإبادة الجماعية. وهالها موقف حكومة 'كاميرون' التي لم تبادر بإدانة العدوان علي غزة ومن ثم سارعت البارونة فقدمت استقالتها احتجاجا علي الحكومة متهمة إياها باتخاذ موقف غير أخلاقي تجاه عدوان إسرائيل علي غزة، وانتقدت عرقلة إحالة القضية إلي محكمة الجنايات الدولية. كان لاستقالتها صدي كبير، فلقد أحرجت رئيس الوزراء وكشفت عورته وهو الذي استنكف إدانة جرائم إسرائيل. كان لاستقالة البارونة وقع كبير حدا بصحيفة الجارديان إلي أن تحذر من حدوث زوبعة بشأن سياسة لندن إزاء التوغل الإسرائيلي في غزة، ورأت أن استقالة البارونة قد فاقمت التوترات داخل الائتلاف الحكومي البريطاني حول غزة. ولهذا سارع وزير الطاقة البريطاني ليذكر بأن حزب الديمقراطيين الأحرار المشارك في الائتلاف كان يتوقع تحركا قريبا من الحكومة بوقف تراخيص تصدير الأسلحة التي يمكن استخدامها في غزة واصفا العملية العسكرية الإسرائيلية بأنها عقاب جماعي ضد شعب أعزل. لقد تخطت البارونة بقرار الاستقالة المواقف المخجلة التي تبنتها بريطانيا ومن علي شاكلتها ممن زرعوا إسرائيل في المنطقة وأضفوا عليها الحماية وقاموا بالتغطية والتستر علي جرائمها ضد الإنسانية.لم يغر البارونة البقاء في المنصب وآثرت الانحياز للعدالة والحق فضربت بذلك مثلا رائعا في احترام المبدأ كأولوية تجب كل شيء. كانت البارونة علي حق، فكاميرون رئيس وزراء بريطانيا لم يدن إسرائيل التي ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني والتي خرقت الالتزام بالقيم الأخلاقية والإنسانية التي يفرضها القانون الدولي. ومن ثم كان يتعين محاسبتها علي أساس القاعدة التي تقول بإنه لا دولة فوق القانون. وكان يتعين علي بريطانيا معالجة القضية الفلسطينية بعدالة لأنها هي الدولة المسئولة عن حدوثها، فهي التي زرعت إسرائيل في المنطقة ومكنتها من الأرض الفلسطينية بمقتضي وعد 'بلفور' المشؤوم. ومنحتها كل وجوه الدعم المادي والمعنوي لكي تطغي وتغرق في مستنقع جرائم الحرب حتي الثمالة. استقالة البارونة 'سعيدة' شجعت 'ميليباند' زعيم حزب العمال علي مهاجمة سياسة الصمت التي التزمت بها الحكومة إزاء العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة والتي وصفها بأنها خاطئة وغير مبررة. بل ورأينا وزير دفاع بريطاني سابق يستهجن ما قامت به إسرائيل من وحشية غير مبررة. وهكذا تكون البارونة قد حركت المياه الراكدة بقرار الاستقالة الذي اتخذته والذي جاء ليعكس عن حق مواصفات إنسانة هي أشبه ما تكون بالعملة الذهبية النادرة التي تستحق الإشادة والتقدير من الجميع، فلقد أكدت بموقفها ثباتها علي قدسية المبدأ وعشقها له، وكشفت النقاب عما تتمتع به من ضمير نقي وشفافية رحبة وسمو نفسي عالي النبرة أعلت من خلاله قيم الحق والعدل لثبتت بزهدها في المنصب قول الشاعر الحكيم: وأعز ما يبقي وداد دائم.. إن المناصب لاتدوم طويلا