أودعت المحكمة الإدارية العليا والتي تمثل آخر درجات التقاضي بقضاء مجلس الدولة أسباب حكمها بإلغاء الحراسة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية بجامعة القاهرة مع منع تواجدها داخل حرم الجامعة. وأكدت المحكمة أن تواجد هذا النوع من الحراسة والأمن من شأنه الانتقاص من الاستقلال الذي كفله الدستور للحياة الجامعية , وفي نفس الوقت يحمل أعباء إضافية علي كاهل وزارة الداخلية بجانب المهام الجسام الملقاة علي عاتقها في كفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في جميع أنحاء البلاد. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها الصادر برئاسة المستشار محمد عبدالغني رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين مجدي العجاتي وأحمد عبدالتواب وعادل بريك ومنير عبدالقدوس ' نواب رئيس مجلس الدولة ' إن المشرع الدستوري عني باستقلال الجامعات ورفعه إلي مصاف المباديء الدستورية ملزما الدولة في المادة 18 من الدستور بكفالة هذا الاستقلال والذي يشمل بمعناه الاصطلاحي استقلال الجامعة بكل ما يتعلق بشئونها دون أن يقتصر علي الاستقلال في مجال البحث العلمي. وأوضحت أن اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات الصادر بقرار رئيس الجمهورية نصت علي إنشاء وحدة للأمن الجامعي بكل جامعة تتحدد مهامها في حماية منشآت الجامعة وأمنها وتتبع رئيس الجامعة مباشرة لتضع بذلك اللبنة الأخيرة في البناء التشريعي لكفالة استقلال الجامعات بكل ما يتعلق بشئونها باعتبارها منارة للعمل ومعقلا للفكر الإنساني في أرفع مستوياته. وقالت المحكمة إنه فضلا عما أوجبه الدستور والقانون من كفالة استقلال الجامعات فإن أداء الجامعات لرسالتها يتطلب الالتزام بالضوابط التي اتبعتها الأمم المتقدمة في صونها لاستقلال جامعاتها ومؤسساتها التعليمية والتي تضمنتها التوصيات الصادرة عن العديد من الهيئات والمؤتمرات الدولية. وأوضحت أنه في مقدمة ذلك المؤتمر العام لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم في دورته التاسعة والعشرين المنعقدة في باريس عام 1997 وقبله إعلان ' ليما ' 1988 بشأن الحرية الأكاديمية والاستقلال الذاتي لمؤسسات التعليم العالي , وإعلان ' كمبالا ' عام 1990 بشان الحرية الكرية والمسئولية الاجتماعية إلي عدم جواز قيام الدولة بنشر أية قوات عسكرية أو قوات الأمن أو قوات مشابهة داخل مباني وأراضي المؤسسات التعليمية وإعلان ' عمان ' للحريات الأكاديمية المنعقد في العاصمة الأردنية عام 2004 والذي نبه إلي خطورة فرض الأجهزة الأمنية وصايتها المبشرة علي الحياة الجامعية. وأكدت أن وجود قوات للشرطة تابعة لوزارة الداخلية متمثلة في إدارة الحرس الجامعي داخل حرم جامعة القاهرة وكلياتها ومعاهدها بصفة دائمة يمثل انتقاصا من الاستقلال الذي كفله الدستور للجامعة. وأشارت المحكمة إلي أن هذا التواجد الدائم للحرس الجامعي يمثل قيدا علي حرية الأساتذة والباحثين والطلاب فيها وهم يرون أن ثمة جهة أخري لا تتبع الجامعة متواجدة بصفة دائمة داخل الجامعة تراقب تحركاتهم وتتحكم في ممارستهم لأنشطتهم بالمنح أو المنع , فتهن عزائمهم وتخبو آمالهم وتتبدد طاقاتهم هباء بدلا من أن تنطلق نحو الإبداع والابتكار لتؤتي ثمارها في رقي الفكر وتقدم العلم وتنمية القيم الإنسانية. وأضافت أن ما سبق يحتم معه القضاء بإلغاء القرار الوزاري في شأن إنشاء وتنظيم إدارات حرس الجامعات ببعض مديريات الأمن فيما تضمنه من إنشاء إدارة للحرس الجامعي تابعة لوزارة الداخلية داخل جامعة القاهرة مع ما يترتب علي ذلك من آثار تتمثل في عدم تواجد الحرس الجامعي داخل حرم الجامعة. وأكدت المحكمة أن منع تواجد الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية داخل الجامعة لا ينال مما نص عليه الدستور وقانون هيئة الشرطة من أن الشرطة هيئة مدنية نظامية تؤدي واجبها في خدمة الشعب وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن في كافة المجالات وتسهر علي حفظ النظام والأمن العام والآداب وحماية الأرواح والأعراض والأموال وعلي الأخص منع الجرائم وضبطها. وقالت المحكمة إن الاختصاص المقرر للشرطة في الدستور والقانون هو اختصاص أصيل معقود لها في ربوع البلاد علي امتدادها لا يناقضه قيام إدارة جامعة القاهرة بحفظ الأمن داخل الجامعة تأكيدا لاستقلالها في إدارة شئونها , وهو الأمر الذي كفله الدستور والقانون , ودرءا لمظنة الانتقاص من هذا الاستقلال أو تقييد حرية الأساتذة والباحثين والطلاب. وذكرت أن تولي إدارة الجامعة حفظ الأمن والنظام داخل الجامعة تأكيدا لاستقلالها ودعما لحريتها يتيح لوزارة الداخلية - من جهة أخري - التفرغ للمهام الجسام الملقاة علي عاتقها في كفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في جميع أنحاء البلاد. وأشارت إلي أن ما ورد بمذكرة وزارة الداخلية المرافقة لقرار الوزير رقم 1549 لسنة 1971 في شأن إلغاء أقسام ووحدات حرس الجامعات ' قبل عودتها مرة أخري فيما بعد ' من أن هذا القرار بإلغاء أجهزة حرس الجامعات أعد إسهاما من وزارة الداخلية في خلق المناخ الملائم.وتدعيما للحريات وثقة من الوزارة بحرص شباب الجامعات علي مسيرة الأمة وحتي يتفرغ رجال الأمن إلي المهام المتعددة بتأمين الجبهة الداخلية وخدمة الجماهير العريضة لشعب مصر العريق إنما يؤكد بوضوح مدة ضخامة وكبر المسئولية والمهام الملقاة علي عاتق الوزارة في توفير الحماية والأمن والأمان للمواطنين الأمر يجعل حراسة الوزارة للجامعات عبء إضافيا عليها يثقل كاهلها. وتطرقت المحكمة إلي الدفع المقدم من الطاعنين ' رئيس الوزراء ووزيرا التعليم العالي والداخلية ' علي حكم القضاء الإداري ' أول درجة ' بإبعاد الحرس الجماعي - من عدم قبول الدعوي بذريعة عدم وجود صفة أو مصلحة شخصية مباشرة لمقيميها , حيث أكدت أن مقيمي الدعوي وهم من أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة ذوو صفة في كل ما يتعلق بالشئون العامة للجامعة التي ينتمون إليها ويعملون في محرابها. وأوضحت المحكمة أنه في ضوء هذه الصفة فإن وجود حرس الجامعة التابع لوزارة الداخلية يؤثر في مصلحة جدية لهم ومن ثم يكون ما قضت به محكمة القضاء الإداري من رفض الدفع بعدم قبول الدعوي لرفعها من غير ذي صفة أو مصلحة , متفقا وصحيح حكم القانون. وأشارت المحكمة إلي انها قضت باعتبار الخصومة منتهية في الدعوي الثانية المطالبة بإلزام رئيس جامعة القاهرة بإنشاء وحدة للأمن الجامعي تتبع رئيس الجامعة وحده إعمالا للمادة 317 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات, وذلك استنادا لما هو ثابت في الأوراق أن المجلس الأعلي للجامعات أصدر قرارا في شأن تنظيم وحدات الأمن الجامعي وتحديد اختصاصاتها, وإعداد جامعة القاهرة في ضوء هذا القرار الهيكل التنظيمي المقترح للإدارة العامة للأمن الجامعي والوظائف المطلوب استحداثها. وقالت إن جامعة القاهرة قامت بالفعل بالإعلان في الصحف عن حاجتها لشغل وظائف بإدارة الأمن بالجامعة , وهو ما يفصح عن قيامها بالإجراءات اللازمة لإعمال مقتضي حكم القانون , الأمر الذي تقضي معه المحكمة باعتبار الخصومة منتهية في شأنه. وأكدت أن الحكم الصادر عن محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري موضوع الدعوي بإبعاد الحرس الجامعي التابع للداخلية عن جامعة القاهرة هو والعدم سواء بسواء ولا يترتب عليه أي أثر قانوني وذلك لعدم اختصاص محكمة الأمور المستعجلة ولائيا بنظر الاستشكالات القضائية لوقف تنفيذ الأحكام. وأوضحت المحكمة أن المحكمة الدستورية العليا سبق وأن أكدت أن جهة القضاء الإداري , دون غيرها, هي المختصة بالفصل في تنفيذ ما يصدر عنها من أحكام, ومن ثم فيجب أن تلتزم هيئة قضايا الدولة بعدم إقامة مثل هذه الاستشكالات نفاذا لذلك الحكم بجانب التزام جهة القضاء غير المختصة بعدم نظر تلك الإشكالات حتي لا تقضي بوقف تنفيذ أحكام مجلس الدولة بالمخالفة للدستور والقانون.