مبادرة خادم الحرمين الشريفين جاءت تتويجًا لمواقفه مع مصر منذ البداية الشيخ محمد بن زايد قال: 'مجنون من يسعي إلي إضعاف مصر وجيشها' أوباما سمع تحذيرات قوية خلال زيارته للسعودية والملك طالبه بوقف دعمه للإخوان في هذه اللحظة تحديدًا، نقول للأشقاء شكرًا، كانوا خير عون وخير سند، عرفناهم في لحظة الأزمة، كانوا مهمومين بمصر وشعبها، حملوا علي كاهلهم عبء الأزمة بكل تفصيلاتها، رفضوا الضغوط الأمريكيةوالغربية، تحدوا واشنطن، وطالبوها بمراجعة سياستها، وأكدوا لها أن زمن الإملاءات قد ولي، وأن سيناريو الأحداث في مصر، لا يستهدف الدولة المصرية فقط، بل يستهدف المنطقة بأسرها. لم يكن موقف الأشقاء وليد اللحظة الراهنة، بل كان موقفًا مبدئيًا منذ البداية، كانت دولة الإمارات العربية قد أخذت علي عاتقها منذ اليوم الأول لوصول جماعة الإخوان الوقوف بجانب الشعب المصري في أزمته. لقد قرأ الشيخ محمد بن زايد نائب القائد العام وولي عهد أبو ظبي الموقف مبكرًا، كان يدرك أن الإخوان إذا ما تمكنوا من مصر فسيعملون علي طمس هويتها، وإحداث الانقسام بين أبنائها، ونشر الفوضي علي أراضيها، ثم الانتقال بعد ذلك إلي دول المنطقة الواحدة تلو الأخري. وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يدرك أن حكم الإخوان لن يستمر، ولذلك رفضت المملكة منذ البداية دعم حكم مرسي، تعاملت بدبلوماسية شديدة ضمن إطار ثوابت السياسة الخارجية السعودية، لكنها حتمًا كانت تنتظر اللحظة. وكانت البحرينوالكويتوالأردن وفلسطين، تدرك أن المنطقة مقبلة علي تطورات هامة وخطيرة حال استمرار الإخوان في حكم مصر من خلال نشر الفوضي والتآمر علي أوطان الأمة. منذ البداية أيدت حكومات هذه البلدان ثورة الثلاثين من يونية وحق الشعب المصري في التطلع نحو الحرية. كانت رسالة خادم الحرمين واضحة ومحددة، عبر عنها بيان صادر مع بداية انحياز الجيش إلي الثورة في الثالث من يوليو، قالت فيها المملكة 'نشدُّ علي أيدي رجال القوات المسلحة جميعًا، ممثلة في شخص الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الذين أخرجوا مصر في هذه المرحلة من نفق مظلم لا يعلم إلا الله أبعاده وتداعياته. وكان موقف الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات داعمًا وبكل قوة لهذه الثورة وكذلك الحال لمواقف أمير الكويت وملك الأردن وملك البحرين والرئيس الفلسطيني محمود عباس وغيرهم. وفي يوم الجمعة 16 أغسطس، أي بعد يومين فقط من فض الاعتصام المسلح في رابعة العدوية والنهضة وفي ظل الحرب المعلنة من والداخل والخارج، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بيانًا أكد فيه عددًا من النقاط أبرزها: دعم مصر وثورتها ومسيرتها الظافرة لتحقيق الأمن والاستقرار ورفض المخططات التي تهدف إلي نشر الفوضي والإرهاب وتقويض أركان الدولة. التأكيد علي أن هذه المحاولات التي تتعرض لها مصر من كيد الحاقدين هي محاولات فاشلة تستهدف ضرب وحدتها واستقرارها من قبل كل جاهل أو متعمد أو غافل عما يحيكه الأعداء. مطالبة جميع شرفاء الأمة بالالتفاف حول مصر في هذا الظرف التاريخي، وفي مقدمتهم أهل الفكر والوعي والعقل والقلم، ليتولوا مواجهة كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمتين الإسلامية والعربية مكان الصدارة، ودعاهم بألا يقفوا صامتين غير آبهين لما يحدث 'فالساكت عن الحق شيطان أخرس'. شدد علي أن موقف المملكة الداعم لمصر شعبًا وحكومة إنما هو موقف مبدئي بالأساس ضد الإرهاب والضلال والفتنة تجاه كل من يحاول المساس بشئون مصر الداخلية في عزمها وقوتها وحقها الشرعي في ردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس. وجه إنذارًا شديد اللهجة للقوي الخارجية، التي تعبث في شئون مصر الداخلية بالقول 'ليعلم كل من تدخل في شئون مصر الداخلية، إنما هم بذلك يوقدون نار الفتنة ويؤيدون الإرهاب الذي يدَّعون محاربته، آملاً منهم في أن يعودوا إلي رشدهم قبل فوات الأوان، ذلك أن مصر الإسلام والعروبة والتاريخ المجيد، لن يغيرها قول أو موقف هذا أو ذاك، وأنها قادرة بعون الله وقوته علي العبور إلي الآمان، ويومها سيدرك هؤلاء أنهم أخطأوا وسيندمون يوم لا ينفع ندم'. كانت الكلمات واضحة، والرسالة محددة، يومها قال الجميع إن المملكة أشهرت الحرب علي أمريكا وقررت المواجهة بكل حسم. ولم تتخلف قيادة الإمارات ممثلة في الشيخ خليفة بن زايد عن هذا الموقف، بل راحت تدعم بيان الملك عبد الله بن عبد العزيز وتثمنه، حيث اعتبرت أن هذا البيان ينم عن اهتمام خادم الحرمين الشريفين بأمن مصر واستقرارها وشعبها، كما يأتي في لحظة محورية مهمة تستهدف وحدة شعب مصر الشقيقة واستقرارها وهو ينبع من حرص خادم الحرمين الشريفين علي المنطقة ويعبر عن نظرة واعية تدرك ما يحاك ضدها. لم تكن واشنطن مرتاحة لموقف السعودية والإمارات وغيرهما، لقد حاولت ومارست كل الضغوط لكنها فشلت تمامًا، خاصة أن وزيري خارجية البلدين الأمير سعود الفيصل والشيخ عبد الله بن زايد كانا قد دخلا في صدام سابق مع أركان السياسة الخارجية الأمريكية بعد تحركاتهما لمحاولة تطويق الضغوط التي كانت تمارس ضد مصر مع بداية نجاح الثورة، فكان هناك اللقاء الشهير بين الأمير سعود الفيصل مع الرئيس الفرنسي، وأيضًا لقاء الشيخ عبد الله بن زايد مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ولقاءات أخري عديدة، نجحت في فرملة مواقف دول الاتحاد الأوربي التي تميزت بالحدة في مواجهة مصر، وأيضًا تحذير واشنطن من مغبة دعمها لجماعة الإخوان الإرهابية والوقوف ضد أماني وتطلعات الشعب المصري. لم يقتصر موقف السعودية والإمارات علي الحرب الدبلوماسية اللتين خاضتاهما في مواجهة المخططات الغربيةوالأمريكية وغيرهما ضد مصر، بل كان للدعم المادي الأثر الكبير في انقاذ مصر من مغبة السقوط في هاوية الأزمة الاقتصاية وتبعاتها، لقد كشف الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال لقائه بممثلي الأحزاب والقوي السياسية أثناء الحملة الانتخابية أن دول الخليج قدمت لمصر خلال الأشهر العشرة التي تلت ثورة 30 يونية ما قيمته '200 مليار' جنيه، وقال إنه لولا هذه المساندة لتعرضت مصر لأزمة اقتصادية واجتماعية طاحنة. لقد قال الشيخ محمد بن زايد في لقاء جري في ديسمبر 2013 مع وفد شعبي مصري ترأسه المستشار أحمد الزند 'نحن مع مصر إلي آخر الطريق، ليس عندنا بديل، وهذا ليس كرهًا في الإخوان، مصر أقدر علي مواجهتهم والانتصار عليهم، لكن مصر ثقل وتاريخ، نقطة اتزان، إنها أكبر دولة في المنطقة ويجب أن تكون قوية'.. وقال 'إن من يرغب أن يري مصر ضعيفة وجيشها ضعيفًا، فهو إما مجنون وإما خائن، لذلك نحن علي يقين بأن مصر ستخرج من كبوتها سريعًا بفضل الرجال المخلصين علي أرضها'. وقال الشيخ محمد بن زايد 'لو سقطت أي دولة لا قدر الله، فالعالم العربي سيظل بخير، ولكن إذا سقطت مصر، سقطت الأمة بأسرها'. تعددت المواقف والبيانات والانتقادات اللاذعة للمواقف الغربيةوالأمريكية، وسمع أوباما من خادم الحرمين خلال زيارته للمملكة في 28 و29 مارس الماضي تحذيرات واضحة من خطورة الموقف الأمريكي ضد مصر، ورفض كل محاولات أوباما للمصالحة مع أمير قطر، ما لم يلتزم بتنفيذ اتفاق الرياض الذي وقعه بحضور الملك وأمير الكويت في 23 نوفمبر 2013. وفي أعقاب الإعلان عن فوز المشير عبد الفتاح السيسي بمنصب رئيس الجمهورية، بادر الملك عبد الله بن عبد العزيز بالإعلان عن مبادرة تستهدف جمع الأشقاء والأصدقاء في مؤتمر للمانحين لدعم مصر واقتصادها، وهي خطوة ليست بالهينة، لأنها تعني مجددًا أن دول الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات عازمة علي الوقوف مع مصر حتي انتهاء أزمتها. لكل ذلك، عندما أطلت الوجوه الكريمة في حفل تنصيب الرئيس السيسي، كانت السعادة بالغة، وفود جاءت من كل حدب وصوب، ولكنني هنا أتوقف أمام مشاركة وفود رفيعة المستوي في مقدمتها الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي والشيخ محمد بن زايد ولي عهد الإمارات وأمير الكويت وملك البحرين وملك الأردن والرئيس الفلسطيني محمود عباس وغيرهم. إن هذا الموقف النبيل لن ينسي، سيبقي حيًا في الذاكرة المصرية، سنعلم أحفادنا معني هذا الموقف، ودلالته، فنحن وكما قال الرئيس السيسي 'لن ننسي من وقف معنا، ولن ننسي من وقف ضدنا'!!