تطورت الأزمة في أوكرانيا وتداعت فصولها سريعا بدخولها منعطفا جديدا يهدد بنشوب الحرب في أوكرانيا وذلك علي إثر التدخل الروسي الذي بدأ في أوكرانيا بدأ يوم الخميس الماضي بهبوط طائرات عسكرية ومروحيات بمطاري جزيرة القرم إلي جانب شاحنات لنقل الجنود ومدافع ومعدات مختلفة استعدادا لما هو أخطر وما هو آت وذلك بعد قيام مسلحين بالأمس الجمعة وقبل الأمس للاستيلاء علي مطاري الجزيرة الأمر الذي دفع بالسلطات الأوكرانية الجديدة ورئيسها المؤقت باتهام موسكو بتهديد أمنها والغزو المسلح لأراضيها، وتقديم شكوي لمجلس الأمن بالأمس الذي انعقد وفقا لطلبها وطالب رغم أحقية روسيا باستخدام حق النقض الفيتو باحترام سيادة أوكرانيا علي أراضيها وضرورة سحب القوات الروسية التي تحاصر الجزيرة وتهدد مطاراتها. كنا قد كتبنا تقرير سابق بجريدة الأسبوع المصرية بعنوان العبرة مما يحدث في أوكرانيا وكنا قد نوهنا إلي أن روسيا تتابع من كسب ما يحدث من اضطرابات سياسية ومحاولة لقلب نظام الحكم في أوكرانيا من جانب المعارضة الأوكرانية التي تنتمي إلي أمريكا والاتحاد الأوروبي علي حساب روسيا، ورغم أن الرئيس الروسي بوتين لا يتحدث كثيرا إلا أنه وبصمته وحنكته السياسية أدرك من البداية خطورة التحولات في أوكرانيا وميل نسبة من سكانها إلي الانضمام للاتحاد الأوروبي علي حساب المصالح الإستراتيجية لروسيا والاتفاقات المبرمة بينهما والوضع في الحسبان النسبة السكانية الكبيرة في المدن والأقاليم الأوكرانية التي تميل إلي البقاء مع التحالف الروسي، كما نوهنا إلي أن الرئيس بوتين لم يكن يخشي الانقلاب الذي استطاع أن يعزل الرئيس الروسي ولا بانضمام أوكرانيا إلي الاتحاد الأوروبي بل كل ما كان يخشاه هو نجاح المخطط الأمريكي والغربي والتركي من محاولاتهم ضم أوكرانيا لاحقا إلي حلف الأطلنطي. ومع تطور الأزمة في أوكرانيا وتعيين رئيس مؤقت ونظام جديد علي حساب المصالح الروسية فإن الرئيس بوتين لا يمكن أن يمرر الحال في أوكرانيا مرور الكرام وذلك بعد ما شعر بتجاوز النظام الجديد للانقلابيين في أوكرانيا للخط الأحمر وتهديدهم لمصالح روسيا وقواعدها العسكرية وروابطها التاريخية والجغرافية في أوكرانيا وبخاصة في جزيرة القرم التي كانت خاضعة لسيادة الاتحاد السوفيتي منذ أواخر القرن السابع عشر وحتي تنازل روسيا عنها كهدية لأوكرانيا من جانب عام 1954 شريطة أن تحتفظ روسيا بمصالحها في تلك الجزيرة الهامة المطلة علي البحر الأسود والمعبر الاستراتيجي الهام لروسيا للوصول بأكبر أساطيلها إلي المياه الساخنة بالبحر المتوسط وصولا إلي قواعدها في طرطوس بسوريا ومرورها بقناة السويس المحيط الهندي وقواعدها في بعض الدول هناك، وفي هذا الصدد يوجد اتفاقية مبرمة لوجود القواعد الروسية بالبحر الأسود لمدة 25 عام وترجع إلي عام 1997 والتي تسهل انتقال وتحرك الأساطيل الروسية بمرفأ سيفا ستوبول ، ناهيك عن خط الغاز الضخم الذي يمرر أكبر نسبة إلي أوروبا داخل الأراضي الأوكرانية لأكثر من 42 مليار دولار سنويا لروسيا، كما أن النسبة الأكبر من سكان القرم ينتمون إلي بعض العرقيات ومنها الروسية والتاتارية والأوكرانية ويتحدثون اللغة الروسية وتفضل البقاء والانضمام إلي روسيا، وقد جاء احتلال مطار سيفروبول ومطار سيفاستوبول بالقرم من جانب بعض المسلحين الذين رفعوا الأعلام عليهما إلي جانب زيادة التواجد العسكري الروسي فيها دلالة علي أن موسكو قد كشرت عن أنيابها وتأكدت من نجاح الخطة الأمريكيةالغربية من تحقيق أهدافها وعليه فإن موسكو لن تقبل الهزيمة أمام الغرب والتفريط في أمنها الإقليمي وقوتها بالعالم، والدليل علي ذلك هو التصريحات التي أدلي بها الرئيس الأمريكي بتحذيره لروسيا من مغبة احتلالها وتهديدها لسيادة أوكرانيا علي أراضيها إلي جانب تهديد آخر من السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة من التدخل الروسي وإمكانية إرسال بعثة دولية للتوسط في جزيرة القرم داعية روسيا لسحب قواتها من تلك المنطقة وهو ما ترفضه روسيا ، وهو نفس الموقف المتشدد الذي اتخذه رئيس الوزراء البريطاني والمستشارة الألمانية ميركل تجاه روسيا ومطالبتهما الرئيس بوتين بعدم التدخل في الشئون الأوكرانية، وفي الوقت نفسه لم يغب عن تركيا أن ترسل وزير خارجيتها بالأمس إلي أوكرانيا واعترافه من بلغاريا أن أوكرانيا تعتبر حليف استراتيجي لتركيا، مما دفع بالبرلمان الأوكراني أن يطلب الدعم والمساندة الفورية من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا لضمان سيادة أوكرانيا علي أراضيها ومطالبة صندوق النقد الدولي بتقديم حزمة من المساعدات إلي أوكرانيا بسبب انهيار اقتصادها واقترابها من حالة الإفلاس. وبرغم أن الرئيس الروسي استطاع امتصاص غضب تلك الدول وإعلانه للتهدئة وتأييده للتطبيع مع أوكرانيا ومباركته لإمكانية اختيار شعبها للاتجاه للاتحاد الأوروبي فإنه في نفس الوقت وعند الضرورة لن يسمح بتهديد مصالح روسيا وخسارتها لقواعدها في جزيرة القرم، ودليل ذلك منحه مؤخرا الجنسية الروسية للكثير من سكان جزيرة القرم وبخاصة المسلحين الذين كانوا قد استولوا علي المطارات بها، إضافة إلي عدم اعترافه بالحركة الانقلابية التي أدت إلي عزل الرئيس فيكتور يانكوفيتش المنتخب والموجود الآن بروسيا بسبب عدم احترامها للاتفاقات الدولية التي كانت مبرمة وعدم نيته في تسليم الرئيس المعزول ورفاقه إلي أوكرانيا. إن ما يحدث الآن في أوكرانيا من تصعيد للأزمة بها ينذر بإمكانية قيام حرب دولية خلال الشهور المقبلة وبخاصة بين روسياوأوكرانيا من جهة وبين روسياوأمريكا والغرب من جهة أخري، وأقل الاحتمالات في تلك الأزمة إذا ما تراجعت المعارضة الأوكرانية عن تشددها تجاه روسيا فإننا سنكون أمام ثلاثة سيناريوهات يمكن أن تحدث في أوكرانيا وهي انهيار اقتصادها وإفلاسها أو نشوب حرب أهلية أو تقسيما لأوكرانيا