نعم غيَّرتُ عاداتي التي ما كنت لأغيرها حتي اليوم. كنت أذهب إلي لجنة الاستفتاء قبل موعد إغلاقها بدقائق لأستشف في ذلك التوقيت الدقيق توقيت ما قبل الإعلان عن انتهاء عملية التصويت وبدء عملية الفرز نسبة الحضور، من خلال العبور البصري السريع علي 'التكات' التي كان يضعها سكرتير اللجنة عندما يفر الكشوف ليطلع علي اسمي، وكانت هذه النسبة لا تتخطي في أحسن الأحوال نسبة 3%، فأفضحهم حينما يعلنون أنها 90% أو 99%، وذات استفتاء ساداتي أعلنت محافظ بورسعيد، ومحافظات أخري، نتيجتها بنسبة 100%'!'.. اليوم ذهبت إلي لجنة الاستفتاء في أبكر ساعة صباحية لعلي أكون الأول في الإدلاء بصوتي أو من العشرة الأوائل علي الأقل، فإذا بكثيرين غيري قد سبقوني وإذا بالمئات يقفون في الطابور خلفي. قديمًا حاولت غير مرة التوقيع في كشوف المصوتين مظهرًا عدم اعترافي ب'التكة'، ومبررًا بلؤم ما كان لينطلي علي المسئول عن الكشف. كنت أقول بأنني إنما أفعل ذلك خدمة له حتي لا يأتي شخص ويقول إن الاستفتاء مزور، فإذا بي أنهر وأمنع، وذات مرة قال لي المسئول 'يا عم إنت عاوز توديني في داهية؟!'. اليوم وقعت باسمي الثلاثي وبالفورمة وكنت أرغب في كتابةكلمة شكرًا إلا المسئولة عن الكشف قالت لي 'بلاش أحسن'، اختبرت أمانة اللجنة وحاولت الخروج بعد أن أخذت بطاقة الرقم القومي دون المرور علي السيدة المسئولة عن زجاجة الحبر الفسفوري، لكنها عند الباب وبيني وبين الخروج من اللجنة قيد شعرة استوقفتي 'يا أستاذ.. تعالي واغمس صباعك في الحبر' ففعلت بعدما بدت لي واضحة نزاهة اللجنة 'اللجنة رقم 9 ومقرها مدرسة 6 أكتوبر الثانوية للبنات'. ما من استفتاء إلا أدليت فيه بصوتي، ولا أذكر استفتاءً لم أشارك فيه بصوتي سوي ما اتفقنا كمعارضين سياسيين يساريين علي مقاطعته، وما من استفتاء شاركتُ فيه إلا عَلَّمْتُ في ورقة التصويت علي 'لا'. هذه المرة، ولأول مرة في حياتي وممارساتي بدنيا الاستفتاء السياسي، عَلَّمْتُ في ورقة التصويت ب'نعم'. أقولها الآن 'شكرًا للثورة وللثوار'.. فها هي مطالبنا التي دفعنا، نحن فصائل اليسار السياسي المصري، أثمانها من حرياتنا، تصير حقيقة واقعة. فعلاً ما ضاع حق وراؤه مناضل، لكن الأثمان غالبًا ما تكون باهظة.