استقرار أسعار الفاكهة بسوق العبور اليوم 10 مايو    استقرار أسعار الدولار مقابل الجنيه اليوم في البنوك    خطوات التقديم على صب السقف للمخالفة المتصالح عليها وفقا للقانون    «القابضة للمياه»: ندوة لتوعية السيدات بأهمية الترشيد وتأثيره على المجتمع    «الزراعيين» تنظم حوارا مجتمعيا للترويج للمشروعات الصغيرة    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال استهدف غزة    رئيس الحكومة اللبنانية يبحث مع هنية جهود وقف إطلاق النار في غزة    لاعب غزل المحلة: المنافسة على لقب الدوري «حق مشروع»    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 9 مايو 2024 والقنوات الناقلة    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 11 مايو 2024 | إنفوجراف    استعدادات العائلة لعطلة الصيف: توقعات إجازة عيد الأضحى 2024    ضبط وتحرير 24 محضرًا تموينيًا في شمال سيناء    بكاء المنتج أحمد السبكي بسبب ابنه كريم.. ما السبب؟    صلاة الجمعة.. عبادة مباركة ومناسبة للتلاحم الاجتماعي،    دعاء يوم الجمعة لسعة الرزق وفك الكرب.. «اللهم احفظ أبناءنا واعصمهم من الفتن»    شكري ونظيره الأمريكي: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية تهدد استقرار المنطقة    تعرف على المكرمين بالدورة الثانية لمهرجان إيزيس الدولي للمسرح    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 10 مايو 2024.. مكاسب مالية ل«الميزان» ومشاكل صحية ل«القوس»    محامي: مصر تحتل المركز الخامس عالميا في المراهنات الإلكترونية    مرض ووفيات وعمليات جراحية.. أحداث الوسط الفني في أسبوع    القاهرة الإخبارية: «حماس» تٌخبر الفصائل الفلسطينية برفض الاحتلال مقترح الوسطاء    محامي حسين الشحات يعلن مقاضاة بيراميدز بسبب بيان قضية محمد الشيبي    أسعار اللحوم الحمراء في منافذ «الزراعة» ومحلات الجزارة.. البلدي بكام    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    أعداء الأسرة والحياة l صرخات نساء «تجار الدين» أمام محكمة الأسرة    أعداء الأسرة والحياة l خبراء وائمة فرنسيون : الإخوان والسلفيين.. شوهوا صورة الإسلام فى أوروبا    أحمد العوضي يحسم أمره بشأن العودة لياسمين عبدالعزيز.. ماذا قال؟    يحطم مخطط التهجير ويهدف لوحدة الصف| «القبائل العربية».. كيان وطني وتنموي داعم للدولة    طبق الأسبوع| مطبخ الشيف رانيا الفار تقدم طريقة عمل «البريوش»    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    مصطفى بكري: مصر تكبدت 90 مليون جنيها للقضاء على الإرهاب    أسرار «قلق» مُدربي الأندية من حسام حسن    الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس المتوقعة اليوم الجمعة    ملف رياضة مصراوي.. زيارة ممدوح عباس لعائلة زيزو.. وتعديل موعد مباراة مصر وبوركينا فاسو    عبد الرحمن مجدي: أطمح في الاحتراف.. وأطالب جماهير الإسماعيلي بهذا الأمر    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    نص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة اليوم 10-5-2024.. جدول مواعيد الصلاة بمدن مصر    أشرف صبحي يكشف ل«أخبار اليوم» تحديات وزارة الرياضة منذ توليه المهمة    أعداء الأسرة والحياة l «الإرهابية» من تهديد الأوطان إلى السعى لتدمير الأسرة    إصابة شرطيين اثنين إثر إطلاق نار بقسم شرطة في باريس    ما حكم كفارة اليمين الكذب.. الإفتاء تجيب    إصابة 5 أشخاص نتيجة تعرضهم لحالة اشتباه تسمم غذائي بأسوان    هدية السكة الحديد للمصيفين.. قطارات نوم مكيفة لمحافظتي الإسكندرية ومرسى مطروح    مسؤول أوروبي كبير يدين هجوم مستوطنين على "الأونروا" بالقدس الشرقية    البابا تواضروس يستقبل رئيسي الكنيستين السريانية والأرمينية    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    خالد الجندي: مفيش حاجة اسمها الأعمال بالنيات بين البشر (فيديو)    خالد الجندي: البعض يتوهم أن الإسلام بُني على خمس فقط (فيديو)    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    فريدة سيف النصر تكشف عن الهجوم التي تعرضت له بعد خلعها الحجاب وهل تعرضت للسحر    آية عاطف ترسم بصمتها في مجال الكيمياء الصيدلانية وتحصد إنجازات علمية وجوائز دولية    مجلس جامعة مصر التكنولوجية يقترح إنشاء ثلاث برامج جديدة    مزاجه عالي، ضبط نصف فرش حشيش بحوزة راكب بمطار الغردقة (صور)    4 شهداء جراء قصف الاحتلال لمنزل في محيط مسجد التوبة بمخيم جباليا    تعرف على سعر الخوخ والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 10 مايو 2024    «الكفتة الكدابة» وجبة اقتصادية خالية من اللحمة.. تعرف على أغرب أطباق أهل دمياط    «أنهى حياة عائلته وانتح ر».. أب يقتل 12 شخصًا في العراق (فيديو)    هيئة الدواء تعلن انتهاء تدريب دراسة الملف الفني للمستلزمات الطبية والكواشف المعمليّة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنطق التبريري في خطاب الإخوان المسلمين
نشر في الأسبوع أونلاين يوم 05 - 12 - 2013

بالغ السوء والأسف أن نري تلك المآلات التعسة التي آل إليها الوطن، بل الإسلام نفسه، في هذه الآونة، من جرّاء ما يفعله بعض أبنائه وأتباعه، الذين حوّلوه من إسلام إلهي.. سمح.. رحيم.. جوهره 'لا إله إلا الله'.. وهدفه هداية العالمين.. ورحمة العالمين.. الإسلام الذي ارتقي بالبشرية إلي تمام الدين.. وكمال مكارم الأخلاق.. فتمت به النعمة.. وعمّ السلام أرجاء المعمورة.. لقد حوّلوه إلي إسلام سياسي إلهه السلطة.. وآلياته الكذب.. والحيلة.. والمكر.. والتزود الشره من كل أسباب القوة المتوحشة.. لقهر الخلق.. وإذلال الرقاب.. الإسلام الإلهي هو الرحمة التي وسعت كل شيء.. وإسلامهم السياسي سوط عذاب.. وأداة فتك وإرهاب.
لا غرو إذن أن نري الناس وهم يخرجون من دين الله أفواجًا.. وليس هذا من قبيل المبالغة والتزيّد.. فلأول مرة نسمع عن تزايد أعداد الملحدين في مصر.. ونري منهم تلك المجاهرة الفجة بالإلحاد.. بل والجرأة في السعي والمطالبة بتمثيل يحفظ لهم حقوقهم في دستور البلاد، الذي يجري الإعداد له هذه الأيام.. وهذا من جرائر ممارسة السياسة باسم الإسلام!!
تزايدت فعلاً أعداد الملحدين في مصر، خاصة بعد أن رأوا من أوهمهم أن الإسلام هو الذي يحكم.. الإسلام في صورة تطبيقية فاشية فاشلة!! عندما اعتلت جماعة الإخوان المسلمين، كبري الحركات الفاعلة في منظومة الإسلام السياسي، سدة الحكم في مصر.. وصلت إلي الحكم وهي رافعة ذلك الشعار الكليّ الغامض: 'الإسلام هو الحل'، وهو شعار متسق، ساحر الصياغة، ولكنه في الوقت نفسه شعار صوري فارغ، يحيل إلي ذاته، دون أن يحمل أي مضمون واقعي يشير إليه من برامج وحلول لمشكلات الواقع الذي أصبح يثقل كواهل الناس.. ويئنون تحت وطأته.. فلم يعدُ الشعار أن يكون تحصيلاً لحاصل لا جديد وراءه!!
وطوال عام الحكم الإخواني انتظر الناس الحلول التي بشروهم بها تحت لافتة الإسلام.. ولم يجد الجميع شيئًا سوي قبض الريح.. ومن ثم لم يهدأ أوار الصراع والصدام بين الطغمة الحاكمة والجماعة التي تحركها في جانب وكل قوي المجتمع وفئاته في جانب آخر.. وليس مع الحكومات هذه المرة!! وكلما جدّ الناس في السؤال: أين ما وعدتم به؟ أين ما بشرتمونا به من حلول الإسلام؟ لم يجدوا منهم إلا التبرير والتسويف والمماطلة.. فثار عليهم الشعب واقتلعهم.. لما عاينه منهم من استئثار بالسلطة وإقصاء لكل من عداهم من التيارات السياسية الأخري.. وتبدلت الأحوال.. فرأي كثير من المتابعين للإخلوان وجهًا احترابيًا دمويًا.. يدوس كل القيم في سبيل مصلحته الذاتية الخاصة!! وهو في الوقت نفسه منتسب إلي الإسلام في كل ما يقول ويفعل. وعهد الناس بالإسلام سبيل إلي الإصلاح.. واجتماع الكلمة، والتئام الشمل.. وليس سبيلاً إلي التفريق، والشرذمة، والاستقطاب الحاد الذي لم تعرف له البلاد مثيلاً منذ وصول الإخوان إلي السلطة، ثم ازاحتهم عنها.. وهو مالا نزال نعاني آثاره المدمرة حتي هذه اللحظة.
وكان مما غذّي هذا الاستقطاب، وأشعل أوار الفرقة والشقاق السياسي والمجتمعي، هو بعض العيوب الهيكلية التي يتسم بها خطاب الإخوان المسلمين.. ومنها أنه خطاب تبريريّ.. إنكاري.. مراوغ.. يسمي الأشياء بغير أسمائها الحقيقية.. يعيب الشيء، فإذا صدر منه برره.. وحاول تجميله في أعين الناس، بخفة لاعب السيرك، الذي يقفز من النقيض إلي نقيضه في لمح البصر!! فهل يختلف حاضر جماعة الإخوان المسلمين عن ماضيهم في هذا الجانب من خطابهم؟
لابد هنا من ربط الحاضر بالماضي لنري: هل طرأ علي هذا الخطاب من تغيير.. أو تطور.. أو نضوج؟ ولنضرب هنا مثلاً من تراث الإخوان المسلمين.. حيث بدايات الدعوة.. والآباء المؤسسون.. والقضية التي يدخل المثل فلي إطارها هي من أعقد القضايا في تاريخ الإخوان المسلمين.. بل في تاريخ الإسلام السياسي كله، وهي قضية الاغتيالات السياسية. والهدف من سوق المثل هو الكشف عن أنماط تفكير العقلية الإخوانية.. وأساليبها في معالجة المشكلات التي تواجهها.. والمثل في الأخير شاهد علي المنطق التبريري في خطاب الإخوان.. واستراتيجيته الأساسية هي الحجاج بالمغالطة.
وبداية إذا وقع الاغتيال السياسي من غير الإخوان المسلمين سموه باسمه الطبيعي، أما إذا وقع منهم للتخلص من خصومهم، فإنهم عندئذ يطلقون عليه مصطلحًا إيجابيًا برّاقًا وهو: 'الأعمال الفدائية'.. وحرمة الدم واحدة لو كانوا ينصفون، ما دمنا في إطار من السجال السياسي السلمي، والخصوم من المسلمين معصومي الدم.
المثل هو كيفية معالجة قضية مقتل المستشار أحمد بك الخازندار، القاضي الذي حكم بأحكام قاسية علي بعض أعضاء الإخوان، فقام ثلاثة منهم هم: عبد الرحمن السندي، رئيس التنظيم السري الخاص، ومحمود سعيد زينهم، وحسن عبد الحافظ.. باغتيال القاضي الخازندار واعترفوا بذلك.. يروي 'محمود الصباغ' في كتابه: 'حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين'، يروي النتيجة التي توصلت إليها المحكمة الإخوانية الخاصة التي عقدت للنظر في هذه القضية فيقول: 'وقد تحقق الإخوان الحاضرون لهذه المحاكمة من أن عبد الرحمن قد وقع في فهم خاطئ في ممارسة غير مسبوقة من أعمال الإخوان المسلمين، فرأوا أن يعتبر الحادث قتلاً خطأ، حيث لم يقصد عبد الرحمن ولا أحد من إخوانه، سفك نفس بغير نفس، وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطني في بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار بك.
'ولما كان هؤلاء الإخوان قد ارتكبوا هذا الخطأ في ظل انتمائهم إلي الإخوان المسلمين وبسببه.. فقد حق علي الجماعة دفع الدية التي شرعها الإسلام كعقوبة علي القتل الخطأ من ناحية، وأن تعمل الهيئة كجماعة علي إنقاذ حياة المتهمين البريئين من حبل المشنقة بكل ما أوتيت من قوة، فدماء الإخوان ليست هدرًا يمكن أن يفرط فيها الإخوان في غير أداء فريضة واجبة يفرضها الإسلام، حيث تكون الشهادة أبهي وأعظم من كل حياة.
'ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءًا من الشعب، وكانت الحكومة قد دفعت بالفعل ما يعادل الدية إلي ورثة المرحوم الخازندار بك، حيث دفعت لهم من مال الشعب عشرة آلاف جنيه، فإن من الحق أن نقرر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة وبقي علي الإخوان إنقاذ حياة الضحيتين الأخريين محمود زينهم، وحسن عبد الحافظ.
'واستراح الجميع لهذا الحكم دون استثناء، بل إنه لقي موافقة إجماعية من كل الحضور بما في ذلك فضيلة الإمام الشهيد' إلي هنا انتهي كلام محمود الصباغ.
لقد ساق محمود الصباغ، في هذا النص، أغرب متوالية تبريرية، يمكن سوقها للتنصل من المسئولية الدينية.. والجنائية.. والأخلاقية، عن قتل المستشار الخازندار.. هكذا تقتل نفس مسلمة حرّم الله قتلها إلا بالحق.. هكذا يسفك دم بشريّ هو أعظم حرمة عند الله من الكعبة المشرفة. إنها متوالية عجيبة حقًا: بما أن الأستاذ السندي لم يتلق أمرًا مباشرًا من المرشد العام حسن البنا.. بل اجتهد رأيه ظنا منه أن قتل الخازندار سيرضي المرشد الذي تمني في وجود السندي الخلاص من الخازندار، إذن فالقتل خطأ!! وما دام السندي ورفيقاه ينتمون إلي جماعة الإخوان المسلمين، فإنه يجب علي الجماعة دفع الدية.. وما دامت الحكومة قد دفعت الدية من مال الشعب، والجماعة جزء من الشعب.. وعليه فلا شيء علي الجماعة.. وهو الحل الذي أراح الضمائر 'المعذبة'.
ثم فلتتأمّل معي تلك العبارة المجازية العجيبة، التي يوردها 'محمود الصباغ' لينفي من خلالها تهمة القتل عن إخوانه أو يبررها: 'حيث لم يقصد عبد الرحمن ولا أحد من إخوانه، سفك نفس بغير نفس، وإنما قصدوا قتل روح التبلد الوطني في بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار'.
هل يصلح 'المجاز' هنا تبريرًا لقتل النفس قتلاً ماديا حقيقيًا؟ 'المجاز' لا يعد وكونه آلية بلاغية يصنع منها الخطاب الأدبيّ الجماليّ! فهل غابت عن أذهانهم أبسط قواعد الشريعة الإسلامية التي لا تبيح قتل النفس إلا بشروط ثلاثة ليس من بينها 'روح التبلد الوطني' التي سكنت جسد المستشار الخازندار؟ أم هو منطق التبرير.. وانعدام الشعور بالمسئولية.. وإعمال المعايير المميزة المزدوجة التي يهدر الإخوان المسلمون من خلالها دماء الأغيار رخيصة، بينما دماؤهم وأرواحهم غالية يجب صونها وادخارها لأداء فريضة الجهاد المقدس في سبيل الدعوة الإخوانية؟ وهل يكتسب الإرهاب صفة القداسة مهما حاولوا أن يلصقوها به؟
وإذا كان هذا هو منطق تفكير قيادات الرعيل الأول من جماعة الإخوان المسلمين، والمفترض فيهم الحكمة والرزانة والاتزان.. وإذا كانت تلك هي ثمار ضمائرهم، فلا ينبغي أن نستغرب مدي البؤس الأخلاقي الذي انحدر إليه جيل الشباب منهم، إلي درجة أن يصفع أحد هؤلاء الشباب سيدة عجوزًا مُسنّة، علي وجهها أمام الملايين، لمجرد أنها تحمل صورة تجمع بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والفريق أول عبد الفتاح السيسي، يوم محاكمة الرئيس السابق د.محمد مرسي.. الذي سرق هو وجماعته ثورة مصر في 25 يناير.. ووجهوها لخدمة أهدافهم الخاصة في القفز علي السلطة التي لم تدم في أيديهم إلا قليلاً.. 'قل اللهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير' 'آل عمران: 26'.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.